لم يكن قرار أنجلينا جولى باستئصال ثدييها قراراً شخصياً طبياً فقط بل كان قراراً اجتماعياً فى المقام الأول يهم المجتمع كله، ليس لأن أنجلينا نجمة سينمائية ولكن لأنها وضعت الوسط الطبى كله أمام سؤال فلسفى عويص وصعب ومعقد وهو هل من حق وواجب الطبيب والأبحاث والمعامل أن تخبر المريض أنه سيصاب بالسرطان ويحدد له النسبة والتوقيت أيضاً؟! رسم الخريطة الوراثية للإنسان أو مشروع الجينوم الذى بدأ 1990 وانتهى 2003 والذى شاركت فيه 18 دولة هو ثورة فى عالم الطب ستفتح آفاقاً لانهائية أمام طرق العلاج ربما تؤدى لنهاية الصيدليات التقليدية بكبسولاتها وحقنها وبرشامها ومراهمها ويحل محلها قص ولصق ونسخ الجينات واستبدال التالف منها وإلقاؤه فى سلة المهملات ووضع الجين «الصح» المضمون المعروف، لكن بالرغم من كل هذا ظهرت عدة مشاكل تتعلق بخوف الإنسان من مواجهة الموت ومعرفة ميعاده وتفاصيل المرض بالدقيقة والثانية، أنجلينا جولى اكتشفت أن لديها طفرة جينية تجعلها معرضة للسرطان بنسبة 85%، كما ذكرنا فى مقال سابق، قررت استئصال الثديين كإجراء وقائى، ولكن ظهرت مشكلة أعمق وهى أنها معرضة لسرطان أكثر شراسة وهو سرطان المبيض بنسبة 50% والاستئصال هنا قرار ليس سهلاً فالمبيض يعنى الهرمونات يعنى الأنوثة يعنى كونها امرأة يعنى كل حياتها كزوجة وأم وإنسانة ونجمة سينمائية هى الأشهر فى العالم! ماذا ستفعل؟ أنجلينا قررت الاستئصال فى خطوة أكثر جرأة وجسارة وربما جنوناً ولكن ليست كل امرأة أنجلينا جولى بشخصيتها الساحرة وفكرها غير التقليدى، وليس كل زوج هو «براد بيت» بعاطفته الفياضة وفهمه المرن! شركات التأمين بدأت بعد الجينوم التفكير فى طلب الخريطة الجينية للمؤمن عليهم ورفض التأمين على من يثبت أنه سيصاب بالذبحة أو السرطان.. إلخ، بدأ بعض الأمريكيين والأوروبيين يفكرون فى أطفال على المقاس، أطفال تفصيل «هاند ميد» بعيون حسب الطلب وبذكاء حاد وبقامة أطول.. إلخ، ظهرت مشكلة المواجهة مع جسد واضح المعالم والتفاصيل، بدأ السؤال هل المعرفة الشديدة بهذا الجسد والاقتراب الحميم من أسراره وفك شفرتها كلها ستضع الإنسان فى مأزق ليسكنه الخوف والرعب أم سيحدث العكس ويبدأ التعامل مع الجسد وكأنه سيارة نغير «رفرف وكاوتش وبوجيهات» ونضع بمنتهى السهولة بدلاً منها وكذلك سيصبح الجسد غيّر وبدّل جينات ووضع جينات أخرى أكثر نفعاً؟ أسئلة سيواجهها العالم الحديث الذى يتقدم بطرح الأسئلة ولا يخاف منها بالرغم من صعوبتها.