افتتح مركز الجزيرة للفنون 4 معارض لأربعة فنانين اختلفت وسائلهم الفنية من حيث الخامة والتناول فالخزاف محمد مندور استخدم لغة الطين والنحات سعيد بدر لغة الحجر والفنانة الصاعدة ماجدة علي لغة النحاس المؤكسد في عالم الحلي والمعرض الرابع لنهي عمر الذي لم يحمل أي دلالة سوي ملء فراغ القاعة. وقد حضر حفل الافتتاح لفيف من رجال الصحافة والإعلام والمهتمين بمتابعة الفنون التشكيلية ومن خلال تجوالي في المعرض للمرة الثانية شعرت بغياب لوحة التصوير والألوان وأدركت مدي تأثيرهما في المشهد التشكيلي البصري الذي يلعب دورًا مهمًا في تنوع طرق الرؤية عند المتلقي من خلال تعدد القيم الجمالية والتي ستدركها بمجرد النظر لأعمال الفنان عاشق الطين محمد مندور وهو من أبرز الفنانين المعاصرين وهو من مواليد 1950 بالقرب من فواخير الفسطاط فكان يري الطين وهو يتحول إلي قطع فنية بواسطة الدولاب الدوار علي يد الخزاف البسيط الذي اعتقد أنه ساحر، فساعدته نشأته إلي جانب موهبته في التمكن من التعامل مع «الدولاب» الذي أصبح طوع بنانه يتحرك كيفما يشاء ليبث من خلاله روحًا جديدة للعالم ولم يكتف مندور بالمشاهدة فقط فقد التحق بأتيليه حلوان الذي أقامه النحات محمد حسين هجرس والمصورة صفية حلمي لتتسع دائرة المعرفة لديه وآفاق التفكير المطلوبة لإثراء عملية الخلق وقد جمع بين وحدة التصميم وبراعة التنفيذ لتأكيد رؤيته الخاصة بينما معظم الخزافين الأكاديميين لا توجد علاقة ألفة بينهم وبين الدولاب الدوار. الأمر الذي يجعلهم في الأغلب الأعم يعهدون بتصميماتهم إلي حرفيين يقومون بتنفيذها وقد اشتملت أعمال مندور علي الآنية بأحجام مختلفة وكذلك اختلفت التقنية ما بين ملمس السطوح الخشنة وملمس السطح الناعم وكانت الأعمال كثيرة بحيث ضاقت مساحة الرؤية بالإضافة إلي الأطباق المرسومة التي اشتهر بها وميزته وهي أطباق مطلية بأكسيد أبيض ومرسوم عليها بالأكسيد الأسود ويقوم بعملية الحرق في كل مرة لتثبيت الأكسيد وهذا هو سر مندور وتلك هي معادلته الصعبة فبرغم أنه ليس خريج كليات الفنون التطبيقية والجميلة أو أي معهد أكاديمي إلا أن خزفياته تحمل كل القوانين والشروط الجمالية المنصوص عليها في الأدبيات الأكاديمية ممزوجة بروح تلقائية. الفنان سعيد بدر مواليد 1965 كفر الشيخ خريج كلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية ويعمل مدرسًا بقسم النحت وشارك في أكثر من 12 سمبوزيوم دوليًا وشارك أيضًا في معارض ومهرجانات جماعية وحصل علي عدة جوائز بإيطاليا وإسبانيا وأقام خمسة معارض خاصة من بينها معرض بالأكاديمية المصرية للفنون بروما 1998. وبنظرة متأنية علي أعمال سعيد بدر التي ازدخرت بها القاعة فهذه الأعمال تحتاج لقاعات واسعة لأهمية الفراغ بالنسبة لحجم الكتلة نري كتلة من الحجر الأسود منقوش عليها كتابات مرئية غير مفهومة لأنها بلغات مختلفة من لاتينية وهيروغليفية، ومسمارية وقد استلهم الفنان أعماله من «حجر رشيد» وما يحمله من طلاسم قام العلماء بفكها لتزود القارئ بمفاهيم جديدة وحجر سعيد باللون الأسود يحمل رسالته من عدة ثقافات مختلفة وأحيانًا يكتب أحرف لا تعبر عن منطوق حقيقي للكلمة بل مجرد حروف حفرها بآلة رفيعة حادة ليحصل علي تلك المساحات الضيقة والعميقة البيضاء للخطوط المتزاحمة والسطور الكثيرة ومن خلال عملية الحفر يحصل علي لون الحجر الأصلي وهو الأبيض لتظهر لغة الكتابة بالأبيض علي الأسود وأحيانًا يستخدم لون الحجر الرمادي. وأعمال سعيد تستقر علي القواعد البيضاء الخشبية لتسمو بالمشاهد بحالة من الصوفية تدفع بالروح لتهيم خارج الجسد وتحمل أبعادًا هندسية تؤكد علي رؤيته الروحانية الخاصة المرتبطة بذكري التاريخ واستدعائه من خلال خلق زوايا متباعدة أحيانًا ومتصلة أحيانًا أخري تنطوي علي إيقاعات خطية من خلال حالة اتزان ناشئة من تلك التقاطعات السريعة والتي تستقر عند نقطة معينة لتخلق زاوية حادة أو منفرجة لترسم إيقاعًا موسيقيًا يوحي بالحركة فيعطي ثراء لبعض الأشكال التي تبدو صماء وجافة أحيانًا. والمعرض الثالث لمصممة الحلي المتألقة ماجدة علي وهي حاصلة علي بكالوريوس تجارة 1985 والذي لم يمثل مانعًا لهوايتها المحببة في فن الحلي والإكسسوار وقد شاركت في عدة معارض جماعية في معرض اليوم الواحد بساقية الصاوي وقاعة دروب وقاعة خان المغربي (في البرواز) 2009 ونظرًا لأن إنتاج الحلي يستغرق مجهودًا مرورًا بعدة إجراءات حتي تتم عملية التنفيذ لما تحتاجه من دقة في التركيب والتوليف والإخراج فإن فناني الحلي يعرضون أعمالهم في فترات متباعدة وفن الحلي من الفنون المصرية القديمة حيث كان يرتديها المصريون القدماء ليس لمجرد الزينة إنما بغرض الحماية ودفع الشر لذلك كانت تصنع علي هيئة الأشكال المقدسة وكان لألوان الحجر كالفيروز والزمرد دلالات رمزية مرتبطة بالروح وفي العصر الإسلامي ارتبط فن الحلي بالزينة خاصة الزخارف الإسلامية حرصًا علي إثرائها بالقيم الجمالية للفن الإسلامي من خلال التجريد في العناصر الطبيعية والآيات القرآنية والخط العربي وأعمال ماجدة مزجت بأسلوب فني معاصر بين روح التراث المصري القديم والروح الإسلامية حيث قامت بعمل توليفات ناجحة من الأحجار الملونة بكثافة داخل الخطوط النحاسية الرفيعة أو من خلال ثقب يتدلي منه قطع نحاسية صغيرة تأخذ شكلاً دائريًا بحجم المليم ينعكس علي سطحها الأضواء الساقطة علي الأحجار الملونة ذات الأسطح الملساء والتي تزيد انعكاساتها مع كثرة اهتزازها بفعل حركة التنفس وأثناء السير بدلال.