ننشر أسماء أوائل الابتدائية الأزهرية بالمنيا    إزالة مخالفات البناء ضمن أعمال المرحلة الثانية من الموجة ال 26 لإزالة التعديات بالمنوفية    وزير الخارجية يؤكد وقوف مصر مع الشعب السوري الشقيق    ريان شرقي: السيتي الخيار الأمثل وأتطلع للتألق تحت قيادة جوارديولا بمونديال الأندية    ضمت مودريتش.. ريال مدريد يكشف عن قائمته النهائية في كأس العالم للأندية    الزمالك يستقر على تدعيم الهجوم بثلاث صفقات أجنبية في الصيف المقبل (خاص)    محافظ الغربية يتفقد لجان الثانوية العامة ويشدد على تهيئة بيئة آمنة للطلاب    "قلبي بيرقص من الفرحة".. دينا الشربيني توجه رسالة ل أمينة خليل بعد زفافها    ليلة قمرية تدخل في هذه الأبراج الفلكية وتنقلب حياتهم العاطفية    المتحف المصري الكبير نقلة حضارية وثقافية لمصر.. تقرير لإكسترا نيوز    الأوطان ليست حفنة من تراب.. الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة المقبلة    التفاح قبل النوم- ماذا يفعل بالجسم؟    أحمد مرعي: معسكر الصين فرصة جيدة لإعداد المنتخب الأولمبي لكرة السلة    استشهاد 10 فلسطينيين بينهم أطفال في قصف الاحتلال على غزة وخان يونس    خناقة ولإد العم... إصابة شخصين في مشاجرة بسبب لهو الأطفال بالعمرانية    بعد حرب الرسوم.. ترامب يعلن التوصل لاتفاق تجاري مع الصين يشمل المعادن النادرة    «الريادة»: معركتنا الحقيقية في الانتخابات البرلمانية المقبلة ستكون على المقاعد الفردية    موعد صرف معاش تكافل وكرامة شهر يونيو 2025.. الزيادة الجديدة وطرق الاستعلام    ماجد الكدواني: «أنا وكريم عبدالعزيز بنخاف من الكوميديا.. ودا اللي اتفقنا عليه» (تفاصيل)    بأنشطة متنوعة.. قصور الثقافة بأسيوط تطلق برنامج الأنشطة الصيفية    شوبير: أزمة كثرة النجوم في الأهلي مصطنعة    إنذار أكاديمية سباحة بسبب مخالفة العقد في مركز شباب دمياط    "مياه الفيوم": تحليل 36 ألف عينة لمتابعة جودة مياه الشرب والصرف خلال مايو 2025    اتحاد ألعاب القوى يتفق على تدريب المنتخب في ملاعب جامعة قناة السويس    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 (تفاصيل)    رئيس الطائفة الإنجيلية: مصر لها ثقل تاريخي ودور إقليمي محوري    ضبط المتهمين بتعريض حياة المواطنين للخطر على الطريق الصحراوى|فيديو    "كل شيء مُدمر".. تفاصيل مجزرة إسرائيلية مروعة في دير البلح بغزة.. فيديو    ترامب لنتنياهو: أوقف حرب غزة فورًا.. وامتنع عن تهديد إيران    تفاصيل مجزرة إسرائيلية مروعة في دير البلح بغزة    السمسم للقلب- إليك فوائده    هل يستمر أوسيمين؟.. جالاتا سراي: الفرص تتزايد يوميًا    تأجيل استئناف المتهم الرئيسي في "تظاهرات الألف مسكن" ل14 يوليو    أحمد عبدالحميد ينضم ل أبطال مسلسل «ابن النادي»    الضويني ناعيا مدرس الأزهر المقتول: لقي مصرعه في المكان الَّذي رجع إليه ليكون آمنًا مع أهله    الأردن يدين القصف الإسرائيلي لمحيط المستشفى الميداني الأردني بغزة وإصابة ممرض    محافظ الدقهلية: تكثيف الترويج للفرص الاستثمارية وتيسير الإجراءات لخلق مشروعات جديدة    وزير الري: الإجراءات الأحادية لإقامة السدود في دول منابع النيل تُهدد استقرار الإقليم    بعد الهجوم الأوكراني بالمسيرات على أسطول القاذفات الروسي.. "سي إن إن": الولايات المتحدة معرضة لنفس الهجمات    رغم تحذيرات الصحة العالمية..حكومة الانقلاب تتجاهل متحور "نيمبوس" شديد العدوى سريع الانتشار    «تدخل الأمن أنقذني».. أول تعليق من حسام البدري بعد الاعتداء عليه في ليبيا    كيا مصر تحذر المقبلين على الشراء من هذه السيارات.. التفاصيل    تقبل طلاب الثانوية علمي.. 10 معلومات عن كلية علوم التغذية 2025    محافظ المنوفية يتفقد تطوير مدخل شبين الكوم الجديد والكورنيش القديم    الحج السياحي 2025.. جهود الجميع نجحت في حل أي مشاكل طارئة بسرعة واحترافية    صباح تقتل عشيقها في الشارع بعد نشره صورها العارية: "خلّصت البشرية من شره"    الفنان محمد ثروت يدعو لشفاء آدم تامر حسني .. اللهم متّعه بالصحة والعافية    وزير الزراعة يشارك في مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات بفرنسا    وزير المالية: اقتصاد مصر يتحسن.. و«اللي جاي أفضل»    مانشستر سيتي يعلن ضم الهولندي رايندرز لمدة 5 سنوات    اعتماد وحدة التدريب ب"تمريض الإسكندرية" من جمعية القلب الأمريكية- صور    الليمون بالنعناع.. مشروب منعش لترطيب الجسم ومقاومة الحر    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 10 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    حالة الطقس اليوم في الكويت.. أجواء حارة ورطبة نسبيا خلال ساعات النهار    إصابة 7 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص أعلى كوبري قها بالقليوبية    عريس متلازمة داون.. نيابة الشرقية تطلب تحريات المباحث عن سن العروس    تعرف على آخر تطورات مبادرة عودة الكتاتيب تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي    دعاء الفجر.. أدعية تفتح أبواب الأمل والرزق فى وقت البركة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نادر فرجانى يكتب: خبرات أمريكا اللاتينية فى استعادة الديمقراطية
نشر في المشهد يوم 02 - 04 - 2015

السيسي أو من يخططون له اختاروا صفحة من صفحات الحكم العسكري في أمريكا اللاتينية ليعيشها ويكررها
حق علينا أن نتعظ من خبرات نضال الشعوب المقهورة بالحكم العسكري ونتأسى بها
طموح الحكام العسكريين الدائم للخروج الآمن في مصر ينطوي على اعتراف مبطن بإرتكاب جرائم شنيعة
لا يضير الحكم الراهن المتشدق بشعبيته الطاغية أن يدعو لإستفتاء شعبي على مدى قبول الناس لحكمه وليكن على صورة انتخابات رئاسية مبكرة إن أراد
وكأنما عبد الفتاح السيسي، أو من يخططون له ويصنعون صورته، قد اختاروا صفحة من صفحات الحكم العسكري في أمريكا اللاتينية ليعيشها ويكررها إبتداء من صورة "الجنراليسيمو" بالزي العسكري وبنظارة الشمس السوداء، العلامة المسجلة لدكتاتوريي أمريكا اللاتينية.
إذن على المستوى الشكلي، إختار عبد الفتاح السيسي، أو صانعو صورته، صورة الدكتاتور العسكري في أمريكا اللاتينية بتفضيله الظهور بالبزة العسكرية، حتى عندما ظهر على التلفزيون الرسمي ليعلن ترشحه للرئاسة، وبنظارات الشمس السوداء للتشبه بالصورة الذائعة، والمكروهة لدى أحرار العالم، للدكتاتور العسكري في تاريخ أمريكا اللاتينية الحديث مؤكدا على التشابه الشكلي بداية، ولكن تصرفاته كحاكم أكدت على التشابه في الموضوع لدرجة التماثل أو التطابق أحيانا.
ففي الموضوع يتشابه الحكم العسكري في مصر مع نظائره في الديكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية إلى درجة تستعصي على التصديق أحيانا، لا سيما في مضمار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إلى درجة إرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ومن حسن حظ البشرية أن شعوب أمريكا اللاتينية قد هزمت الدكتاتوريات العسكرية جميعا، معيدة بلادها إلى حكم الدولة المدنية الديموقراطية ومسار التقدم المجتمعي. ومن ثم حق علينا في مصر أن نتعظ من هذه الخبرات في نضال الشعوب المقهورة بالحكم العسكري ونتأسى بها.
