لم يتوقف الصراع الإنساني علي إمتداد التاريخ بين قيم العدالة و الحرية و بين الظلم و الإستبداد و مابين الحاكم الظالم و الرعية المظلومه و ما بين إرادة الحياة و محاولة إنتزاعها و مابين الجوع و الحرمان و الثراء و البذخ ، و لا زال الصراع دائر بين ثورة الإنسان علي الظلم و بين طلبه في الحصول علي الخبز ( الحياة الكريمة ) و لازالت الكلمتان ( الثورة و الخبز ) يحتفظان بقوة التعبير عن جوهر الصراع الإنساني علي مدار التاريخ , و لازالت حركة التاريخ تدور بين الكلمتان . الخبز و الثورة هما قطبا الصراع التاريخية الذي حكم العلاقة بين الدولة و المجتمع من فجر التاريخ و إلي الآن , و لقد نشأ الصراع بين طرفي المعادلة الخبز و الثورة عندما تخلت الدولة عن موجباتها الأخلاقيه في إدارتها للسلطة ، و تحتل العدالة بداية هذه الموجبات الأخلاقيه ، ثم تتسع لتشمل كافة الأحوال الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية للفرد و للمجتمع علي حد سواء و هي في النهاية مجموع الحقوق الطبيعية . لقد شهدت العلاقة بين الطرفين جولات من الصراع الدامي غيرالمتكافيء بين ثورة الشعوب و بين السلطة للحصول علي الخبز و كان الإنتصار غالباً لرغيف الخبز و ملحقاً الهزيمة بالثورة , و إن خسر الخبز في بعض الجولات و كسبت الثورة , هكذا كان الربيع العربي في البداية , و خسر الخبز و تقدمت حركة التاريخ للإمام ، و حققت الشعوب بعض أمانيها ليعود الخبز مرة آخري إلي المشهد و تتنصر الثورة المضادة . و لكن الصراع لن يتوقف و لا يزال مستمر و نحن سائرين في الطريق و الشعوب والأفراد لم تنال حريتها و حقوقها بعد ، و ستتجاهل الأنظمة المستبدة مطالبنا و سيسخر منا الطغاه , و لكن الثورة مستمر رغم أن رغيف الخبز يشدنا إلي الوراء . لقد راي العالم أجمع ثورة الشباب العربي الذي خرج لينادي برفع شعار العدالة و الحرية و اضعاً كفنه علي يديه و ازاح الطغاه من طريقة ، و فشلت الجولة الاولي ليعود الطغاه مرة أخري بوجوه آخري , و تحت شعارات جديدة كلها تصب في النهاية الخبز أهم من الثورة و استجابت جموع من الشعوب العربية للسلطة الجديدة لضمان الخبز و انتصر الخبز و فشلت الثورة . كان من اوهام الشباب إن الاماني قد تحققت برحيل الطاغية ، و لم يدرك الشباب إن الإستبداد ضارب بجذروه في هذه الأرض و إن للطاغية اعوان و لن يتركوه يسقط و يسقطون معه ، بل لابد من البحث عن سيناريو جديد نعود به إلي الكرسي و البحث عن عدو نحمله سبب عودتنا هكذا كان السماح لدخول التيار السياسي الإسلامي إلي دفة الحكم ليكون عدو جديد و ليكون هو سبب الخراب و البلاء و بدأت الحرب علي الثورة و السبب هو العدو الجديد و أصبح يتحمل فاتورة ساذجه لكل من يريد أن يقبل بعودة الطواغيت إلي كراسي الحكم و يعتقل الشباب و تمنع الكلمة و تمنع الثورة من السير في طريقها التاريخي لتعبر الحركة التاريخية و تعيد إلي الارض الصراع بين الثورة و الخبز . إن عادة جميع الأنظمة المستبدة علي مر التاريخ هي نظرة الإستعلاء و القوة و البطش هي التي تهيمن علي تفكيرهم , و لا يطرأ علي تفكيرهم أبدا بان هؤلاء الجياع و المتعطشين للعيش في ظل الحرية سوف يهزموا القوة و السلاح ، و قد حدث بالآمس القريب فلماذا تحاول أن تثبت إنه لن يحدث ! إن التشبث بالحكم هذا مرض تاريخي لدي كل الديكتاتوريين ، و هو مرض لا علاقة له بالحالة العامة للحكام فهو في هذه الحالة يغيب عنه التفكير المنطقي السليم و و سبب هذا كما يقول بعض المفكرين إن الإنحرافات الخطيرة في عقلية الحاكم تنم عن إختلال عقلي لديه عندما يكون الأمر متعلق بإحتماليه خلعه من الحكم , فياتي بتصرفات لا تخضع للتفكير السليم بل بتفكير مرضي ، بل إنه لو فكر قليلاً لماذا يخرج الشباب يواجه الموت من أجل الحرية ؟ لو كانت إجابته عقليه لتفادت الإنسانية مجازر مروعه حدثت بحق الشعوب ، خاصة في العصر الحديث الذي تخلي عن قوانين الغابة و اصبح يوصف بالعالم المتمدن ، و لكنها أهواء و أطماع مرضية داخل نفسية الطغاه هي التي جعلت الصراع يسير إلي اليوم . إن الحاكم المستبد بحاجة إلي بطانه و قوة يدينون له بالولاء و هذا يتتطلب تقديم كثير من المغريات و خاصة المالية و المادية منها لضمان ولائهم و هذا يسبب إختلالاً كبيراً في توزيع الثروة مما يجعل من قضية الحرية قضية منسية عند المجتمع و قضية الخبز هي الأهم ، و يعيش المجتمع حالة من الصراع علي فتات ما تبقي من بقايا انصار النظام و بطانته و رغم ذلك يرفض الثورة حتي لا يضيع هذا الفتات الذي يعيش عليه هو و اسرته , و يظل هذا الصراع الدائر بين الرغبة في الثورة و بين الخبز الذي يخاف فقده عند قيامه بالثورة ، خاصة إن الخوف من الفشل مصاحب لمن يريد أن يتصدر قيادة الثورة ,و من يمشي في ركابها خاصة في هذا الخبز الذي حتماً سيفقده إن فشلت ثورته . و السؤال هنا إذا كان الصراع بين الثورة و الخبز مستمر و من الصعب التحرك بالثورة إلا لجولات بسيطة في تاريخ الشعوب ، فما تتحرك الثورة ؟ و الإجابه بسيطة هي عندما يتساوي الخبز و الثروة في الفقد ، بمعني إن الخبز مفقود و الثورة قد تنجح في إعادته , أو بمعني آخر إن تساوي الموت و الحياه في حياه المجتمع ، و اصبح الجميع يعيش علي فتات النظام و انصاره فالنفس البشرية تتمرد علي واقعها و تفضل الموت و هي تثور خيراً لها أن تموت و هي تتسول رغيفها ، و يظل في المقدمة من يؤمن بالحرية و العدالة و يظل في المؤخرة من خرج ليضمن تتدفق الخبز إليه و إلي اسرته ، و يشترك في الثورة نوعين من الناس شخص ساخط علي مركبات المجتمع الذي يحيي بداخله من قله الخبز و فرص العمل و السكن و الدواء و ينظر إلي غيره الذي استطاع الحصول علي كل شيء في غياب ضميره و مراقبه الله , فيخرج شاهراً سيف الحق و العدل مقابل سيف الباطل و و الصنف الثاني هو من خرج يبحث عن حياه افضل له و لمجتمعه و هو قد يكون لا ينقصه شيء من العمل و السكن و لكن ينقصه الإحساس بالحياه في ظل مجتمع أفضل له و لأبنائه من بعده . و عند خروج الثورة يقف له الحااكم بالمرصاد مستخدماً كل أساليب البطش و القمع مستخفاً بأرواح البسطاء و الشباب و ينظر إليهم علي إنهم مجموعة من العملاء و المأجورين و الرعاع و إنهم خارجين علي القانون و تصبح القضية صراع بين الثورة و الرصاص . بين الرصاص و الثورة تدور المعركة الكبري بين المجنمع و السلطة و قد اثبتت تجارب التاريخ إن الرصاص لن يصنع مجتمعاً نجاحاً و إن الشباب الذي خرج في الربيع العربي متحدياً الرصاص لا يوجد لديه أدني مانع في خروجه ثانيه ، خاصة و إن الأسباب الذي خرج من أجلها لم تتغير بل باتت أسوء و تفكيره سوف يهديها إلي إن الحل في الخروج للثورة مرة آخري و لكن هذه المرة لن تكون كالسابقة ، فبالنسبة للشباب قد اصبحت لدية الخبرة التاريخية في صناعة الحدث و في متابعته كاملاً و صناعة مستقبله بعيد عن ايدي الأحزاب و السياسيين ومستغلي الثورات ، و بالنسبة للسلطة فالحدث سوف يكون أكبر من أن يحكمه المنطق و العقل فالمسائلة بالنسبة له حياة أو موت و قبل أن يموت سوف يحصد الالوف من الثوار محاولة منه أن يحيا و لو يوم واحد أكثر . لا نبشر بثورة دموية بقدر ما نركز علي إن من يراهن علي الإعلام لكي يكون صوت يضغط علي الشعوب لكي لا تقول كلمتها فهو واهم و العالم اليوم ليس هو عالم القرن العشرين الذي كانت الدولة تسيطر فيها علي كل ما يصل للناس من صحف و كتب و إذاعات و إن السلطة التي لا تعتمد علي جماهير الأمة في كسب ولائها و لضمان استمرارها فهي منتظرة لا محالة دورها في الثورة القادمة التي تقترب كل يوم اكثر فأكثر .