صوت مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء الماضي علي القرار 1929 الذي تقدمت به الولاياتالمتحدة في الثامن عشر من الشهر الماضي و القاضي بفرض دفعة رابعة من العقوبات علي إيران بسبب عدم تجاوبها مع القرارات الدولية وعدم التزامها بتعهداتها بشأن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وكان القرار قد صدر بتأييد 12 دولة بما فيها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بينما رفضت تركيا والبرازيل القرار، وامتنع لبنان عن التصويت. واعترضت السفيرة البرازيلية لدي الأممالمتحدة ماريا لويزا فيوتا في كلمتها علي التصويت لصالح القرارلأنه يغفل الفرصة التي توفرت من جراء الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في التاسع عشر من الشهر الماضي برعاية البرازيل وتركيا ووصفه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بأنه "فرصة لن تتكرر"، بينما أكد السفير التركي أرتوغرول أباكان علي أن هذا الاتفاق يمثل خطوة واقعية وأولية لحل الأزمة القائمة بين الغرب وطهران ستضيع مع التصويت علي القرار. وينص القرار الجديد علي فرض إجراءات ضد بنوك جديدة في إيران يشتبه في صلتها بالبرنامج النووي الإيراني أو برامج تطوير الصواريخ، والحذر من إجراء معاملات مع أي بنك إيراني بما فيه البنك المركزي الإيراني. كما تضمن بنداً خاصاًً لتوسيع حظر الأسلحة المفروض علي إيران في القرارات الثلاثة السابقة، سواء العتاد العسكري التقليدي من دبابات وعربات مدرعة وطائرات هجومية ومدفعية متطورة، بالإضافة إلي كل ما يتصل ببرامج الصواريخ البالستية. وبموجب القرار يتم تفتيش السفن القادمة أو الخارجة من إيران في أعالي البحار أو في المياه الإقليمية للدول الأعضاء في الأممالمتحدة وذلك في حال الاشتباه في حملها مواد يحظرها القرارعلي غرار القرار الذي أقره مجلس الأمن بحق كوريا الشمالية، كما يمنع القرار إيران من القيام بأي تعاملات تتصل بالتنقيب عن اليورانيوم في الخارج. وكانت فرنساوالولاياتالمتحدةوروسيا قد ردت قبل ساعات من التصويت علي القرار علي الاقتراحات الواردة في الاتفاق الذي وقعته تركيا والبرازيل مع إيران الشهر الماضي بشأن مبادلة اليورانيوم بوقود نووي معبرة عن مخاوفها من هذا الاتفاق الذي ينص علي أن تتولي روسياوفرنسا تصنيع الوقود النووي لمفاعل طبي بحثي في طهران، مقابل أن ترسل إيران نحو نصف اليورانيوم المنخفض التخصيب الذي تمتلكه إلي مخازن في تركيا، وهو نفس الاقتراح الذي كانت قد تقدمت به الدول الثلاث في أكتوبر الماضي ورفضته إيران. قصاصة ورق بلا قيمة وجاء رد إيران علي القرار 1929 غير مبالياً وقابل الهجوم الغربي بهجوم مضاد من اتهام بعض الدول الغربية بتفضيل المواجهة لا الحوار. وقال سفير إيران في الأممالمتحدة محمد خزاعي "في مثل هذه الظروف، ليس هناك أي خيار أمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلا أن ترد بالشكل الذي تراه مناسباً". وأشار الرئيس الإيراني إلي أن بلاده لن تفاوض مجدداً علي ملفها النووي، و أكد علي أن إيران ستتجاهل القرار كما تجاهلت القرارات السابقة ووصفه بأنه " قصاصة ورق بلا قيمة" وأنه مثل "الذباب المزعج". وفي الوقت الذي حذر فيه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد روسيا من الانضمام لمعسكر الأعداء الغربيين بعد أن أسفرت الشهور الأخيرة عن تحول في الموقف الروسي تجاه الموافقة علي فرض العقوبات علي إيران، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن العقوبات الجديدة لن تؤثر علي علاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين و أضاف أن "القرار لا يضع أية عوائق علي هذه العلاقات بما في ذلك إكمال مشروع بوشهر وكذلك بناء أي عدد من مفاعلات الماء الخفيف التي تشبه مفاعل بوشهر". واعتبرت روسيا علي لسان مندوبها الدائم لدي هيئة الأممالمتحدة فيتالي تشوركين أن العقوبات التي فرضها مجلس الأمن علي إيران كانت اضطرارية و أن روسيا ستتعامل مع تنفيذ هذا القرار بطريقة "متوازنة ومتناسبة". وأضاف تشوركين "نحن ننطلق من أنه لا بديل عن الخيار الدبلوماسي لتسوية البرنامج النووي الإيراني، وهذا المبدأ تجسد في نص القرار الذي جري اتخاذه". وبينما انتقد الرئيس الإيراني الصين لرغبتها في احتكار التكنولوجيا النووية، أكد أن صدور القرار 1929 لن يضر العلاقات الثنائية مع الصين. وصرح الرئيس الإيراني في زيارته لشنغهاي بعد صدور القرار "ليس هناك سبب لتقييد أو إضعاف العلاقات. المشكلة الرئيسية هي مع الولاياتالمتحدة. الإدارة الامريكية تسيء استغلال السلطة في مجلس الأمن بالأممالمتحدة من أجل فرض هيمنتها علي