********
أبدأ بخبرة أوروجواي. وفيما يلي ترجمة إلى العربية، بتصرف، لمقتطفات من ورقة بحثية جيدة عن خبرة صعود وسقوط الدكتاتورية العسكرية في أوروجواي خلال الفترة 1973-1985، للباحث بين ميليجان تعود أهميتها بالنسبة لنا إلى أن التشابه بين حالتي أوروجواي ومصر قوي جدا. وتجب الإشارة في البداية إلى ملحوظة تمهيدية: "التوباماروس" مجموعة معارضة يسارية مسلحة ومقاتلة استخدم العسكر الخطر الإرهابي المنتظر منهم كتكئة للوثوب على السلطة وخنق الحريات والحقوق.جميعا. إلا أنه "في النهاية، أصبح العسكر خطرا أكبر كثيرا مما كان يمكن أن يمثله " التوباماروس" على الديمقراطية والرفاه الإنساني في أوروجواي. وما اشد الشبه مع حالة مصر!.
تتعدد أسباب سقوط النظام العسكري. لكن لعل العامل الأهم هو الفقدان التدريجي لمشروعية سيطرة العسكر على الحكم الذي ضاعف منه الانقسام داخل فئة العسكر وخسارة الدعم من أصحاب الأموال نتيجة لتدهور الاقتصاد. فلقد أدى فشل النظام العسكري في مواجهة القضايا الرئيسية في مجالات الاقتصاد وباقي المجتمع مع تصاعد الضغوط من الخارج إلى تقصير عمر الحكم العسكري وسقوطه في النهاية.
ولكن حلت اللحظة الحاسمة في هذا التحول عند إجراء استفتاء 1980. فعندما سنح للشعب أخيرا أن يؤثر في المسار السياسي، إختار الناس بشكل كاسح العودة إلى الحكم المدني، ومع الضغوط الخارجية المتزايدة، لم يجد العسكر في مواجهة تعاظم الرفض لحكمهم من الداخل والخارج سويا مفرا إلا أن يعودوا للثكنات.
وقد تعلمت أروجواي من أخطائها السابقة. فتمكنت من مواجهة أزمات الاقتصاد والانقسام حول مقترحات التحقيق في الفظائع التي ارتكبت في الفترة 1973-1985، وتغلبت عليها بشكل رائع.
هل طبقت الدولة العميقة في مصر نموذج المخابرات المركزية الأمريكية في تشيلي؟
لحالة تشيلي أيضا أهمية خاصة نظرا للتشابه القوي بينها وبين أحوال مصر مؤخرا والآن.
لقد تسلط الحكم العسكري الدكتاتوري على تشيلي خلال الفترة (1973-1990) بعد إسقاط حكومة الرئيس المنتخب ديمقراطيا "سلفادور أليندي" من خلال إنقلاب عسكري ساندته المخابرات المركزية الأمريكية في 11 سبتمبر 1973.
للعلم، كان أليندي، أول رئيس ماركسي يحكم بلدا في أمريكا اللاتينية، قد انتخب ديموقراطيا في عام 1970. وبعدها حاولت حكومة الولايات المتحدة زعزعة إستقرار حكومته وأمر الرئيس الأمريكي نيكسون بشن حرب اقتصادية واسعة النطاق عليها، فاستخدمت إدارة نيكسون وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لضرب إستقرار حكومة أليندي بشدة. وقد كشفت الوكالة في العام 2000 عن أنه : "في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، ضمن سياسة حكومة الولايات المتحدة للتأثير على الأحداث في تشيلي، قامت الوكالة بعمليات سرية في البلد للنيل من القادة الساسيين الماركسيين، خاصة د. سلفادور أليندي، وبتقوية معارضيهم المدنيين والعسكريين، لمنع وصولهم إلى الحكم، وعملت الوكالة مع السياسيين والعسكريين والصحفيين اليمينيين لتقويض الإشتراكية في تشيلي". هل كان هذا هو النموذج ذاته الذي إتبعته "الدولة العميقة" في مصر؟
*******
وقاد الإنقلاب الجنرال "اوجستو بينوشيه" وكانت الأزمة الديمقراطية والأزمات الاقتصادية في عهد أليندي قد إستغلت كتبرير لإقتناص العسكريين للسلطة، تحت دعوى "إعادة البناء الوطني". إقرأ "خريطة المستقبل"!
