من "تحيا مصر" ورفع الدعم إلى حفر قناة السويس المواطنون وحدهم يتحملون الضغوط الرئيس والشعب.. وعود وضغوط ومستقبل ملىء بالغموض "التبرع.. التمويل.. رفع الدعم.. زيادة الأسعار.. الطوابير" الحكومة: الإصلاحات لن تمس الفقراء.. والواقع: الأغنياء فقط المستفيدون مواطنون: "أكتر من كده والنعمة نفرقع" 51% من المصريين تحت خط الفقر ودون الطبقة المتوسطة بين كلمة في خطاب من رئيس لشعبه، مليئة برسائل مستقبلية تبعث حالة من الأمل، وربما ضغوط أكثر، وبين قرارت تتخذها الحكومة، تحمل في ظاهرها إصلاحات اقتصادية، وفي طياتها زيادة في الأسعار وغلاء في المعيشة، يعيش المواطن البسيط حالة من الترقب الشديد لتطورات الأوضاع الاقتصادية وخريطة إنفاقه التي أضحت تتبدل يومًا بعد يوم!.. الأمر ليس بهذه الصعوبة لمن يسكنون القصور، لكنه أكثر "مرارة" لمن يسكن الجحور. آخر كلمات الرئيس - والتي ألقاها على هامش افتتاح 19 مشروعًا للقوات المسلحة - حملت رسالة واضحة لشعبه، يطالبه بتقليل متطلباته ويطالب منه مزيدًا من التحمل، قائلا: "عاوزين نضغط شوية أكثر على نفسنا مفيش خيار تاني غير العمل وبناء بلدنا.. وهنشوف مصر بخير إن شاء الله". ردود الفعل على كلمة الرئيس الأخيرة - التي لم تكن الأولى من نوعها – حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعى حالة من التباين، ما بين متلقي سلبي، "لا يسمع لا يرى لا يتكلم"، بل اعتاد على سماع مثل هذه الكلمات، وآخر إيجابي رفض طلب رئيسه علنية، حيث قال أحمد بكري: "فين ال30 مليار دولار .. الشعب لا يعرف عنها شيئا لا مشاريع بنيت بها وخزينة الدولة دخلتها فين هي"، وبسخرية قال أشرف عبدالله: "اطغط كمان وكمان هو بقي في شعب يا عم روح جيب الفلوس من النظام الحرامي مبارك والحرامية"، بينما قال سامح عبده: "دي الحاجه الوحيدة اللي الشعب بيعملها من غير ما تتطلب منه"، وقال آخر: "أكتر من كده والنعمة نفرقع"، وتوسل أدهم: "كفاية ضغط الله يكرمك الناس كلها بقى عندها ضغط وسكر"، وطالبت صفاء مدحت بالعدالة الاجتماعية قائلة: "حاول تضغط على الأغنياء. الفقراء كفاية أوى كده أحسن قربوا ينقلبوا عليك وعلى الدنيا بحالها". خطابات الرئيس المماثلة لشعبه كثيرة ومتعددة، بدأت بطلب التبرع لصندوق "تحيا مصر" من أجل بناء اقتصاد قوي.. كان هدف السيسي جمع 100 مليار جنيه من الصندوق وهو ما أعلنه فور توليه مقاليد السلطة في يونيو الماضي، لكن لم يتم جمع سوى ما يقرب من ال13 مليار جنيه فقط حتى الآن- وفق ما قدره مختصون - كما لم يتم الإعلان عن أوجه إنفاقها أو سبب الإبقاء عليها في البنك المركزي. تبرع الرئيس طلب التبرع للمرة الأولى، في كلمة أثناء حفل تخريج الدفعة 108 بالكلية الحربية، يونيو الماضي، قائلاً: "راتبي 42 ألف جنيه، مش هاخد نصه عشان خاطر مصر"، وأضاف: "نصف ما امتلكه وما ورثته عن والدي هتنازل عنه عشان خاطر بلدنا"، ودعا الرئيس إلى إنشاء حسابات خاضعة لسيطرة جيدة، تحت إشرافه شخصيًا، لاستقبال مساهمات المصريين فى الداخل والخارج من القادرين "دون ضغط أو حرج".. وأعلن حينها هشام رامز، محافظ البنك المركزي، أن البنك قرر فتح حساب جديد باسم "تحيا مصر" برقم 037037، لتلقي التبرعات من الداخل والخارج لدعم ومساندة الاقتصاد. ما أن مرت أيام قليلة، وعاد الرئيس ليكرر طلبه بالتبرع للصندوق، حيث انفعل بسبب عدم تبرع المصريين، وقال خلال احتفالية مشروع تنمية محور قناة السويس أغسطس الماضي: "هتدفعوا يعني هتدفعوا، عارفين يعني ايه صندوق أنا بشرف عليه، وهعرف آخذ حقي تمام، ومحدش هيعرف ياخد مني حاجة لجيب حد، مصر محتاجة، وأولى بيها أهلها والقادرين". الأمر لم يتوقف عند التبرع وحسب، فما أن أعلن الرئيس عن تدشين مشروع قناة السويس الجديدة - والتي تحتاج إلى 60 مليار جنيه - إلا وشدد أن يكون الحفر للقناة الجديدة بتمويل المصريين فقط، حيث قال: "والله العظيم احنا مستعدين نبيع نفسنا علشان خاطر مصر"، أضاف: "تمويل مشروع تنمية محور قناة السويس سيتم من خلال بنوك وشركات أجنبية، وسيسمح للمصريين بالاكتتاب، وآمل أن يمتلك أبناء الشعب المصرى أسهما فى هذا المشروع، حتى ولو كان قيمة السهم 10 جنيهات".. وبعد عدة أيام أصدر الرئيس قرارًا بقانون فى شأن شهادات استثمار وتنمية قناة السويس، لضبط عملية تمويل المصريين للمشروع، وبالفعل تم جمع 64 مليار جنيه، خلال 8 أيام فقط، وفق تصريحات "رامز". ليس التبرع أو التمويل أو الضغط، طلبات السيسي من شعبه فقط.. لكنه عاد في كلمة وجهها للمصريين، سبتمبر الماضي، ليطلب منهم مساندة الحكومة، حيث قال: "أيها الشعب المصري العظيم.. تعودنا منذ الانتخابات أن نتحدث بصراحة وبشفافية في إطار الشراكة التي بيننا في حال وجود أي مشكلة، لقد نبهنا قبل الانتخابات إلى أن المسؤولية كبيرة.. ولا أستطيع أن أعمل أنا أو الحكومة على حل هذه المسائل والتحديات الموجودة في بلدنا دون مساعدة الشعب". وفي ذكرى العاشر من رمضان، كشف السيسي عن بعض دوافع قرارت تحريك الأسعار رغم ما يشوبها من عبء على كاهل فقراء المجتمع، فقال السيسي: "قرار تحريك الأسعار متأخر سنين"، وتابع: "لم يستطع أحد تجربة تحريك الأسعار منذ 1977، وجميع الحكومات لم تستطع اتخاذ القرار، لكن أنا لو قلقت وخفت أبقى مبخافش من ربنا ولن أكون مصريًا حقيقيًا ومستعد أموت عشان خاطرهم"، أضاف: أن نظام الدعم السابق استفاد منه الأغنياء على حساب الفقراء، مؤكدا أن "الشعب لم يجد من يحنو عليه"، وقال: "أخاطب جميع المصريين ليعرفوا حجم المشكلة، فقد اضطررنا إلى رفع الأسعار لغياب بند السياحة". الضغوط "واقعية" على الجانب الآخر، بدأت حكومة المهندس إبراهيم محلب، تسير في خطوات، وصفتها ب"الإصلاحات الاقتصادية"، حيث قررت رفع الدعم بصورة تدريجية، في مسلسل تتابعت حلقاته سريعًا من الغاز والبنزين إلى الكهرباء؛ وذلك لتغطية عجز الموازنة، الذي بلغ خلال العام المالى 2013/2014 نحو 240 مليار جنيه بما يعادل نسبة 12% من الناتج المحلى، والذى كان من المتوقع أن يصل إلى 292 مليار جنيه بما يعادل 12.2% خلال العام المالى 2014/2015. وواجهت الحكومة، هذا العجز بتقليصه إلى 10% من إجمالى الناتج القومى المحلى، عبر تخفيض الدعم وما ترتب عليه من ارتفاع أسعار