البلدان الأخري." تنازلات أمريكية وكشفت بعض وسائل الإعلام الأمريكية عن أن الإدارة الأمريكية قدمت تنازلات لروسيا والصين مقابل تصويتهما علي القرار من بينها إنهاء العقوبات الأمريكية علي وكالة حكومية روسية لتصدير الأسلحة وثلاث جهات روسية أخري كانت قد نقلت في السابق تكنولوجيا حساسة أو أسلحة إلي إيران بالإضافة إلي عدم فرض حظر علي صفقة روسية لبيع أنظمة صواريخ مضادة للطائرات إلي إيران. وذهبت الجريدة إلي أن هذه التنازلات هي محاولة أمريكية لتأسيس علاقة شراكة جديدة مع روسيا لا سيما بعد توقيع كل من روسياوالولاياتالمتحدة معاهدة جديدة لنزع الأسلحة النووية. أما مجلة التايم الأمريكية فقد أشارت إلي أن التنازلات الأمريكية للصين اشتملت علي تخفيف العقوبات الجديدة بحيث لا تحول دون توسيع الصين علاقتها الاقتصادية مع إيران بالإضافة إلي حصولها علي تعهدات من واشنطن بإعفاء الشركات الصينية من أي عقوبات أحادية أمريكية علي شركاء طهران التجاريين، وأضافت التيم "إن الصين حصلت علي موافقة أمريكية بأن مصالحها المهمة في قطاعات الطاقة والتجارة والمال الإيرانية ستكون مصانة في حال فرض أي عقوبات جديدة تتبناها الولاياتالمتحدة بعد أن أجلت إحدي لجان الكونجرس الأمريكي لمدة شهر المصادقة علي حزمة من العقوبات من جانب واحد". ردود أفعال دولية وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قد وصفت العقوبات التي ستفرض علي إيران بأنها ستكون الأشد خاصة بعد أن اتهمت الولاياتالمتحدةإيران بأنها بدأت بالفعل في رفع مستوي تخصيب اليورانيوم الذي تمتلكه إلي 20%، كما أنه أصبح لديها مخزون أكبر من اليورانيوم المخصب. وبعد صدور القرار، أعلن الاتحاد الأوروبي عن نيته اتخاذ إجراءات تستهدف بنوع خاص قطاعات الطاقة والتجارة والنقل الإيرانية، ومنع الاستثمارات الجديدة ونقل التكنولوجيا والتجهيزات والخدمات في قطاع النفط والغاز، و تجميد عمل بنوك إيرانية جديدة وفرض قيود في مجال العمل المصرفي والتامين، و إدراج قيود جديدة علي التأشيرات وعمليات تجميد أصول ولا سيما ضد الحرس الثوري الايراني. وأعد الاتحاد الأوروبي مسودة مشروع فرض العقوبات الأوروبية علي إيران لعرضه علي زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي في اجتماع القمة الذي سيعقد في بروكسل في السابع عشر من يونيو. وبينما حظي التصويت علي القرار 1929 بترحيب دولي كبير، أعلن حزب الله اللبناني عن استيائه من القرار ووصفه بأنه "جائر ومجحف ومناف لأبسط قواعد النزاهة والعدل". و أصدر حزب الله بياناً عبر فيه عن أسفه إزاء الموقف اللبناني من الامتناع عن التصويت بدلاً من التصويت بالرفض كما فعلت كل من تركيا و البرازيل. إيران بين التسوية و المواجهة وعلي الرغم من رد الفعل الأولي غير المبالي لإيران، إلا أنه من المتوقع أن تستمر تركيا و البرازيل في الضغط من أجل مواصلة الحوار والذي يتوقع بعض المراقبين أن تقبله إيران بعد أن خسرت حليفيها الروسي و الصيني. وكانت بعض المصادر الدبلوماسية الإيرانية قد صرحت لوكالة فرانس 24 الفرنسية بأنه "من المبكر أن نعرف الطريق الذي سيسلكه المسؤولون الإيرانيون، المواجهة أو التسوية". ووصفت صحيفة التايمز البريطانية إيران بأنها "تمارس حيل خداعية" للتحايل علي العقوبات الدولية و التقليل من تأثيرها علي تجارتها الخارجية، و من بين هذه الخدع تغيير أسماء السفن الملاحية من أسماء فارسية إلي أسماء إنجليزية. القرار 1929 ليس بالتأكيد القرار الأول الصادر بفرض عقوبات دولية علي إيران، فقد سبقته قرارات في ديسمبر 2006 و مارس 2007 و مارس 2008. علي الرغم من أن القرار الراهن صدر بروح التضييق علي إيران وإجبارها علي العودة إلي طاولة المفاوضات، إلا أنه قوبل باستخفاف من العديد من المراقبين. ما هو الجديد الذي سيضيفه هذا القرار إلي الملف الإيراني؟ هل الحظر سياسة ناجحة مع إيران؟ هل تنازل الحليفان الروسي و الصيني بالفعل عن إيران؟ هذه كلها أسئلة مشروعة في ظل صدور القرار و في ظل توجه الاتحاد الأوروبي إلي فرض عقوبات خاصة به علي إيران. الرد الأولي علي هذه التساؤلات يشير إلي أن إيران بالتأكيد لم تخسر كل أوراقها ولم تتحول إلي عزلة كاملة عن المجتمع الدولي فالدور التركي و البرازيلي لا يزال يمثل لها ورقة ضغط مهمة. كما أن هناك الشراكة الاقتصادية مع روسيا و الصين التي لم تنجح التفاوضات مع الولاياتالمتحدة قبل صدور القرار في القضاء عليها. فالقرار لن يمنع موسكو من إتمام صفقة بيع صواريخ إس-300 المضادة للطائرات لطهران وذلك علي الرغم من الضغوط الأمريكية، كما أنه لم يتمكن من المساس بالقطاع النفطي الإيراني الذي تعتمد عليه الصين بشكل كبير.