بحبر الروح يبدو كأنه سؤال إجبارى وليس اختيارى بورقة أسئلة الحياة...! تُرى ما هى الإجابة النموذجية إذا ما كانت متاحة من الأساس بمناهج الحياة؟ اعتقده من الأسئلة الابتكارية التى لا تخضع لنص بعينه، فلكل منا طريقته فى الإجابة وقناعة محددة تحركه فى الدفاع عن إجابته ... ومن الأمثلة الحية التى جسدت مُعضلة هذا السؤال وجدلية إجابته قيام الممثلة الأمريكية الشهيرة "أنجلينا جولى"- منذ ما يقرب من عامين- باستئصال ثدييها كإجراء وقائى يَقيها من الإصابة بسرطان الثدى نظرا لوجود تاريخ مرضى قوى بعائلتها، وبعد أن تبين بالفحص المختبرى لجينات "أنجلينا" أنها تَرِث نفس الجين المسئول عن تفشى الخلايا السرطانية، مما يجعلها معرضة بنسبة 87% للإصابة بالمرض مستقبلاً. وبعد انقضاء ما يقرب من عامين على إجراؤها تلك الجراحة التى أثارت لغطا فى الأوساط الفنية والطبية وكذلك النسائية، سرعان ما امتلأت الصحف والمجلات منذ بضعة أسابيع بأنباء حول إجرائها عملية جراحية أخرى لاستئصال المبيضين وقناتى فالوب بعد أن أثبتت الفحوصات أيضاً قابلية إصابتها بسرطان المبيض بنسبة تصل إلى 60%، الأمر الذى اُثار المزيد من الجدل حول مدى عقلانية ورجاحة قرارات النجمة الشابة التى أخضعت جسدها لآلام استباقية طمعا فى ملاذ من آلام لا تُبرح ولا تُغادر، بل تُغادر معها الحياة . وأعلنت "أنجلينا" أنها مازالت- بحسب تصريحات الأطباء- معرضة للإصابة بالسرطان ولكن بنسب أقل، وما من سبيل لديها لاستئصال المزيد، فقررت الاهتمام فى المرحلة القادمة بحالتها النفسية والصحية وتقوية جهازها المناعى كخط دفاع أخير لعلها تنجو، فهى بحسب قولها لا تبغى سوى تربية أطفالها. وفى حالة من الانقسام الحاد بين مؤيد ومعارض بدا قرار "أنجلينا" لكل الرافضين له من بادئ الأمر وكأنه تحدٍ للإرادة الإلهية ومحاولة للالتواء على القدر وعدم الإذعان له، بل والسعى لتطويعه أو قولبته، فى حين رأى المتعاطفين معها أنها تفعل كل ما بيدها لتُحافظ على حياتها من أجل أسرتها وأطفالها، فقد ضحت بكل معالم أنوثتها طواعيةً حتى لا تداهمها اللعنة الموروثة والتى تضعها بنفس الدائرة المظلمة لذويها. بينما وقف فريق ثالث متربصا بالتفاصيل غير مُتعجِل فى إصدار أحكام بالسلب أو بالإيجاب، فقد أطلق الأمر برمته داخل إدراكه عاصفة عاتية من الأسئلة تشبه الحجر الثقيل الذى يُخلِف مئات الترددات الدائرية بمحيط الحيرة والتأمل.. تُرى هل يمكن إيقاف قاطرة القدر وما عليها من اختبارات؟ ومهما كانت الأهداف نبيلة.. هل يمكن أن تُبرر الغايات الوسائل ؟ هل أخطأت "أنجلينا" فى التفريط بجسدها قطعة قطعة دون عِلة أو مرض راهِن يُبرر بترها ؟ هل تنصيب الذات (راعيا أبديا) لمن عَلِقت بهم أرواحنا يتيح لنا ممارسة مثل هذه المواربة؟ هل الأصلح قذف الأمانى بصدفة الرجاء بين أمواج القدر دون الإلحاح على الاستجابة، أم عقد مقامرة مجهولة مع المستقبل تجعلنا قاضيا وجلادا بذات اللحظة ؟ ترى هل درأت "أنجلينا جولى" شرور المارد القابع بجسدها أم عقدت هدنة باهظة التكاليف من جانبها لن تُؤمِن لها فى النهاية سوى ما حدده القدر من وقت لا أكثر ؟ أُشفق حقا على هذا الفريق الثالث، فلديه جدار عازل من الأسئلة الصعبة يفصل إنسانيته عن منطقه..عقله عن قلبه.. إيمانه عن زعزعته.. هدوءه عن طمأنينته.. صوابه عن خطأه وهداه عن ضلاله...ليبقى الأمر بأكمله مرهونا باطلاع الله على الأفئدة والنوايا والغايات قاذفا لعباده الحائرين بشارات تُهدى شراعاتهم المتلاطمة مع أمواج الحيرة والضعف الإنسانى..... وعلى الجميع خلع عباءة المُشَرِع الذى يُصدِر القرارات والفتاوى دون الرجوع إلى دساتير إلاهية وُضِعَت بعناية وتتفهم تماماً نسبية السلوك ومطاطية هامش الصواب والخطأ إذا ما تعلق الأمر بعلاقة الرب بعباده، فهو الأعلم ببواطن ضعفهم واستغاثتهم، ومَن يُقَيم وحده إجاباتهم على الأسئلة الحَرجة، فيمنحهم درجات عادلة إذا ما أصابوا، ويجود عليه بدرجات رأفة إذا ما أخطأوا...!! من العدد الأسبوعي من العدد الأسبوعي