إننا دائما وأبدا نتباهي بتاريخنا وعراقتنا وماضينا ولا ننظر أبدا لحاضرنا.. ولا مستقبلنا.. ولا نحاول أن نمهد الطريق لشبابنا وأولادنا وأحفادنا من بعدنا. ورحلتشيماء.. وتركت لنا وردتها وبعضا من الألم والحزن.. وكثيرا من الدماء.. قتلها مجتمع مازال يؤمن بكلمات مثل الفضيلة والقيم والأخلاق والصدق مثلما يؤمن ويصدق أن مصر أم الدنيا.. رحلت شيماء.. وصعدت روحها إلي بارئها في السماء لتنضم إلي طابور الشهداء.. ولم يكن يدرك عقلها في تلك اللحظة.. وفي تلك الأيام أنه مازال في بلادي سلطة تحمل في قلبها أشواكا وبارودا ورصاصا.. يقتل الشرفاء بناء علي التعليمات.. ويترك اللصوص ليمرحوا في طول البلاد وعرضها.. ويتعامل مع هؤلاء اللصوص بمبدأ إللي فات مات.. لأن هؤلاء يعرفون كيف يقدسون المصلحة.. ويقدسون معها كراسي الحكم والجاه والسلطان. رحلت شيماء.. لأنها صدقت الأقوال والشعارات والكلمات التي ترددها السلطة في الصباح والمساء.. وأغفلت أن مصر مازالت تتمسك بالماضي.. بالزمن البعيد.. بالمظهر البراق.. بالحضارة بالتاريخ.. بالأغاني التي تمجد الزعيم الملهم والرئيس المؤمن واخترناك.. وأغفلت أيضا أن مصر تحمل في قلبها مجتمعا مريضا عليلا كسيحا.. ينبش في الماضي وينسي أنه في هذا القلب وتحت الجلد يخفي الجهل والفقر والمرض. إننا دائما وأبدا نتباهي بتاريخنا وعراقتنا وماضينا ولا ننظر أبدا لحاضرنا.. ولا مستقبلنا.. ولا نحاول أن نمهد الطريق لشبابنا وأولادنا وأحفادنا من بعدنا.. فمازلنا نهتم فقط بالشكل الخارجي.. بالمظهر.. بالديكور.. نمشي في الظلام.. نخاف النور.. نخاف العلم.. نخاف التقدم.. نعادي العلم والعلماء.. نهرب إلي المجهول.. لنعيش في المعلوم.. وننتظر من ولاة أمورنا المرتب والحافز والعلاوة والفتات و»المعلوم». مازلنا نعيش ونصدق أننا مجتمع فاضل وأمين ومستقيم.. فإذا كان الآخرون متفوقين علميا.. فنحن متفوقون روحيا ودينيا.. نقنع أنفسنا دائما بذلك ونصدق ذلك.. ومثلما نلاحظ في حياتنا العادية أن الكاذب يظل يكذب ويكذب ويكذب حتي يصدق نفسه.. فقد ظل المجتمع يتوهم ويتوهم ويتوهم حتي صدق أوهامه.. ونقول نعم للسلطة.. أي سلطة.. ولا ندرك أن تلك السلطة لها دائما حساباتها الخاصة جدا.. والتي تخفيها دائما.. وتعلنها نادرا.. إن السلطة.. أي سلطة تعتبر أن التفكير جريمة, والجهل فضيلة, والخوف صبر, والتطور جنون, والصمت حكمة, والإختلاف خيانة, والحاكم إله, والشعب عبيد, والماضي مقدس.. والحاضر مقبول, والمستقبل ملعون, والحرية كفر.. والثورة تمرد.. ثورة يناير كانت تنادي بالعيش والحرية.. ومازال الشعب يقف في طابور العيش بالبطاقة الذكية.. ومازال يبحث عن الحرية.. ومازالت عقارب الساعة تجرنا إلي الماضي.. لنبدأ من جديد.. ولكن.. من هنا يبدأ الصراع.. يبدأ الصدام.. تبدأ المواجهة بين حاضر وليد وماض بعيد بليد, حاضر يطلب الحرية والنور.. وماض مازال يعيش في الظلام.. ظلام القهر والفقر والجهل والمرض.. هنا تتحرك السلطة لتحسم الأمر.. إنها لا تفكر.. لا تجدد.. لا تبتكر حلولا للأزمات.. إنها تقتل.. تقتل الورد.. تقتل الفرحة.. تقتل النور.. تقتل الشباب.. تقتل الذكري.. تقتل يناير.. تقتل شيماء.. وتقتل معها الحاضر والمستقبل. والسؤال الآن.. هل تغير شيء؟! مازالت السلطة.. هي السلطة.. أنها تريد من الشعب أن يكون جبانا في مواجهة ماضيه, شجاعا في مواجهة مستقبله, جبانا في مواجهة الحاكم, شجاعا في مواجهة عدوه»منتهي التناقض!!».. لأن الجبن والشجاعة لا يجتمعان في إنسان.. إن الإنسان لا يستطيع أن يصبح شجاعا فجأة بمجرد شعار يرفعه, أو خطبة يسمعها, أو حتي كلمات نختمها دائما بتحيا مصر. أقولها الآن.. لكل من يريد أن يعود بنا إلي الماضي.. إلي الزمان الذي ولي.. إنني أستطيع أن أعطيك أذني الآن لتسمعك, أعطيك قلبي ليصدقك, أعطيك عيني لتراك, ولكنني لا أستطيع أن أعطيك حريتي.. إن حريتي هي عقلي, وهي آرائي, وهي تفكيري, وهي شجاعتي, وهي حياتي, وهي مستقبلي, إنني لو أعطيتك حريتي, فإنني أصبح مثلما كنت زمان.. شيئا بلا قيمة, بلا هوية, بلا تفكير, شيء له ماض, ولكن ليس له مستقبل.