ولكن قام النظام العسكري على القهر المنهجي للأحزاب السياسية والبطش بالمعارضين جميعا لمدي كان غير مسبوق في تاريخ البلد. وفي المجمل، تسبب الحكم العسكري في قتل او إختفاء أكثر من ثلاثة آلاف شخص، وأجبر مائتي ألف على الفرار إلى المنافي. وأعاد الحكم العسكري تشكيل الحياة في البلد، في السياسة والاقتصاد والتعليم. وفي 1980 أحل محل دستور 1925 دستورا جديدا كتبه متعاونون مع النظام. في مجال الاقتصاد مثلا طبق الحكم العسكري مجموعة من التغييرات وفق منطق "الليبرالية المحدثة" أشرفت عليها مجموعة من الاقتصاديين أطلق عليهم "صبية شيكاجو" نسبة إلى المدرسة الاقتصادية اليمينية الشهيرة في جامعة شيكاجو في الولايات المتحدة . فأعاد الحكم العسكري خصخصة مشروعات كانت قد أعيدت للملكية العامة بل وخصخص قسما من خدمات التعليم والصحة. مؤتمر مصر الاقتصادي؟
ونتيجة لذلك، في الفترة 1970-1989 انخفضت الدخول وأنقص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية. فانخفضت الدخول بحوالي العشر وقلت مخصصات الأسر في نهاية الفترة إلى أقل من ثلث قيمتها في بدايتها. وخفضت ميزانية خدمات التعليم والصحة والإسكان بأكثر من الخمس بينما ارتفع الإنفاق العسكري بمعدلات ضخمة. وترتب على ذلك أن إنخفضت الأجور الحيقية وارتفعت معدلات البطالة إلى حول الربع من قوة العمل أو أكثر وتدهور التعليم العام. واعتمد الحكم العسكري على دعم أصحاب الأموال المحليين والشركات الأجنبية العملاقة. وأصبحت الإمبراطوريات المالية أكبر المستفيدين من الاقتصاد الطليق وتدفق القروض الأجنبية.
كما أصاب الحكم العسكري الحياة الثقافية بحالة من "الإعتام"، فأبعدت الحكومة الفنانين والمثقفين غير المتعاطفين، وتعرض بعضهم للسجن والتعذيب وحتى القتل، بل وحظرت بعض الأدوات الموسيقيبة التقليدية التي كانت تستخدم للتعبير الشعبي، وأمسكت بزمام الإعلام بالكامل.
ومرة أخرى، وكأنها مصر 2015!
لقد أجيز الدستور الجديد في إستفتاء خلافي في 1980. ولكن بعد ثمان سنوات من رئاسته أحبطت خطة بينوشيه للبقاء في الحكم لمدة ثمان سنوات أخرى عندما إضطر النظام في 1988 للإعتراف بالهزيمة في إستفتاء قصد منه التصويت على إستمرار بينوشيه في الحكم، لكنه فتح الطريق للعودة إلى الديموقراطية في 1990. ولكن قبل التخلي عن السلطة، أصدر قانونا بالعفو عن العسكريين، يمنع محاكمتهم من قبل الحكومات التالية. ما يذكّر، مرة أخرى، بطموح الحكام العسكريين الدائم للخروج الآمن في مصر الي ينطوي على إعتراف مبطن بإرتكاب جرائم شنيعة!.
خسر بينوشيه الإستفتاء حيث رفض 55% من المصوّتين تمديد الولاية الرئاسية. وعقدت انتخابات رئاسية في ديسمبر 1989 انتخب فيها رئيس مدني بينما بقي بينوشيه بعد تركه منصب الرئاسة في مارس 1990 قائدا عاما للقوات المسلحة حتى عام 1998.
وبعد استعادة الديمقراطية إنتعش الاقتصاد حتى اصبحت تشيلي قصة نجاح اقتصادي حقيقية في أمريكا اللاتينية وانخفضت معدلات البطالة
وقد لوحق بينوشيه في بلدان أوربية بتهم إنتهاك حقوق الإنسان. فأصدر قاض إسباني أمرا بإعتقاله في أكتوبر 1998 وألقيّ القبض عليه في لندن بعدها بأيام وسجن هناك لمدة عام ونصف أعيد بعدها إلى بلده.
