إن المشهد الثقافى الآن يدفع بتحديات وصعوبات تواجه المبدعات بشكل عام ومبدعات الصعيد خاصة وسأوجزها فى النقاط التالية: 1 - تجاهل الإعلام لعدد من مبدعات الصعيد، وهذا المنحنى هو جزء من سياق متشعب مرده إلى الحالة المتردية العامة التى يعشيها الإعلام الآن الذى ينتج ثقافة سطحية مهمشة تافهة، فلم تعد الثقافة جزءا من مشهده، ولم يعد الإبداع مكونا رئيسا كما كان من قبل مما لا يخفى على الجميع ومع خفوت صوت الإبداع والثقافة والرقى والجمال الحقيقى، ومع اندثار القيم الحرة النبيلة أصبح الكيان الإعلامى صورة متخمة بتفاصيل سوداء عفنة، فلم نر مبدعا حقيقيا ولم نسمع أصواتا من مبدعات مصر إلا فيما ندر ممن قادتهم الظروف طوعا أو كرها إلى التصدى للمشهد الإبداعى، وبالطبع تزداد الصورة قتامة فى التجاهل شبه المتعمد لمبدعات الصعيد برغم أن بعضهن يحملن لواء التميز وهو ما أوضحته فى رسالة الماجستير(الاتجاه الإسلامى فى شعر المرأة المصرية فى العصر الحديث وهذا المنحى أيضا جزء من سياق عام وهو: إهمال صعيد مصر عبر الحقب والسنوات المختلفة حتى أصبح الحديث عن هذه القضية هو قراءة باهتة فى ملف قديم جديد. 2 - ومن السياق العام للمشهد الثقافى فى مصر الذى يرتبط بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية نلقى بإطلالة سريعة على (المشهد النقدى) الذى يترنح على خطى واهية نحو قراءات حرة جادة – وهو ما ندر ومجاملات ومصالح (وشللية)لا تنفصل كثيرا عن واقعنا فى المجتمع المصرى بأكمله، فلا غرو أن تجد دراسات نقدية تحمل أنفاسا واهية من القراءة الجادة، بينما تعج وتزخر بمئات السطور والأحرف والكلمات حول صاحب العمل لا على العمل نفسه، رفعا أو حطا من قدره، مما يشعرك بأن أنك أمام معركة نفسية يحاول كل فريق الانتصار فيها، وهو أيضا ينطبق على الشهادات والقراءات والأبحاث حول نتاج بعض المبدعات. 3 - الطباعة والنشر الذى يعد جزءا أصيلا يرتبط بكل ما سبق، حيث تواجه دور النشر تكلفة باهظة فى عملية الطباعة وهى مشكلة قائمة يعانى منها المؤلف ودار النشر معا، حيث أحجم المؤلف عن طباعه مؤلفه وأحجمت معظم دور النشر عن طباعة الأعمال ما عدا مشاهير الكتاب والباحثين ومن ثم تراجع دورها بسبب هذا العائق. ثانيا – نعرف جميعا أن الوطن العربى بأسره يعانى من أزمة القارئ المثقف، ذلك القارئ الذى ازدهرت به الحياة الثقافية فى العقود والحقب المختلفة، ذلك القارئ الذى كان يبحث عن الكتاب بل ينتظر خروجه إلى النور بشغف ربما أكثر من المؤلف ذاته، ذلك القارئ الذى كان يقرأ بعين ناقدة ويرى بنظرة ثاقبة، ويحلل ويقرأ ما بين السطور ويتأمل بل وتسكن روحه فى هذا العمل أو ذاك، حتى إن بعض القراء كان يحفظون مقاطع مما قرأوا من شدة ارتباطهم بالحرف والكتاب والعمل القيم، الآن خفت صوت هذا القارئ – المتخصص وغير المتخصص وأفل نجمه وغابت طلته وإطلالته، فما عاد يقبل على القراءة إلا من رحم ربى من جماعة المثقفين مما أثر بشكل كبير على مبيعات الكتب حيث خلت المكتبة وسكنتها الوحشة والخواء بينما تضج المطاعم والأسواق بأجناس من كل حدب وصوب والأمر نفسه ينطبق على مبدعات الصعيد اللائى يعانين من قلة الإقبال والتفاعل الجاد من المتلقى. ثالثا: يأتى دور التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعى التى أصبحت جزءا رئيسا من حياتنا اليومية هذه المواقع بلا شك – برغم سلبياتها قدمت لنا منجزا حقيقيا لا يمكن إنكاره حيث سهولة نشر الإبداع والتفاعل السريع مع المبدع، ظهور أصوات إبداعية متميزة ما كنا نعرفها إلا عبر هذه الوسائل، تواصل بعض المبدعين مع النقاد أو الإعلام وتقديم نتاجهم إلى القارئ المتخصص وغير المتخصص وإلى بعض النوافذ الإعلامية رابعا: الصعوبات التى ترتبط بالحياة المجتمعية لمبدعة الصعيد، مثلا: ارتباطها بالتقاليد التى تحول – أحيانا دون مشاركتها المستمرة المتواصلة فى الأمسيات والندوات والمنتديات خارج موطن إقامتها، بل أحيانا يعد هذا الأمر عبئا على المرأة المبدعة التى تقف بعيدا عن الأضواء – طوعا أو كرها وتحاول بشتى السبل أن تدفع بإبداعها إلى النور وبقلمها إلى أرض صلبة مستقرة محافظة فى الوقت نفسه على تقاليد مجتمعها وبيئتها.