(1) -هل يموت الحب؟ -كثيراً ما مات، لكنه لا يُدفن أبداً؛ فلا هو يغيب، ولا هو يحضر. لا يعود منا لكن يظل فينا. -وهل يُبعَث من بعد موته؟ -قد يُبعَث جسداً، لكن الروح إن راحت لا تعود. -وما الذي يقتل الحب؟ -عدم إدراكه -ولماذا لا ندركه؟ -لأنه أخفي من أن يظهر، وأعمق من أن يُسبر، وأثمن من أن يُقَدر. لا يفهمه إلا الصادقون الشفافون. إنه هبة لا يُلقاها إلا البشر الحقيقيون. -ولماذا نحب؟ -يعرف الإجابة كلُ من لم يحب. (2) ما أعطى البشر أفضل من عطاء المحبين؛ يعطون بلا طلب، ويسعدهم الطلب، لا يملون العطاء حتى يمل أحبابهم الأخذ، ولا يهمهم رد العطاء أو حتى شكره، سعدُ الحبيب سعدهم، وهجرُ الحبيب قتلُهم. لا يحدثون في العمر إلا مرة، لا صدق يعدل صدقهم، ولا لحن أروع من صمتهم، ولا نهر أعمق من عيونهم، ولا ماء أطهر من قلوبهم. هم الناس وغيرهم أشباه. هم الحياة فإن ضاعوا فهي موات (3) قلوب المحبين لا يهجرها الحب حتى وإن هجرها الأحباب، ولا تقدر على الخيانة حتى وإن مزقتها الخيانة. هي قلوب تتحمل الأذى ولا تتحمل أن تتسبب فيه، وتتحمل الهجر ولا تتحمل أن تبدأ به. قلوب المحبين دافئة وسط الصقيع، مورقة في الجدب، ومزهرة في الخريف. قلوب المحبين أندر وأنقى من الماس. قلوب المحبين تنبض بلا صوت، وتموت في صمت، لكن لا يمكن أن يغيبها الموت. قلوب المحبين تكاد ألا تكون قد حدثت بعد. (4) هو: لماذا نقرأ عن الحب في التاريخ، ولا نجده في الواقع؟ أنا: لأننا لا ندرك قيمة الحب إلا بعد ضياعه هو: إذن فالبشر إما حمقى أو أغبياء! أنا: هم أغبياء إلا حد الإبداع! هو: وما الإبداع في الغباء؟ أنا: أن ترى غيرك قد سبقك إلا طريق يؤدي إلى الهاوية، فتتبعهم بسرعة مختلفه. ليست المشكلة في السرعة لكن في الطريق. هو: لكن كل البشر يحبون... ألا نحب اهلنا وأبناءنا؟ أنا: ذاك حب بالغريزة، أما حب من ليسوا من دمنا فهو سمو تضيق صدور الكثيرين عن أن تصعد إليه. هو: وهل ترى نفسك ضمن من صعدوا؟ أنا: أراني ناظراً إليهم، عارفاً قدرهم، ومدركاً لصغر قدري أمام عظم قدرهم. (5) الحب ما منع الكلام الألسنة... وألذ شكوى عاشق ما اعلنا ومكايد السفهاء واقعة بهم... وعداوة الشعراء بئس المقتنى ذاك هو تعريف المتنبي لحالة الحب والمحبين، لكنها حالة مستحيلة في عالم يتواصل بأكثر مما يتنفس، وبين ناس تقول أكثر مما تعلم أو تفهم، وجيل يكاد أن يأخذ "سيلفي" لأحشائه! يبدو أنه كلما اندفعت البشرية للأمام اندحر قلبها إلى الخلف!