وبمناسبة عيد ميلاده الواحد والتسعين، في نوفمبر 2006، إعترف بينوشيه لأول مرة بمسئوليته "السياسية" عما وقع في تشيلي تحت نظامه، في بيان قرأته زوجته لأنصاره، مدعيا أنه فعل ما فعل "حبا في الوطن". ولكنه رفض دائما المثول أمام القضاء في تشيلي مدعيا أنه أصبح طاعنا في السن. وقد توفي بعد أسبوعين من الإعتراف محالا للمحاكمة الجنائية في أكثر من 300 تهمة بإنتهاك حقوق الإنسان والفساد. فلحق به الخزيّ والعار، حيا وميتا!.
والآن أتحول إلى حالة قد تبشر ببصيص أمل في التحول السلمي السريع نسبيا من الحكم العسكري إلى الحكم الديموقراطي السليم.
يتشابه الحكم العسكري في مصر مع نظائره في الديكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية إلى درجة تستعصي التصديق أحيانا
لحالة تشيلي أهمية خاصة نظرًا للتشابه القوي بينها وبين أحوال مصر مؤخرا والآن
الزي العسكري ونظارة الشمس السوداء علامة مسجلة لدكتاتوريي أمريكا اللاتينية
لعب الإستفتاء الشعبي على استمرار الحكم العسكري دورا محوريا في العودة للحكم المدني

هل طبقت الدولة العميقة في مصر نموذج المخابرات المركزية الأمريكية في تشيلي؟
كم استغرق تحول أسبانيا إلى الديمقراطية؟
يدعو مأزق ارتهان المجتمعات العربية لنظم حكم الاستبداد والفساد القائمة في البلدان العربية، ومصر تحديدا، وصعوبة التخلص من الحكم التسلطي، وأقسى أنواعه الحكم العسكري الباطش، يدعو بعض المصريين إلى اليأس من إمكان تحول البلدان العربية تجاه الحرية والحكم الصالح في مدى زمني مقبول القصر. ويشير البعض إلى أن عملية التحول الديمقراطي قد استغرقت قرونا في معاقل الحرية والديمقراطية القائمة الآن في الغرب، ولعلها لم تكتمل بعد. وأن التخلص من تسلط الحكم العسكري قد يستغرق سنوات طويلة حين يفلح. وهذا صحيح في المجمل. إلا أن هناك استثناءات مهمة ذات أهمية خاصة لحالة البلدان العربية ومصر تحديدا.
وللتمهيد للاستثناء الذي أود أن أعرضه أشير إلى خبرة خاصة. فلطالما شعرت بقرب خاص بين أسبانيا والبلدان العربية لأسباب معروفة، إذ نضحت تجربة التعايش التاريخي عوامل تقارب مهمة، تجد لها تعبيرات مختلفة، أذكر منها مثلا حضور أصول عربية في اللغة الأسبانية الحالية، ومشاركة رئيس الوزراء الأسباني في القمة العربية في الجزائر (2005) على حين غاب عنها، كليا أو جزئيا، بعض قادة عرب.
وبالإضافة، فقد سنحت لي في العقد الماضي، فرص لعرض ومناقشة مضمون تقرير "التنمية الإنسانية العربية" في أكثر من محفل في أسبانيا مع خبراء ومفكرين أسبان. ولا يغيب عن ذهني أبدا تعليق بعض المفكرين الأسبان اللاحق لعرضي لمحتوى التقرير: "أنت، في الواقع، تصف حال أسبانيا في نهايات حكم الجنرال "فرانكو". وكنت غالبا أتمتم " ربنا يسمع منكم!".
فقد تحولت أسبانيا من حكم استبدادي بغيض، وبالغ الطول، إلى ملكية دستورية ديمقراطية، وقد أنجِز ذلك التطور الهائل خلال شهور (أقصر من أربعة أعوام) ولم يتطلب قرونا! فلماذا لا نتأسى، ونحيي الأمل، في الوطن العربي بهذه التجربة الفريدة والقريبة، جغرافية، وإلى حد ما، ثقافة.
ولنقارن سلسلة الأحداث التالية بالأحوال في بلد عربي محوري مثل مصر! ولن يخفى على القارئ الحصيف مغزى الأحداث التي جرت في أسبانيا للواقع العربي الراهن.
هذا مع ملاحظة أن التحولات الجذرية التي جرت لتحول أسبانيا من الاستبداد إلى الديمقراطية تمت كلها حين كان البلد، وما زال، يعد من بين الدول الأقل نموا في الاتحاد الأوربي!
أسبانيا تتحول إلى الديمقراطية، ثبت بالأحداث المحورية
يقوم هذا الثبت التاريخي على كتاب "بول برستون"، بالإنجليزية، "خوان كارلوس، قيادة أسبانيا من الدكتاتورية إلى الديمقراطية" (2004)
• موافقة "المجلس الوطني" على قانون الجمعيات السياسية (16 ديسمبر 1974).
• "فرانكو" يظهر علنا لآخر مرة، في العيد التاسع والثلاثين لرئاسته للدولة (أول أكتوبر 1975).
• وفاة "فرانكو" (24 أكتوبر 1975).
• تنصيب "خوان كارلوس" ملكا (22 نوفمبر 1975).
• تجمع مؤشرات على غموض المستقبل (منتصف 1976).
• اليسار ينظم تظاهرات ضخمة من أجل الحريات السياسية والعفو عن المسجونين السياسيين ( الأسبوع الثاني من يوليو).
• رئيس الوزراء "سواريز" يتبنى استراتيجية السرعة للتغلب على عوامل استمرار مؤسسة "فرانكو".
• "سواريز" يقدم إلى المجلس الوطني التعديلات القانونية اللازمة لحرية الأحزاب ( 14 يوليو 1976).
• تفاقم إضرابات المعارضة في محاولة ضبط مسيرة التحول.
• إعداد مسودة قانون الإصلاح السياسي (23 أغسطس 1976).
• جبهة المنظمات الديمقراطية تطالب بضرورة إطلاق حرية الأحزاب وإنهاء احتكار الحكومة للإذاعة المسموعة والمرئية (4 نوفمبر 1976).
• مناقشة قانون الإصلاح السياسي في المجلس النيابي ( 16-18 نوفمبر 1976).
• الموافقة على قانون الإصلاح السياسي بأغلبية 95% ( 15 ديسمبر 1976).
• المحكمة العليا تقضي بشرعية الحزب الشيوعي (8 إبريل 1977).
• إجراء الانتخابات النيابية تحت القانون الجديد (15 يونيو 1977)
• افتتاح المجلس النيابي الجديد (22 يوليو 1977).
• تقديم الدستور الجديد إلى المجلس النيابي ( يونيو 1978).
• التصديق على الدستور الجديد (31 أكتوبر 1978)
*****
خلاصة ختامية: هدف النضال الوطني في المرحلة الراهنة
في خبرات إسقاط الدكتاتورية العسكرية السابق عرضها لعب إجراء إستفتاء شعبي على إستمرار الحكم العسكري، أو تمديد ولاية الدكتاتور العسكري الحاكم، دورا محوريا في العودة للحكم المدني.
ولعل إجراء مثل هذا الإستفتاء في مصر يصبح هدفا محوريا تجتمع عليه كل القوى الوطنية الديموقراطية المعارضة للحكم العسكري، تدعو إليه، وتضغط من أجل إجرائه في أقرب وقت ممكن.
ولا يضير الحكم الراهن في مصر الآن، الذي طالما تشدق بشعبيته الطاغية وأعلن رئيسه مرارا عن استعداده للتخلي عن الحكم إن طالب بذلك ملايين من المصريين، أن يدعو إلى هذا الإستفتاء الشعبي على مدى قبول الناس لحكمه وليكن على صورة انتخابات رئاسية مبكرة إن أراد.
أما إذا رفض وتعنت، مكررا تجربة رئيس اليمين المتأسلم كما زعم الرئيس الحاكم حاليا نفسه في مرات عديدة، فلا مناص من أن تبدع القوى الوطنية سبلا أخرى للتعبير عن مدى الرغبة الشعبية في العودة للدولة المدنية و الحكم الديموقراطي السليم من خلال حركات الاحتجاج الشعبي المتعاظم على الحكم العسكري الباطش.
اضغط هنا لمشاهدة الملف بالحجم الكامل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.