قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾(الشمس 7 10) وقال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَابا يَلْقَاهُ مَنْشُورا ﴾ (الإسراء13( الضمير هو تلك القوة الروحية التى تحكم مواقف الإنسان وتفكيره، هو محكمة عليا من محاكم العدل، هو استعدادٌ نفسى لإِدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأَقوال والأَفكار، هو استحسان للحسن واستقباحُ للقبيح. وتأنيب الضَّمير، أو وخزه،هو ما يحسّه الفردُ من عذاب أو ندم أو اتّهام لذاته بارتكاب غلطة أو خطأ ما نتيجة سلوك قام به. لقد كثرت فى مجتمعاتنا حالات وفاة الضمير، حتى باتت هى السمة الغالبة إلا من رحم ربى، نعم قد يمرض الضمير فى فترة ما، وقد يحتضر، ولكن المرء يستطيع أن يعيده معافا من جديد، إذا ما تنبه وسارع فى مداواته، أما الطامة الكبرى هى موت الضمير موتا لا رجعة فيه،موت يرخص معه كل شىء حتى الدين والوطن والأهل، فتجد صاحبه لا يبالى من أى الأبواب اكتسب ماله أو طعامه أو شرابه أو وظيفته أو شهرته، يموت إحساسه، فيصبح بعقل لا يفقه، وعين لا تبصر، وأذن لا تسمع، وقلب لا يدرك، يعيش على سلب الآخرين، فيغش ويرتشى ويضلل العقول ويعمل على إغواء البشر إلى ما يريده هو، فلا تجده تعف نفسه عن الحرام، بل يحلل ويحرِّم لنفسه، ثم يعود لحياته وكأنه لم يفعل شيئا، ويستمر فى قتل ضميره حتى تصل به الحال إلى وعظ نفسه مواعظ الشياطين لبنى الإنسان، مخالفا إرادة الله، قال تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ،*وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلا عَظِيما) ( النساء 26 27) هل حقا نعادى ضمائرنا فنقتلها؟! وهل حقا نبيعها ؟! يا لبشاعة الفكرة! إن مانراه ونسمعه من شهادة زور، وخيانة، وسرقة، وقتل، وظلم، وخطف، وقطع للأرحام، وتزييف للحقائق، وانهيار لمبانٍ حديثة البنيان، وحدوث الكثير من الحوادث على الطرق، والإهمال الطبى الذى ارتفعت معه نسب الوفيات، والغش فى البيع والشراء، وغيرها من موبقات الحياة، ما هى إلا صور من موت الضمير وغيابه. وتُعد الرشوة من أخبث المكاسب، لأنها من أشد أنواع أكل الأموال بالباطل، وقد نهى الله عز وجل عن ذلك، فى قوله سبحانه) : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِإِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)( النساء: 29) فما فشت الرشوة فى مجتمع إلا وعم فيه الفساد، وتشتت فيه القلوب، وانتشر فيه الخلل، فالرشوة جريمة لها مخاطرها على كل الأصعدة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهى نتيجة لما يحصل فى المجتمعات التى تخلت عن قيمها الدينية وأخلاقيات المهنة والأمانة لذا فهى مؤشر لوجود خلل خطير إن لم يعالج فالنتائج السلبية على المجتمع ستكون أخطر مما يتصوره البعض من أنها ظاهرة عابرة، كما أن الرشوة من أنواع السحت المحرم وقد وردت أحاديث كثيرة فى التحذير من هذا المحرم وبيان عاقبة مرتكبيه منها: مارواه ابن جرير عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى(صلى الله عليه وسلم) قال: كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به،قيل: وما السحت؟ قال: الرشوة فى الحكم،ولا فرق فى حرمة الرشوة بين قليلها وكثيرها. إننا نحتاج إلى أن نستعيد صفاتنا الإنسانية، لكى نعيد للحياة رونقها الحقيقى، لكى نعيد لأنفسنا آدميتها، فنحقق ما نريده من تقدم، وما ننادى به من حرية، علينا بإعلاء النفس، وتهذيبها، بما يصلح أن يكون، علينا بمراقبة الله فى السر والعلن، ولله در القائل: إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل على رقيب ولا تحسبن الله يغفل لحظة ولا أن ما تخفيه عنه يغيب أخى القارئ تعالى نوقظ عقولنا من غفوتها، تعالى نبنى أنفسنا ونقضى على أهوائنا، تعالى نمنح أنفسنا وقتا للمحاسبة، تعالى نبحث عن ضمائرنا التى ركناها ونسينا أماكنها، تعالى نضيئ ضمائرها بنور الهداية والطاعة، تعالى .. نجعل ضمائرنا متصلة وليست غائبة أو مستترة. المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية