" إنَّ الدورَ الإيجابى الذى تلعبه القوى السياسية يستدعى ملاحظة ضرورية تتعلَّق بطبيعتها ؛ فالقوى السياسية لا يمكن أن تكون منَ المجرَّدات ، ومنْ بابِ أولى لا يمكن أنْ تكون أشياء مادية . القوى يجب أنْ تكون بذاتها وفى ذاتها قابلةً للصعودِ والتملَّك والتفكَّكِ والسقوط " بذا يميط "مارسيل بريلو" اللثام عنْ أحد أهم الأبجديات السياسية ؛ ذلك أنَّ القبلية التى تمارسها القوى السياسية داخل ما يسمَّى بالعالم الثالث ، وهو ما يأخذ شكل العقل الجمعي ؛ ذلكم هو السبب الرئيس فى فساد أغلب العمليات السياسية فى الأمَّة العربية عامةً ، وفى الأزمة المصرية فيما بعد يناير 2011 م خاصةً .. فى يناير 2011 م طالب الشعب بسقوط نظام ناهز الثلاثين عامًا ، وهو امتداد للعسكرية الناصرية فى أبهى صورها فانحازت البلادُ والعبادُ إلى إنتخابات حرّةٍ أتت بأول رئيس مدني ربما فى تاريخ مصر كله ، وأعقبت ذلك أحنٌ ومحنٌ نظرًا للراديكالية التى كان يتمتع بها "الإخوان المسلمون" فتراجعتْ مصر اقتصاديا ، وسياسيا ؛ فلم يجد المصريون إلاَّ الجيش ليحمى مقدرات شعبٍ وتراث أمَّة منْ أنْ يندثر ، ممَّا أدى بتغيير تموضع الجيش داخل اللعبة كلها ، فبعدما صار وسيطًا أمينًا على ثورة شعب ، انتقل إلى كرسى الحكم ، وما أعقب ذلك من دماء سالت وأرواح أزهقت .. والآنَ وبعد الإطاحة بالرئيس الثيوقراطي منهجًا المدني ظاهريًا ، وما تلا ذلك من قتل واعتقال كثير الكثير من أتباع الإخوان ، لازلت مصر تسبح فوق بركة من الدماء . بعيدًا عن الجدل الدائر ومدى تتبع الرئيس السيسي خطى دولة مبارك ، حيث يتشابهان فى عسكريتهما ، إلاَّ أنَّ الأحداث ونتائجها تطرح علائم استفهام ، منها : لماذا لم تفلح التحركات الأمنية للجيش فى قمع وتجفيف فروع الدولة الإسلامية فى شبه جزيرة سيناء ؟ وفى الموجة الأخيرة من طوفان قتل الجنود لماذا تضاربت الأنباء حول عدد القتلى من الجيش ، فبينما يعلن الجيش عدد قتلاه ، نجد الأنباء العالمية تتكلم عن ستة أضعاف العدد الرسمى فى بيانات الجيش ؟! الرواية تبدأ منذ أحداث الأربعاء الدامى فى ميداني رابعة والنهضة ، فما لطَّخه الدمُ لابد وأنْ يزيله دمٌ آخر ، إنَّ الرئيس السيسى لم يف بوعوده فى احلال الأمن ، حتى ُقتل أحد المسؤلين البارزين فى الحكومة ، النائب العام ! ماذا لو أجرينا انتخابات مبكرة دون الإطاحة برئيس جاء بصندوق الإنتخابات ، لربما جنَّب هذا مصرَ ويلات الإنقسام والتربص ! إنَّ ما يحدث الآن ليس صنيعة الجماعات الإسلامية فقط ، بل وأخطاء مارسها الجنرال السيسى .. بات هذا واضحًا فى دخوله اليمن ، فقد كان خطأ ليس بالهين ؛ كما لو كان يتشبَّه بعبد الناصر فى كل شئ حتى وقوعه فى فخ "اليمن" هذه الحرب التى سمَّاها عبد الناصر بنفسه (فيتنام الجيش المصرى) إنَّ دخول اليمن فى عهد عبد الناصر ؛ كبَّد البلاد خسائر وصلت إلى قتل الآلاف من جنودنا ، ناهيكم عن الخسائر المالية الفادحة ، فهل كان دخول السيسى اليمنَ هو فاتورة يدفعها لمموله الإنتخابى الذى ساهم فى رفعه على الكرسى وهو "السعودية " ؟! وكيف أنَّ أمرًا بغاية الخطورة كهذا لا يشارك فيه الشعب أو النخبة المثقفة ؟ فهذا ولا شك يؤكد أنَّنا نعيش دولة عسكرية جديدة ، تحت فزَّاعة الإرهاب والأمن والعدو المجهول ! النخبة المثقفة ذاتها طرفً فى هذه المعادلة الفاسدة ، كما لو كان تم تجنيد أغلبهم كيما يسبحون بحمد الرئيس ، وما أكثرهم .. حتى أنَّك لتجد كاتبًا كبيرًا مثل "صنع الله إبراهيم" يتحدث عن عهد السيسى ومآثره ، رغم أنَّه ذاق مرارة الإعتقال فى سجون عبد الناصر ؛ فما أشبه الليلة بالبارحة ؛ إنَّ الخروج من هذه الأزمة يستلزم نسف كل المطلق والمقدس فى رؤيتنا للصنم الأكبر رئيس البلاد ، فمنذ دولتنا القديمة الفرعونية ونحن ننظر إلى الملك كإله الحكم له حق مقدس ، علينا أنْ نعى أنَّ الرئيس موظف حكومى يأخذ أجره من ضرائبنا التى ندفعها ، وثالثة الأثافى هو أنَّ تجد عند الطرفين (الإخوان/السيسى) تعتيما معرفيا فى عدم التفريق بين الدولة ، وبين الحكومة ، فالحكومة ليس هى الدولة بذاتها بل هى أداة من أدوات الدولة الام ، فالدولة هى مفهوم مجرد غير مادى ، فلا يمكن للجماعات الإسلامية أن يعتقدوا أنَّهم يحاربون الدولة بل الحكومة الحالية ، وعلى الحكومة أنْ تتوقف عن تصدير نزاعها السلطوى على أنَّه دفاع مقدس عن الدولة .. وأخيرًا أقول : السياسة لا يوجد ما فيها ما هو مطلق ومطرد ، إنَّها لعبة المصالح ، ومصلحة البلاد والعباد فوق كل شئ . المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية