يقع الكثيرون في شَرَك الظنِ أو الاعتقاد أن وراءَ كلِّ حجرٍ في صعيد مصرَ مبدعا..!! وهو الوهم الذي نتج عن ذيوع وانتشار عدد من المبدعين الكبار في فترة تاريخية واحدة أو متقاربة كانوا كلهم من صعيد مصر كالأبنودي وأمل دنقل ويحيي الطاهر وغيرهم. لكن الحقيقةَ أن الأدعياءَ والمزيفين وأشباهَ المبدعين أكثرُ عددا من نظائرهم في غير صعيد مصر. ومشكلة الكتابة أو الإبداع في الصعيد هي أن جزءا منها يتمثل في محاولة الكثيرين احتذاء خطوات الكبار المشار إليهم فضلا عن أن كل مَن يمسك ورقة أو قلمًا ينشئ مؤسسته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى بين أهله وذويه ليذيع أنه كذلك فيصدِّقه الناس ويساعده في ذلك الأدعياءُ والمزيفون وأشباه الكُتَّاب... ويظلُّ الحقيقيون القابضون على جمرة الكتابة عُمُلاتٍ نادرة وسط الكثرةِ الكاثرة من الكَتَبة وحاملي الأوراق والوهم والأقلام. ويعتبر (أدهم العبودي – الأقصر) واحدا من هؤلاء الحقيقيين وقد خطا خطواتِه الأولى متَّجها كعادة الكثيرين لسطوة الشعر وبريقِه الإعلامي لكن القصيدةَ لم تنجح في إغوائه فاستسلَم بسرعةٍ لغوايات السرد التي كانت تصرخ داخلَه معلِنةً عن شهواتها الجامحة في أن تمنحَه شيئا من جمالَها وبعضَ أسرارها ليَخرج على الناس بمجموعته القصصية الأولى "جلباب النبي" 2011 لتثير ما أثارت من جدل وهو الجدل الذي تناقلت بعضَ تفاصيله كثيرٌ من الصحف وبعض القنوات الفضائية بسبب ما اعتبره البعض تجديفا حول العقيدة المسيحية أو حول المنتمين إليها. ولقد تعرض القاص الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره وقتَها لضغوطٍ وإغراءات وتهديدات في محاولة من البعض لإقناعه أن يصادر مجموعتَه وأن يعيدوا هُم طباعتَها له مرة أخرى بعد حذف إحدى قصص تلك المجموعة والتي كل جريمتها أن بطلتَها مسيحيةَ الديانة استعذبتْ قَرْصَة خفيفة من طفل شقي..!! دون أن يقيم أحد – كالعادة – وزنا للإبداع ولا لطبيعة الخيال إلى أن انتهت المسألة كلها بمرور الوقت وليُقبِل الناس على مجموعته ليطالعوها وليكتشف الكثيرون أنهم أمام قاص ومبدع حقيقي يمتلك لغتَه الخاصة وتقنياتِه ولم يكد يمر عام واحد على إصدارها حتى كانت روايته الأولى " باب العبد" على قائمة الفائزين بجائزة الشارقة للإبداع العربي 2012 لتلتفتَ الحركة الثقافية إلى هذا الشاب صغير السن بينما روايته تكشف عن طزاجةٍ مدهشة ودُربةٍ واختلافٍ في البناء والأدوات. وبدا وكأنه يتحدى نفسه والعالم ليجعل من كل عام موعدا لعمل روائي جديد فإذا بروايته الثانية "متاهة الأولياء" تصدر عام 2013 لتؤكد موهبته وقدرته على اكتشاف فضاءات روائية جديدة بأساليبَ تبدو مختلفةً قليلا عن السائد والمألوف وهو ما ترسَّخ تماما في روايته الثالثة "الطِّيبيُّون" 2014 وهي الرواية التي أثارت أيضا لغطا وجدلا عند المهتمين بالتاريخ المصري القديم الذين باغتَهم بطلُ الرواية – وهو أحد ملوك مصر القديمة- بميوله الجنسية المثلية... وكعادته استقبلَ الروائي أدهم العبودي عام 2015 بروايته الرابعة "خطايا الآلهة" التي تُعتَبر علامةً حقيقية على ما يتمتع به من خيالٍ وقدرة على توظيف أفكاره خاصة وأن الرواية تنتمي لروايات الأجيال بكل خصائصها المعروفة والتي تتطلب جهدا ومهاراتٍ وتقنياتٍ ربما لا تتوفر للكثيرين. والمقرَّبون مِن أدهم العبودي يعرفون جيدا ما يتمتع به من ثقافةٍ ووعي لا يبدآن من ولعِه بالشعر والقصة والرواية ولا ينتهيان بغرامه بالسينما والفنون التشكيلية والمقرَّبون منه هُم أنفسُهم الذين يدركون نزقَه وطيشَه وحدةَ لسانه إذا اختلفَ مع أحدهم أو ثارت ثائرته ضد هيئة أو مؤسسة ما الأمر الذي يدفع هو ثمنَه غاليا في عداواتٍ كثيرة ومتعددة. [email protected]