أن اتصور أن أكتب عن عبد التواب يوسف وجمال الغيطانى فى مقال مهما طال هو محكوم بعدد كلمات فهو ضرب من الخيال. فكل من فقيدى الأدب العربى يحتاج لكتب ورسائل تٌكتب عنهما وسنوات لقراءة وفهم وتحليل ما كتباه و تأثيره وعلاقته بما حوله. وكلاهما أثر فى تشكيل واقعنا المصرى المعاصر بشكل أو آخر حتى وإن إختلفت طرق التعبير. أكتب عن رحيلين حزينين فى شهر واحد، عبد التواب يوسف كأحد رواد أدب الطفل العربى، الذى كتب مايزيد عن 900 عنوان للأطفال و أثرى مكتبة الطفل العربى بمكارم الأخلاق، و جمال الغيطانى كأحد أهم كتاب جيل الستينات و تلميذ نجيب محفوظ وواحداً من أوائل من إتجهوا للتاريخ بنظرة مكتملة، ورآه ظاهرة تكمل نفسها وفى بعض الأحيان تعيد نفسها أوتبرر نفسها.ظاهرة تراها فى القصص والفن والعمارة والشوارع واللغة وذاكراة البسطاء. لايكفى العمر لنقرأ كل ما نتمنى ، تتراكم على مكتبى قوائم لكل الأعمال التى أود أن أفهمها وأكتب عنها، تحتاج عمراً فوق العمر لتفعل ويظل رزقك من الأفكار مقسوماً ومحكوماً بسعيك. وإن كنت كاتباً تحتاج أربعة أضعاف من العمر لترضى، عمر تعيشه لنفسك وأهلك ومتطلبات الحياة الضرورية، وعمر لتقرا كل ما تود، وعمر لتفهم كل ماتقرأ وعمر لتكتب وتبدع. لهذا حين ترى إنجاز عبد التواب يوسف فى مكتبة مهولة تركها للأطفال، وقصص مسموعة فى حكايات أبلة فضيلة التى شكلت وجدان أجيال بأكملها وألهبت فى نفوسهم حب الحكاية، وتسمع عن تفانيه فى خدمة ثقافة الطفل وتكريسه لموهبته اللغوية والأدبية عبر حياة طويلة لثقافة كانت ولاتزال تٌعتبر ثانوية تدرك خسارة رحيله. وحين ترى إنجاز الغيطانى فى إعادة الرونق للبحث فى التاريخ والتنقيب فيه والعودة للوراء ليصل إلى اللحظة الآنية ويفكر فيما هو آت تدرك حجم خسارته. حين تتذكر أن الغيطانى هو من أسس جريدة أخبار الأدب لتظل عبر سنوات طويلة منتجاً رائعاً للنقد الأدبى والبحث وللملفات المتخصصة الشاملة تدرك حجم خسارته. ولايمكن تعويض خسارة الجواهر سوى بالحديث عنها وإظهار جمالها لكل من فاتته والإلتفات لما تركته من جمال وضى فى الحياة وما خلفته من تأثير جميل فى عالم مؤسف. ولن يكفى مقال ولا كتاب. ما يجمع بين الفقيدين فى وجهة نظرى المتواضعة هو الإهتمام بالمهمشين ثقافيا. تناول عبد التواب يوسف الطفل، الكائن المهمش الذى يظن أغلب الناس أن القليل يكفيه وأى كلام بأى لغة يرضيه، كرس له سنوات عمره كله سواء بالكتابة أو بالترجمة أو بجمع كل ما وقعت عليه عيناه مما كٌتب له فى الداخل والخارج. لم يفكر أن الكتابة للطفل لاتزال فى نظر البعض مهمشة وسهلة ولا تعبر عن موهبة، بينما الكتابة للطفل هى السهل الممتنع ، والصعوبة المطلقة خاصة فى إطار إنحناء سقف الحرية الثقافية و صعوبات النشر وقلة المكسب. أما الغيطانى فقد تناول المهمشين فى التاريخ، جعل منهم الأبطال، وجعل رواياتهم للأحداث وأحاسيسهم هى الجوهر، جعل من الحكاية الشفاهية القابلة للتغيرمن فم إلى فم هى الأصل مهمشاً بذلك التواريخ الرسمية القابضة على التاريخ. المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية