تكتب: سيديهاتكم عند عنتر تعا اشرب شاي (بلاد الفرس) الامبراطورية الإيرانية العملاقة، إنها تلك البلاد التى بدأ فتحها الخليفة أبو بكر الصديق بفتح العراق حيث كانت تتبع تلك البلاد حين ذاك، ثم أتم فتحها الخليفة عمر بن الخطاب عندما حاولت إستعادة العراق مرة أخرى من المسلمين. وعلى الرغم من دخولهم الإسلام طواعية بعد أن كانوا يعتنقون المجوسية إلا أنهم كانوا وما زالوا يتسمون بالكبر و العناد "راكبين راسهم يعنى" فقد رفضوا أن يعربوا لغتهم كما فعلت العراق ومصر والشام ، اعتزازا بحضارتهم ولغتهم فى البداية ، وعلى ما يبدو أن السبب نفسه هو ما جعلهم يكرهون إلى الآن الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر و التى فتحت بلادهم على أيديهم، ربما لأنهم قد عز عليهم أن يخرج الإسلام من بلاد غير بلادهم ثم يرشدهم إليه أشخاص ليسوا من أصحاب عروق أردية كعروقهم بل و يقوضوا لهم أيضا مفاصل إمبراطوريتهم الفارسية و التى كانت موضع فخرهم واعتزازهم حتى الآن، خاصة وأنهم كانوا و ما زالوا ينظرون إلى العرب نظرة دونية، و ربما يفسر ذلك أيضا لماذا قبلوا أن يحنوا قاماتهم فقط أمام سيدنا على رغم أنه عربى إلا أنه ليس كسائر العرب فهو من أسرة رسول الله أى شريف إبن أشراف. توترت العلاقة بين إيران والعرب وخاصة دول الخليج فى التاريخ المعاصر خاصة بعد قيام الثورة الإيرانية الإسلامية، فقد رأوا أنهم أحق منهم فى تصدر الزعامة الإسلامية فطلبوا من المملكة السعودية وقتها تدويل الحرمين وهى بالطبع خطوة تمهيدية كى ينفردوا فيما بعد بإدارة الحرمين الشريفين ومن ثم السيطرة على شبه الجزيرة العربية بالكامل ، فهم أصحاب التاريخ الأكثر ثقافة وثراء ، و تذكرنى العلاقة بينهما بالراحلين سراج منير وشكوكو فى فيلم "عنتر و لبلب" عندما تحدى القزم "لبلب" ذلك العملاق "عنتر" أن يصفعه سبع كفوف ، ولكن أود فى البداية أن أسرد قصة شخصية تذكرنى بتاريخ العرب المعاصر معهم. كان أخى الأكبر لايزال طالبا فى كلية الطب و كان يمر بفترة إمتحانات و يكاد أن لاينام. كانت تلك الليلة قبيل موعد امتحاناته بيوم أو بعض يوم، و قد جفاه النوم حتى بزوغ الشمس وعندما بدأ النوم يداعب جفنيه، سمع أسفل نافذة حجرته صوت مزمار بائع غزل البنات، نهض من الفراش متأففا ثم إنطلق إلى النافذة وطلب من البائع الصغير أن يصعد إليه، سأله على باب الشقة عن سعر حمولته كاملة، فإنفرجت أسارير الغلام، و هم بتسليم أخى أكياس السكر إلا أن الأخير قد شكره وأعطاه ثمن البضاعة دون أن يأخذها ولكن بشرط أن يبتعد عن المنطقة حتى يتسنى له النوم ، طار الغلام من الفرحة و إنطلق بعيدا بأكياسه عن بيتنا. عاد أخى إلى نومه وبصعوبة شديدة بدأ النوم يداعب جفنيه، فإذا بصوت المزمار يعود ثانية من نفس المكان، جن جنون أخى و إستشاط غضبا وسارع نحو النافذة وطلب من الغلام الصعود، صعد الولد بالفعل وعندما بدأ أخى فى توبيخه، بدت البراءة على وجه الصبى وكأنه لا يعلم شيئا عن ذلك الإتفاق الذى أبرمه معه منذ قليل، فأقسم انه لايعلم عن أى شئ يتكلم أخى ثم إختتم كلامه قائلا : والنيعمة مانا، دا براهيم، نظر أخى إلى وجهه بدقة فوجده بالفعل غلاما آخر فكرر ما فعله مع الغلام الاول وإنطلق فرحا بدوره هو الآخر. عاد أخى إلى النوم وما أن بدأ يغيب عن الوعى حتى سمع المزمار للمرة الثالثة، فما كان منه إلا أن توجه بثبات نحو النافذة وطلب من الغلام أن يصعد، صعد الولد ببراءة شديدة و عندما فتح له أخى هاله ما بدى على وجهه من غضب بالغ حيث إنتفخت أوداجه وإحمرت عيناه، فلم يصبر حتى يسأله فأقسم من تلقاء نفسه قائلا : والنيعمة مانا، اللي طلعت قبل كدة كمان دا سيماعين، فما كان من أخى إلا أن شده إلى الداخل وضربه علقة ساخنة خرج على أثرها يعرج على قدمه بعد أن حمله أكياسه مهددا أنه لو رأى أحدا منهم ثانية فلن يخرج حيا. العرب الأقزام "لبلب" قد تحدوا المارد الجبار "عنتر" عندما تحرش بهم فصدروا له أقوى جيوش المنطقة فى ذلك الوقت "الجيش العراقى" بقيادة صدام حسين فوضعوا كافة إمكانياتهم رهن إشارته دون أن يظهروا فى الصورة وعندما أخذ الكف الأول زمجر بشدة وهو ينظر الى العرب ، فأقسمت له كل دولة قائلة : والنيعمة مانا، دا صدام. وعندما اختلفوا مع صدام واستقدموا دول التحالف الى المنطقة و اصبحت قواعدهم العسكرية قاب قوسين أو أدنى من إيران أخذ الكف الثانى وتم فرض العقوبات الإقتصادية عليه وسط تهليل وتكبير من العرب ، فزمجر ثانية وهو ينظر اليهم ، فأقسمت كل دولة قائلة له : والنيعمة مانا، دى الأممالمتحدة. وها أنتم تتحدون معا يا عرب وتتحدون المارد الإيرانى مرة أخرى ولكن بوجه مكشوف هذه المرة ، وأكاد أن أضع يدى على قلبى خوفا على إخوتى من العرب اهل السنة، والتالتة تابتة كما يقولون و لكن هذه المرة متصورين صوت وصورة، يعنى من الآخر : سيديهاتكم عند عنتر. .... ربنا يستر. من العدد المطبوع من العدد المطبوع