لا تزال ردود الفعل العربية والإسلامية و العالمية الغاضبة تتوالي بعد صدور قرار الحكومة الإسرائيلية في جلستها الأسبوعية في الحادي والعشرين من فبراير بضم الحرم الإبراهيمي في الخليل وموقع مسجد بلال بن رباح، أو ما يسمي بقبر راحيل في بيت لحم، إلي قائمة المواقع الأثرية والتراثية الإسرائيلية والتي خصصت لها أكثر من مائة مليون دولار لترميمها. قرار الحكومة الذي جاء بعد تعرضها لضغوط من وزراء حزب شاس الديني المتشدد برره رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قائلاً "وجودنا كدولة ليس مرتبطاً بالجيش فقط أو بمناعتنا الاقتصادية، وإنما في تعزيز معرفتنا وشعورنا الوطني الذي سننقله للأجيال المقبلة، وفي قدرتنا علي تبرير ارتباطنا بالبلاد". ولاقي القرار ترحيبا واسعا من الأحزاب اليمينية والجماعات الاستيطانية التي وصفته بأنه "إنجاز مهم وتاريخي للشعب اليهودي". مخطط إسرائيلي وكشف موقع عرب 48 عن خطة خماسية وضعتها الحكومة الإسرائيلية لتهويد معالم أثرية في فلسطين، وترميم مواقع أخري بهدف توثيق العلاقة بين مواطني إسرائيل والشعب اليهودي في الشتات، وبين تراثه التاريخي والصهيوني في إسرائيل، وهي الخطة التي تحدث عنها نتنياهو للمرة الأولي في كلمته في مؤتمر هرتسليا للأمن والمناعة القومية أوائل فبراير. وتشمل الخطة إقامة دربين للمشاة إلي جانب درب إسرائيل ودرب المسيرة الإسرائيلية الذي سيصل بين عشرات المحطات المتعلقة بتاريخ "الييشوف" اليهودي. كما تشمل الخطة تحويل مبان قائمة إلي مواقع أثرية، وإقامة مواقع توثق مسيرة الاستيطان ، ومتاحف صغيرة ونصب تذكارية. ورفضت السلطة الفلسطينية القرار الإسرائيلي، ووصف الرئيس محمود عباس القرار بأنه استفزار ويهدد باندلاع حروب دينية. وأكد رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض عقب أدائه صلاة الجمعة بالحرم الإبراهيمي أن كل الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 هي جزء لا يتجزأ من الأراضي التي ستقوم عليها دولة فلسطين المستقلة، وأضاف "كل الشعب الفلسطيني اليوم مع الخليل، وكلنا خلايلة، شعبنا موحد لرفضه قرار نتنياهو ويقف موحداً اليوم ضد إرهاب المستوطنين ومصمماً أكثر من اي وقت مضي علي التمسك بحقوقه المشروعة والثبات علي أرضه وبناء دولة فلسطين المستقلة". وحذرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" من تداعيات قرار الحكومة الإسرائيلية، وأكد المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري هذا القرار يهدف إلي طمس الهوية العربية والإسلامية وتهويد الأرض عبر مصادرة المقدسات. وطالب أبو زهري القمة العربية المزمع عقدها في ليبيا بإعطاء الأولوية لهذا الأمر كما دعا السلطة الفلسطينية إلي فك حصارها علي المقاومة لكي تتمكن من حماية المقدسات الإسلامية وطالبها بالتوقف عن "اللهث وراء سراب الاحتلال من خلال المفاوضات غير المباشرة". ودعا رئيس حكومة غزة إسماعيل هنية الفلسطينيين في الضفة الغربية الي إطلاق انتفاضة ثالثة ضد الاحتلال الإسرائيلي ثأراً لقرار الحكومة الإسرائيلية. يوم الغضب الفلسطيني وفور صدور قرار الحكومة الإسرائيلية، دعت حركة فتح -إقليم وسط الخليل إلي إضراب شامل في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية احتجاجاً علي تهويد الحرم الإبراهيمي. ودعت الفصائل الفلسطينية إلي مسيرات في قطاع غزة والضفة الغربية الجمعة الماضي الذي أطلقت عليه "يوم غضب فلسطيني" احتجاجاً علي ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلي قائمة التراث اليهودي. ونظمت اللجنة الشعبية لمواجهة الجدار والاستيطان في بلعين مسيرة بعد صلاة الجمعة من مركز القرية باتجاه البوابة الغربية للجدارشارك فيها نشطاء السلام الفلسطينيين والإسرائيليين والأجانب ونددوا بقرار الحكومة الإسرائيلية ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم. وواجهت الحكومة الإسرائيلية الغضب الشعبي بتصعيدها لقمع المسيرات الاحتجاجية وفرض الإجراءات الأمنية المكثفة وإغلاق المداخل الرئيسية للعديد من القري وتطويق مدينة الخليل وفرض طوق أمني علي الضفة الغربيةوالقدسالشرقية وضواحيها. وأدان الناطق باسم الحركة أسامة القواسمي قرار الحكومة الإسرائيلية، ووصفه بأنه يكشف الجانب الحقيقي للنوايا