على مدى عشرين عاماً وتحديداً مع بداية حقبة التسيعينات ونظراً لتقدمه في العمر وعدم استطاعته التحقق والمراقبة والتجسس على كل من هم حوله من وزراء ومسئولي وموظفي ومستشاري مؤسسة الرئاسة.. استخدم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك سياسة الوقيعة بين كل المسئولين في الدولة «وهذا ما ورد على ألسنة معظم من عملوا معه» فقد كان كل الوزراء والمسئولين والمستشارين في حالة صراع مع أنفسهم من أجل النيل بلحظات رضا يتحسسونها عندما ينال أحدهم شرف الحديث للرئيس من أجل الفتنة على زميله الذي ربما كان يوماً صديقه لكن رضا الرئيس عنه ربما يكون أهم عنده من رضا أبيه، وكان كل واحد منهم يشعر بداخله أنه الأقرب إلى عقل وقلب الرئيس. عبد الفتاح السيسي لأنه في الأساس رجل مخابرات والتجسس على الأشياء هو أسلوب حياة بالنسبة له والشك الدائم وفرض سوء النية صفات أساسية عنده نتيجة طبيعة عمله لأكثر من عشرين عاما.. قام بزراعة أعينٍ له في كل مؤسسات الدولة الكبيرة منها والصغيرة بعد التغيير الوزاري الأخير «وهذا بناءاً على معلومات لأكثر من مصدر» حيث توضع أمامه تقارير يومية عن كل كبيرة وصغيرة في المؤسسات حتى الآن وتم وضع هؤلاء القادمين من خارج المؤسسات في مناصب عليا ليس من أجل مراقبة الأداء ولكن من أجل مراقبة الولاء.. كما شكل لنفسه كتلتين برلمانيتين «قائمة في حب مصر وقائمة الجبهة المصرية وتيار الإستقلال» تنافست كل منهما مع الأخرى في نيل ثقة الرئيس وتكون الداعمة له.. فقرر الرئيس أن يستخدمهما لمصلحته ولكل واحدة منهما أنه يشرفه أن تكون الظهير البرلماني له.. وهو ما وضح في الحملة الدعائية لهما في البرلمان. مع بدايات الألفية الجديدة قرر محمد حسني مبارك فتح باب الالتحاق بالنظام عن طريق المزاد.. نعم كما أقول لك النظام بالمزاد، حيث وضع رقماً يفتح به المزاد على المنصب.. فمزاد بعض الوزارات وضع لها رقم مائة مليون جنيه والبعض الآخر منها وضع رقم 50 مليون جنيه، فكانت النتيجة الطبيعية هي فوز رجال الأعمال بكل مقاعد تلك الوزارات، ووزارات أخرى لا تثمن ولا تغني من جوع خصصها لمن يحبهم.. كما فتح المزاد لكرسي البرلمان 10 ملايين في غالبية الدوائر الأقل أهمية وتزداد تدريجيا حتى تصل إلى 50 مليون جنية في بعض الدوائر المهمة.. وكراسة الشروط بها شرط أساسي بأن يكون المتقدم من أعضاء الحزب الوطني.. وكي لا يُغضب قيادات الجيش وقضاء خصص منصب المحافظين ورؤساء المجالس المحلية و رؤساء الشركات الكبيرة معظم السفارات والقنصليات لمن يخرج منهم من الخدمة. عبد الفتاح السيسي كان مختلفاً في أمر واحد فقط .. وهو أنه أختار الوزراء من الموظفين التنفيذيين كي يضمن الحفاظ على النظام البيروقراطي المصري, ويضمن الولاءات له, فهو صاحب فضل عليهم.. أهداهم المنصب ولم يشتروه.. خاصة بعد إمتناع رجال الأعمال عن المناصب الوزارية, لأنهم يرون أن بريقها قد انتهى, فالوزاراء أصبحوا يهانون في الشارع وفي الإعلام وربما يهان من مواطن له مظلمة على الهواء في مداخلة هاتفية في برامج "التوك شو".. أما عضوية البرلمان فتنقسم عند عبد الفتاح السيسي إلى شقين.. الأول مرشح دفع ثمن عضويته عندما دخل في مزايدة للإلتحاق بقائمة "في حب مصر" التي تحت مظلة الدولة, والأعلى سعراً من بين هؤلاء المتقدمين الذين عبروا كشوف الولاء والوطنية والأمن والعذرية من الثورة بنجاح.. والثاني أكثر تعقيداً وهو اختيار رجل أعمال أوإثنين أو ثلاثة من بين جميع المتقدمين والمتسابقين ليكونوا سند الرئيس المالي, ووقع الإختيار على "أحمد أبو هشيمة و منصور عامر و كامل أبو علي" لاعتبارات عديدة.. أهمها أنهم لم يكونوا سياسيين من قبل, بمعنى أن سمعتهم السياسية لم تلوث مع نظام مبارك أو نظام الإخوان.. وتم اتباع اسلوب جديد في اختيار المرشحين عن طريق تشكيل كيان حزبي "مستقبل وطن" رسمياً بقيادات شبابية "فاترينة" وفي الحقيقة يديرونه هؤلاء الثلاثة.. وتم من خلاله اختيار مرشحين هم أصحاب سمعة طيبة في دوائرهم واجتازوا نفش الكشوفات السابقة, لكن هؤلاء المرشحين لم يدفعوا مالاً ولم يتكلوا مليماً واحدا من جيوبهم في الإنتخابات؛ بل تم تخصيص لكل مرشح من ال 205 مرشح في جميع دوائر مصر مبلغ 500 ألف جنية للحملة الإنتخابية في كل جولة سواء الأولى أو الإعادة ومن المتوقع أن تتم الإعادة على 140 مقعداً.. أي أ، هذه الإنتخابات سينفق عليها ما يقارب ال 180 مليون جنية.. يدفعها الأثرياء الثلاثة. عبد الفتاح السيسي يبدو أن نجوميته أغرته وجعلته ينسى مصير من سبقه، وقرر أن يستمر في إستنساخ نظام مبارك في كل شيء بطريقة أكثر عصرية.. فأسلوب الإختيار واحد وطريقة الإدارة واحدة.. لكنه ينسى أن بهذا سوف تكون النهاية أيضاً واحدة… وإن تأخرت. المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية