-1- لاشك فى أن برامج التوك شو أصبحت أداة فاعلة فى تحريك الشارع المصرى والأسر المصرية، بل أصبحت" هيئة رقابية مستقلة "تمارس عملها ومهامها بكل حرية وانطلاق بلا قيود أو حصار، ولا نستطيع أن ننكر إنها إحدى الآليات المهمة التى حركت نبض الشعب المصرى حينما كانت تلقى ظلالا كثيفة على سلبيات النظام السابق وممارساته الفجة، وحينما كانت تعرض بصوت عال مسموع ،لم يخش ولم يخف ،وحينما كانت تكشف الجانب غير المرئى دائما الذى لا يراه المواطن البسيط ،إلا من خلال هذه النوافذ الحرة ،ومن ثم فهى بحق كانت لبنة هامة فى الأرض الصلبة التى حركت المصريين فى ثورة 25 يناير ولا نستطيع جميعا أن ننكر أن "التوك شو " أصبح بمثابة شعاع الثورة الذى أصبح أغلب المواطنين يحرص على الاهتداء به فى عتمات الليل المظلم، فى ظل عدم شفافية من الحكومات وغياب شبه تام للمعلومات، وإذا كانت نشرة ( أخبار التاسعة )هى المحطة الأساسية التى ينتظرها المواطن كل ليلة ليصل بها الى شاطئ الحياة اليومية ،وهى العين التى تريه الأحداث والأخبار والنافذة التى تطلعه على العالم كله ،إلا إن برامج (التوك شو) الآن سحبت البساط من نشرة الأخبار، وبخاصة لدى مواطنى الصعيد، فهى تستخدم نفس الأداة وهو الجانب الخبرى لكن مع فارق يحسب لها ويميزها على غيرها مثل: - التجديد فى الشكل والمضمون فلم يعد الشكل الثابت للمذيع الذى يمسك عدة أوراق مكتوبة أمامه يلقيها بمهارة وإتقان، بلا تفاعل أو مشاركة للحدث نفسه ،ولم تعد الأخبار تأتى تترا بلا نبض أو روح أو تحليل أو تفسير كاف – أحيانا - أما( التوك شو) فهو يقدم الخبر وبالتفصيل ،ويشرح جوانبه المختلفة ويحلل معطياته وأركانه، ويستعين بالصورة وبالمتابعة ،والرصد ،والنقد ،وهى أداة مهمة تفاعل معها المشاهد حيث التقارير المصورة التى تتابع الحدث لحظة بلحظة من بدايته حتى نهايته ،واستضافة المتخصصين ليكشفوا جانبا أو جوانب أخرى لم نرها بعد ، أو يقرأ فى المشهد ما لم نتمكن نحن من رؤيته وقراءته ،أو يقدم رسالة للمسئول أو للمختص ، أو يكشف للمجتمع خللا هنا أو مشكلة هناك ،ومن ثم تراجعت إلى حد ما مبيعات الصحف أيضا ،لأن المشاهد ببساطة يرى الحدث ويسمعه ويشاهد تفاصيله بأسلوب جذاب شيق ،وسلس بلا عناء أو مشقة ومن هنا أصبح الحرص على متابعة التوك شو أحد" المهام "الرئيسة التى يحرص عليها المواطن فى حياته اليومية. - 2- - ومن هنا فإن هذه القراءة النقدية تأتى انطلاقا من أهمية الدور الذى تقوم به هذه البرامج من توعية وكشف للأحداث وللحقائق – أحيانا -بعد أن أصبحت أداة يقاس بها نبض المجتمع وتوجه الناس فى شتى المجالات - ولابد من الإشارة إلى أن عملية الرصد والتأمل والمتابعة جاءت لكثير من البرامج واستقصاء للعديد من الآراء ،ولكن هنا سأكتفى بعدد من هذه البرامج تحظى بنسبة مشاهدة ومتابعة مرتفعة. أولا : ملاحظات على البرامج شكلا ومضمونا: - تعتمد هذه البرامج على الجانب الخبرى ،أو إلقاء الضوء على أهم الأحداث اليومية فى المجتمع المصرى، ثم فقرة حوارية أو فقرات رئيسية مع ضيف أو ضيوف للشرح والتفصيل ،والتحليل ،والمزيد من المتابعة والنقد والتوضيح لقضية أو لموضوع مهم، أو تناول أحد الأحداث ويتخلل البرنامج بالطبع عرض تقارير متنوعة ومختلفة -عندما بدأت هذه البرامج مستعينة بهذا الشكل الثابت تقريبا فى كل البرامج ،حظيت بنسبة قبول وانتشار ونجاح كبير لأن ظهور هذا الشكل كان جديدا فى حد ذاته ، ولأنه كان يقترب أو يحاول من (الشكل العالمى ) الذى اقتبست منه هذه البرامج ، وقد حققت متعة وإفادة فى الوقت نفسه ،وبالتدريج تسابقت القنوات واحدة تلو الأخرى فى مواكبة هذا الشكل الفنى ،والتنقل به من مكان إلى آخر،ومع تلاحق وتتابع هذا العدد لم يرسخ فى وجدان المشاهد سوى بعض البرامج التى كان لها أسبقية الظهور ، أولا، ثم التى استحدثت مع ظهور العديد من القنوات : ، العاشرة مساء، ، البيت بيتك، 90 دقيقة، الحياة اليوم ، مصر الجديدة، هنا العاصمة، (النهاردة).. ثم تباينت نسب المشاهدة للبرامج الأخرى ، إما لأن بعض هذه البرامج لم يحظ بشهرة ومتابعة بعد ،أو لأن مقدميها لم يحظو بجاذبية لدى المشاهد بعد ،أو لأن القنوات نفسها لا تلق قبولا وانتشارا لدى المشاهد. -إن طريقة النسخ وهى آفة فى مجتمعنا العربى بشكل عام أحدثت حالة من الملل وعدم الاستجابة السريعة لهذا الكم من البرامج المتلاحقة ،لدرجة أن بعض المشاهدين يقومون بالانصراف عن بعض البرامج فور بدء الفقرة الإعلانية لمتابعة برنامج آخر، وهكذا مع تحديد برنامج رئيسى يحظى بقبول واسع لدى كل مشاهد على حدة ،ولا ينفى هذا متابعته لثان أو لثالث لكن ليس بنفس القدر من الأهمية. من هنا نطرح سؤالا: ما الذى يجعل هذا البرنامج يحتل المرتبة الأولى لدى المشاهد، دون غيره: 1- هناك مشاهد تجذبه شخصية مقدم البرنامج ،أو شهرته لاسيما إذا كان يمارس عملا صحفيا، فالمتابعة السابقة لفكر ورؤى هذا المذيع تحفز المشاهد كثيرا لمزيد من المتابعة لاسيما المشاهد المثقف. 2- هناك مشاهد يتابع البرنامج حبا وتقديرا لمقدمه حتى وإن اختلف معه أحيانا، فيما يطرح ،لأنه يمثل بالنسبة للمشاهد النبض الحقيقى للشارع المصرى أو لأنه يتناول الأحداث والتحليلات بموضوعية ومهارة أو لأنه يحظى بقبول "وكاريزما" خاصة ،والتى يكون معظم التكوين الوجدانى لها هبة من الله عزوجل لا تكتسب أو لأنه " بيكلم حلو" -حسب تعبير بعض المشاهدين- وهى جملة برغم ما تحمله من طرفة ،إلا أنها تحمل مضمونا يستحق التأمل، فهى جملة مجازية ،تعبر عن أن المشاهد عندما يشعر أن هذا الأداء أو الإلقاء أو الرؤية أو الطرح أو الرأى ......،يعبر ويجسد ما تراه عين المشاهد نفسه، فإن نسبة قبول المذيع تزداد بالتدريج حتى تصل إلى درجة (الثبات أو الرسوخ) بمعنى أن المذيع قد احتل مكانة لدى المشاهد ،وكأنه أصبح لسان حاله وعيونه التى ترى ما يراه وما لايراه ،وتشعر بنبض قلبه وأوجاعه وهمومه. - شهرة القناة من أهم الأسباب فى نجاح برنامج( التوك شو ) لأن القنوات المشهورة تحظى بنسبة مشاهدة ومتابعة لمعظم ما يطرح فيها من مواد إعلامية متنوعة. وتكتسب نوعا من الثقة لدى المشاهد - أن البرنامج قد يقدم خدمة أو شيئا ،لا يتوافرفى برنامج آخر فهناك برنامج يستهل بفقرة إخبارية تلقى الضوء سريعا على اهم الأحدث اليومية ،بما يجذب نوعية من المشاهدين أكثر من البرامج التى تقدم فقرة حوارية مباشرة ،وقد يحدث العكس ،فعناصر الجذب تختلف بالطبع من مشاهد إلى آخر، لكن غالبا فإن المشاهد يميل بل ويبحث كثيرا عن الاختلاف والتميز والتنوع سواء فى عرض المادة الإعلامية نفسها أو الضيوف أو الفقرات. - ليس من الضرورى أن يظل هذا البرنامج أو ذاك هو رقم (1) لدى المشاهد بشكل ثابت، فقد تتذبذب نسب المشاهد بين الارتفاع أو الهبوط للأسباب السابقة وهى وجود عنصر آخريتوفر فى هذا البرنامج مثلا ،أو لشخصية المذيع اولاكتساب هذه الحلقة تحديدا تميزا عن غيرها ،مما قد يجعل المشاهد يتحول فجأة عن هذه القناة إلى تلك ،إذا ما شاهد مثلا حوارا ساخنا ، أو معركة حوارية بين ضيفين لتعلق الحلقة فى ذهنه ،وربما يفكر مرة أخرى فى إلقاء نظرة أخرى فى الأيام التالية، تعبيرا عن تأثره القائم بعد، ومن ثم فإذا حاولت التعرف عن مجمل الأسباب لدى مجموعة من المشاهدين فلن تخرج الإجابات غالبا على : أن ضيفا مفضلا له قد أثار انتباهه ،أو أن موضوعا ما يناقش فى تلك اللحظة قد استرعى انتباهه ولعل طريقة طرح الموضوع ،أوأداء المذيع، فكلها عوامل تستوقف المشاهد ،هنا أو هناك ،ومن ثم فهذا الأمر لا يخضع لقواعد ثابتة يمكن القياس عليها ، فالأمر يختلف تبعا للحدث أو للضيوف أو للقناة ،أو تبعا للحالة المزاجية المتقلبة التى تطرأ على المشاهد بين لحظة وأخرى، وهو أمرمن الأهمية بمكان ،حيث إن الحالة النفسية والتعبير عن الانفعال يعد أمرا مهما ينعكس على الموضوع بوضوح، فالمشاهد الذى تطغى عليه حالة من الضيق النفسى والشعور السلبى يختلف اختياره فى تلك اللحظة بالطبع عن المشاهد الذى تسيطر عليه حالة من الأريحية والسعادة والسرور.هذا من حيث الشكل والمضمون للبرامج الحوارية بشكل عام المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية