نفي خبراء تربويين أن تكون الظروف الاجتماعية السيئة للأسر السبب وراء انقطاع ابناءهم المبكر عن التعليم، مرجحين كفة خلل منظومة التعليم الحديثة في السبب وراء هذه الظاهرة. ورجح المعلم الأميركي "جون كالدويل هولت" في كتابه الشهير "كيف يفشل ألأطفال" أن التلاميذ يخفقون أكاديميا بسبب استراتيجيات التدريس التقليدية والبيئة المدرسية المملة والمنفصلة عن الواقع، موضحا أن الأجواء داخل المدرسة "مشبعة بجو من الخوف، خوف من الفشل وخوف من الذل وخوف من الرفض، وجملة هذه المخاوف تعيق النمو الفكري للطالب"، وشدد على أن "العلامات والدرجات التقييمية التي يضعها المعلمون تعزز مخاوف الأطفال من الفشل في الامتحانات، وبالتالي فهي مسؤولة عن انطفاء حبهم للدراسة، وأيضا على قمع فضولهم ورغبتهم في المجازفة من أجل الاستكشاف والتعلم". وحول انطفاء الرغبة الجامحة للتعلم قبل سن المدرسة وانطفءها بعد دخول المدرسة يقول هولت أن الطفل "قبل بلوغه سن المدرسة يبدي استعدادا كبيرا لاكتشاف ذلك العالم الذي يخصه، ولكن بمجرد أن يصبح جزءا من تلك المنظومة التعليمية يشعر بالنفور منها، والسبب أن "المدارس تفرض على الأطفال دواما مطولا، ومهاما متكررة من شأنها أن تفقدهم على المدى الطويل القدرة على التحمل". وهولت شبه طريقة التعليم الحديث ب"قطعة الكعكة" التي يجبر التلاميذ على التنافس عليها، وهي "مكافآت تافهة وحقيرة" لا يمكن أن تحفز الأطفال على التعلم. ولاحظ هولت من خلال أبحاثه المتعددة أن معظم التلاميذ قبل سن العاشرة يتوقفون عن طرح الأسئلة بسبب خوفهم من السخرية ومن التقييمات التي ليست في محلها في أغلب الأحيان. وكشف التقرير الأخير الذي أصدرته منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" ومنظمة الأممالمتحدة للطفولة "اليونيسف" أن 21 مليون طفل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خارج المدرسة أو مهددون بتركها، وعلق علماء النفس على ذلك مشيرين إلى أن الانقطاع المبكر عن التعليم لا يرجع بالضرورة إلى الظروف الاجتماعية السيئة لأسر بعض التلاميذ، موضحين أن تكتيكات التخويف التي يمارسها المدرسون من أجل تحفيز التلاميذ على النجاح تفقدهم الحماسة وتجعلهم يشعرون بالنفور من الدراسة. وأكد باحثون بريطانيون أن حوالي 50 % من التلاميذ تعتريهم مخاوف قوية من الاختبارات المدرسية إلى درجة تؤثر بشكل قوي على أدائهم الأكاديمي، وأظهرت دراسة لهم أجروها على عينة من التلاميذ أن دوافعهم للقيام بعمل جيد قد انخفضت، لشعورهم بالتهديد من قبل رسائل المعلمين التي تركز على الفشل، كما انخفضت درجات الامتحان بسبب تكتيكات الخوف التي يستخدمونها. وأوضح القائم على الدراسة "ديفيد بوتوين" من جامعة إيدج هيل في لانكشاير بإنكلترا، أن المعلمين لم يكونوا على دراية واضحة بأفضل طريقة ممكنة لتحفيز التلاميذ على إجراء الامتحانات، ولم يكونوا على علم بكيفية إمكانية تفسير الرسائل التي ترسل إلى التلاميذ حول أهمية الأداء الجيد في الامتحانات. ونبه باحثون من جامعة كيبيك الكندية إلى خطر الإهانات اللفظية التي يوجهها المدرسون للتلاميذ بسبب عدم انتباههم أو سلوكاتهم المشينة داخل الفصل، وقالت الباحثة مارا برندغن "اكتشفنا أن التعرض للإهانات اللفظية يساعد على الجنوح في مرحلة المراهقة المبكرة، كما أنه يؤثر سلبا على المستوى الدراسي للطفل"، مشددة على ضرورة "توفير تدريب أفضل للمعلمين من أجل تأهيلهم للتعامل مع الأطفال الذي يقومون بسلوكيات غير مرضية من دون توجيه إهانات لهم". ولكن دراسة أميركية جديدة رجحت أن مهنة التدريس وخاصة في المراحل الابتدائية ترفع حدة الضغوط على المعلمين، وتجعلهم أكثر عرضة للاكتئاب، وذلك من شأنه أن يؤثر على أداء التلاميذ، وخاصة في مادة الرياضيات، وأشارت إلى أن نسبة الاكتئاب بين معلمي المراحل الأولى تصل إلى 25 %مقارنة ب18 % في صفوف غير المعلمين. وأوصى الباحثون بضرورة تفعيل برامج الصحة النفسية للمعلمين، لأنها تؤثر بشكل مباشر في التحصيل الأكاديمي للأطفال