تستعد لجنة الحريات في اتحاد الصحفيين العرب حاليا لإصدار التقرير الثالث عن أوضاع حرية الصحافة والصحفيين في الوطن العربي وذلك في مايو المقبل، وكان آخر تقرير لها قد صدر في عام 2007، وأثارت نتائجه عاصفة من الانتقادات التي تشكك في صحة ومصداقية نتائجه خاصة في مصر. في تقرير 2007 جاءت مصر في المرتبة الثانية عشرة في مقاييس الحريات الصحفية، لتتقدم عليها دول مثل السعودية والكويت وعمان وقطر وموريتانيا وليبيا والإمارات، وهو ما أثار علامات التعجب والاستفهام، علي اعتبار ما هو معروف من أن الدول المذكورة لا تتمتع بالقدر الذي تتمتع به مصر في مجال الحريات العامة. حينها فسر الصحفيون المصريون تلك النتائج بأنها جاءت نتيجة لاعتماد الاتحاد علي النقابات المحلية في ملء استمارات الاستبيان التي وزعها الاتحاد عليها، وهي التي تتسم غالبيتها بأنها «كيانات غير مستقلة» وتعبر بشكل أو بأخر عن حكوماتها وتحرص علي إرضائها. اعتراف ولم ينكر حينها سيف الشريف - رئيس لجنة الحريات بالاتحاد - أن التقرير افتقد الدقة، لكنه أرجعه إلي أن «القلة القليلة من الزملاء» رغبت - ربما بحسن نية أو لعدم الدراية الكافية بكل ما يجري في بلادها - في اظهارها بشكل أفضل مما هو عليه في الواقع العملي، فقامت بتحريف بعض الوقائع، مما أعطي في النهاية صورة وردية لأوضاع الصحفيين في بلادهم. بعد الضجة التي أعقبت التقرير، قام الأمين العام للاتحاد الكاتب الصحفي الراحل صلاح الدين حافظ بالاستعانة بأساتذة الإعلام في الجامعات المصرية، لمعرفة ملاحظاتهم حول صياغة أسئلة ورقة الاستبيان التي تم الاعتماد عليها في إعداد التقرير، وبالفعل أبدي الأكاديميون ملاحظاتهم ومنهم د.محمود خليل، ود. نجوي كامل، ود. عواطف عبدالرحمن، ود. محمد عبدالحميد، ود. نائلة عمارة، ود. سهام نصار، ود. حسين أمين، وكان هناك شبه اجماع علي أن هذه الاستمارة لن تكون أداة أمينة لرصد وضع الحريات الصحفية في الدول العربية وذلك لعدة أسباب، ففضلا عن الشق المتعلق بمن يقوم بملء الاستمارة - في هذا الصدد اقترحت د. عواطف عبدالرحمن أن توزع الاستمارة علي أعضاء مجالس النقابات ورؤوساء تحرير الصحف وعينة من شيوخ وشباب الصحفيين - فهناك أسباب تتعلق بصياغة الأسئلة ومضامينها، حيث كان هناك اتفاق علي أن الأسئلة المتعلقة بالتشريعات الصحفية، والتي تهدف لجمع معلومات عن القوانين المنظمة للعمل الصحفي في كل الدول العربية، ليس من المفترض أن يكون الصحفيون هم مصدرها، وإنما يجب إجراء دراسة منفصلة عن تلك التشريعات والقوانين، والاعتماد في ذلك علي أجهزة الاستعلامات والدراسات، والكتب الأكاديمية التي توثق وتجمع تلك القوانين، وأن يتم بعد ذلك إنشاء قاعدة بيانات في الاتحاد بتلك المعلومات لتسهيل استدعائها وقت الحاجة. من ضمن الملاحظات أيضا ما يتعلق بالشق المنهجي، حيث أشار د. محمود خليل إلي ضرورة أن تصاغ الأسئلة وخيارات الأجوبة بما يجعلها مقاييس دالة علي درجة حرية الصحافة، فتصاغ النتائج في شكل احصائي يسهل تحليل دلالته. تقرير 2010 خلال الأسابيع الماضية نظم الاتحاد مجموعة من الاجتماعات التحضيرية لبحث إصدار التقرير الثالث، والذي لم يتبق علي الموعد المحدد لصدوره سوي شهرين، وهي فترة زمنية غير كافية لإصدار تقرير موسع حول الحالة العامة للصحافة في كل دولة عربية (التشريعات المنظمة - عدد الصحف الصادرة -تصنيفها من حيث نمط الملكية والمضمون - عدد العاملين بها - طبيعة التنظيم النقابي وغيرها..)