المواصلات العامة، وكذلك ارتفاع أسعار جميع السلع بنسب تصل ل30% - بحسب الإحصائيات الرسمية - ولجأت الحكومة إلى بعض التعديلات الضريبية، التى تساهم فى زيادة حصيلة الخزانة العامة للدولة، عبر فرض ضريبة مؤقتة بنسبة 5%، إضافة إلى فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية والتوزيعات النقدية على تعاملات البورصة بواقع 10%، وإعداد مشروع تطبيق ضريبة القيمة المضافة بدلًا عن ضريبة المبيعات، كما عمدت الحكومة إلى تطبيق الحد الأقصى للأجور. جميعها خطوات تبدو إصلاحية وتتناسب مع مجتمع يسعى لتحقيق نهضة اقتصادية، أكدت الحكومة على لسان رئيسها وبعض وزراءها، إنها لن تمس محدودي الدخل، لكن الواقع يكشف غير ذلك.. فهناك نحو 26% من المصريين تحت خط الفقر كما أن هناك 25% من المصريين يتأرجحون بين الشريحة المتوسطة وشريحة الفقراء في مصر وهم الحرفيين والذين يعملون بشكل موسمي، وفق تصريحات عبد المنعم السيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية. وخلافًا لما أعلنته الحكومة، بأن تلك الإصلاحات لن تمس المواطن البسيط، إلا أنه عانى طوال الفترات الماضية من "طوابير" الخبز والبنزين، وسط عجز شريحة كبيرة عن مواجهة متطلباتها الأساسية، إضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية والمواد الضرورية. السؤال يبقي مطروحًا، إلى متى سيظل الرئيس في مطالبه؟ وإلى أي مدى سيتحمل المواطن وبخاصة "البسيط" تلك الضغوط والإصلاحات؟.. النصيحة جاءت على لسان الدكتور على لطفى، رئيس مجلس الوزراء الأسبق والخبير الاقتصادي، في تصريحات سابقة له، والذي طالب أن تسير مرحلة زيادة الأسعار التي يشهدها المناخ الاقتصادى المصرى الفترة الراهنة ضمن برنامج لإصلاح المنظومة الاقتصادية بالكامل، مشيرًا إلى عدم جدوى محاولات الإصلاح الفردية. أضاف: على الحكومة أن تبدأ فى مراجعة أوجه إنفاقها وسرعة ترشيد تلك النفقات، وكذلك إعادة النظر فى مصاريفها الداخلية على وزاراتها وبدلات الوزراء ومصاريف الانتقالات والسيارات والأثاث المكتبى وغير ذلك من مصروفات يمكن ترشيدها، مشددًا على ضرورة إطلاع المواطن على قرارت الحكومة مسبقًا، وأن يدرك المواطنون أنه ستكون هناك زيادة فى الأسعار تدريجية ورفع للدعم تدريجى، كما طالب الحكومة بتعويض محدودى الدخل ماديًا أو بأى شكل من الأشكال التى تكون مناسبة لتلافى الأثر السلبى لزيادة الأسعار على المواطنين. قال الدكتور صلاح الجندى، خبير اقتصادى، إن الحكومة عمدت إلى إعادة مراجعة الدعم، لكن كان ينبغى مراجعة ذلك على القادرين وألا يكون تطبيق القرار أعمى بدون دراسة. تابع، الجندى ل"المشهد": نحن نعانى من التسرع فى إصدار أى قرار بدون دراسة، مضيفًا أنه يجب أن تكون هناك دراسة تكشف من يستحق الدعم ومن لا يحتاجه، حتى لا نمس احتياجات المواطن الأساسية، فمعنى ارتفاع أسعار البنزين زيادة أسعار المركبات وزيادة أسعار النقل وبالتالى ارتفاع أسعار السلع الغذائية. وحول مصير المواطن، قال: المواطن "غلبان" ويخضع للقرارات لكنها تمثل عبئًا عليه فى النهاية. من العدد المطبوع من العدد المطبوع