الإسرائيلية في اغتصاب حق الشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته وأنها لا تعني ما تعلنه من تصريحات عن تحقيق السلام. وحذر القواسمي من أن السياسات والإجراءات الأحادية الجانب التي تطبقها حكومة نتنياهو لن تجلب الأمن لإسرائيل مؤكداً أن الحرم الإبراهيمي ومحيط مسجد بلال بن رباح سيبقيان تحت الولاية الفلسطينية إلي الأبد. من ناحية أخري، استنكر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسنين، قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووصفه بأنه محاولة لتغيير الوجه الإسلامي العربي للمدن الفلسطينية، وإثبات يهودية البلاد، وأضاف "إن الحرب في هذه الأيام ليست حرب مدافع أو صواريخ بل هي حرب دينية وحرب معتقدات وتزييف للتراث والتاريخ الإسلامي". استنكار عربي ودولي وعلي الصعيدين العربي والإسلامي، أدان عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية قرار الحكومة الإسرائيلية ووصفها بأنها ليست جادة في إجراء مفاوضات السلام مشيراً إلي أن الأمر سيتم عرضه من جانب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وسيتم مناقشته واتخاذ قرار عربي جماعي بشأنه في اجتماع لجنة متابعة مبادرة السلام العربية التي ستعقد برئاسة دولة قطر رئيس القمة العربية عشية اجتماع وزراء الخارجية العرب في الثالث من مارس. كما دعا سفراء المجموعة الإسلامية في الأممالمتحدة إلي تحرك دولي فاعل للضغط علي إسرائيل للتراجع عن قرارها. كما انتقدت منظمة اليونسكو إسرائيل علي لسان المدير العام للمنظمة إيرينا بوكوفا مدير عام اليونسكوالتي قالت إن المواقع التي ضمتها إسرائيل للتراث اليهودي "ذات أهمية تاريخية ودينية ليس فقط لليهودية ولكن أيضا للإسلام والمسيحية". وفي الوقت نفسه، أدانت ممثلة الاتحاد الأوروبي لشئون السياسة الخارجية والسياسة الأمنية كاثرين أشتون القرار، وأكد البيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي علي أهمية هذه المواقع الدينية لجميع الديانات السماوية الثلاث وضرورة اتاحتها أمام الجميع. وعلي الرغم من استمرار موجات الغضب والاستنكار من القرار الإسرائيلي، فقد اتهم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس الفلسطيني بشن حملة ضد إسرائيل بإشارته إلي تداعيات هذا القرار. وجاء في بيان لمكتب نتانياهو أن "قبر راحيل والحرم الإبراهيمي هما المكانان اللذان دفن فيهما ومنذ أكثر من 3500 سنة أجدادنا ابراهيم وإسحق ويعقوب وجداتنا سارة ورفقة وليا وراحيل وهما يستحقان بالتأكيد المحافظة عليهما وتجديدهما". عربدة الدولة العبرية قرار الحكومة الإسرائيلية صورة جديدة لعربدة الدولة العبرية تحت غطاء الحفاظ علي التراث اليهودي في الوقت الذي تناسي فيه العالم الذكري السادسة عشرة لمذبحة الحرم الإبراهيي التي قام بها الطبيب باروخ جولدشتاين في الخامس والعشرين من فبرابرعام 1994 عندما أطلق النار علي المصلين في المسجد الإبراهيمي وأردي 29 مصلياً قتيلاً بينما جرح 150 وحذرت مؤسسة الأقصي للوقف والتراث من مخطط بعض المنظمات اليهودية للضغط علي الحكومة من أجل ضم المسجد الأقصي إلي قائمة التراث اليهودي. كما تم الكشف عن وثائق مشروع لبلدية القدس لتغيير طابعها عن طريق أعمال في أماكن مهمة للمسيحيين والمسلمين في البلدة القديمة كطريق باب العامود، سوق خان الزيت، طريق الواد، سوق العطارين، طريق حارة النصاري، طريق القديس متري، ساحة عمر بن الخطاب، طريق الآلام، طريق الرسل، باب الغوانمة، عقبة دير الحبشة وطريق مارمرقص. حتي الآن تم بالفعل ضم 150 أثراً إلي قائمة التراث اليهودي ولا تزال القائمة تشير إلي نوايا حول المسجد الأقصي وكنيسة القيامة. الآزمة الراهنة التي انفجرت بسبب ضم الحرم الإبراهيمي تشير إلي عدة نقاط غاية في الخطورة حيث يعد الحرم الإبراهيمي ثاني أهم أثر إسلامي في الأراضي الفلسطينية بعد المسجد الأقصي مما يشير إلي أن المخطط الإسرائيلي أصبح أقرب من ذي قبل إلي تحقيق أهدافه. وإذا كان القرار هو بلا شك نذير بتدهور عملية المفاوضات، فأنه أيضاً نذير بتجدد الخلافات بين حركتي فتح و حماس فهما وعلي الرغم من اتفاقهما في رفض القرار فأنهما بالتأكيد ستختلفان في ردود الأفعال مما قد يثير موجة جديدة من تبادل الاتهامات والاقتتال الداخلي بينهما.