، بالإضافة إلي الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون العرب خلال عام 2009 (منع مزاولة المهنة - التحقيق أو الاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية - إغلاق أو تعطيل أو مصادرة صحف- نقل/ فصل تعسفي -حجب معلومات - تعذيب - خطف - رقابة مسبقة/ لاحقة علي الصحف..). لهذا السبب -وهو ضيق الوقت - كان هناك اقتراح طرحه الكاتب الصحفي صلاح عيسي بأن يتم قصر تقرير هذا العام علي دراسة محور واحد أومحورين، وليكن منها «الملاحقة القضائية والإدارية للصحافة العربية خلال عام 2009) ويشمل «الصحفيين الذين صدرت بحقهم أحكام بالحبس أو الغرامة، أو جري اعتقالهم إداريا بسبب ممارسة المهنة، والصحف التي صدرت بحقها أحكام قضائية بالإلغاء أو التعطيل أو المصادرة، لكن مع مراعاة تحليل أسباب ذلك، وأن يتم تصنيفها إذا ما كانت وقعت بسبب جرائم في حق السلطة العامة أم بحق مواطنين أفراد. من ضمن المحاور التي اقترحها عيسي أيضا دراسة مدي التزام الصحفيين العرب بمواثيق الشرف المهنية، أو دراسة التغييرات التي تم ادخالها علي التشريعات الصحفية في الدول العربية. في الشق المتعلق بتجميع مادة التقرير فقد طالب المشاركون في الإعداد للتقرير أن يتم تفعيل دور المرصد التابع للاتحاد ومقره في المغرب، وإن كان هذا الأمر يتعلق بإعداد التقارير المستقبلية، فالمعروف حاليا أن المرصد لايتمتع بالدعم المادي والبشري الذي يمكنه من القيام بمهمته في متابعة أحوال الصحفيين في الدول العربية، وحتي يمكن تفعيل هذا الدور، قد يستلزم الأمر بعض الوقت. د. محيي الدين تيتاوي - رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين - طالب بألا تملأ الاستمارة بواسطة النقباء، وإنما عن طريق أفراد مدربين تابعين للمرصد أو لجنة الحريات في الاتحاد. وقد أشار صلاح عيسي فيما يتعلق بهذه النقطة إلي أن النقابات العربية ليس لديها آلية لجمع المعلومات، أو نظم للاحتفاظ بالوثائق، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في ملء استمارة الاستبيان. فيما يتعلق بالمستقبل أيضا، اقترح عيسي أن يؤسس الاتحاد في مقره مكتباً لتلقي الشكاوي من الصحف والصحفيين عن الإجراءات التي يرونها تمثل انتهاكا لحرية الصحافة، وأن يتم تكليف لجان الحريات في كل نقابة محلية بإنشاء مرصد محلي يتولي جمع المادة المطلوبة في هذا الصدد، ثم اخطار الاتحاد (المرصد - لجنة الحريات)، ولا مانع أيضا من الاستعانة بتقارير منظمات المجتمع المدني سواء المحلية في كل بلد عربي، أو التي تعمل علي المستوي العربي أو الدولي. اتفق المشاركون في التحضير لتقرير مايو 2010، في النهاية علي أن يتضمن ملخصا لتقارير المنظمات العالمية لحقوق الإنسان حول حرية الصحافة في الدول العربية، علي أن يقوم الكاتب الصحفي نبيل زكي بتعديل صياغة الاستمارة في ضوء الملاحظات التي أدلي بها الخبراء والأكاديميون، وأوصوا بأن يتم عرض التقرير بعد إعداده علي النقابات المحلية للتشاور علي محتواه قبل نشره.