لهذا السبب| الناشط علاء عبد الفتاح يقدم اعتذار ل بريطانيا "إيه الحكاية!"    وزيرا التعليم العالي والتربية والتعليم يناقشان الارتقاء بالشهادات المهنية للمعلمين    6 جولات دولية ل أمين "البحوث الإسلاميَّة" في 2025 تعزز خطاب الوسطية    إليسا وتامر وعاشور في أضخم حفلات رأس السنة بالعاصمة الجديدة    وزير الصحة يعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد 2026    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظة القاهرة    رئيس جامعة القاهرة يتفقد سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بالكليات (صور)    ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه المصري في بداية تعاملات اليوم    سعر الدينار الكويتي اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 أمام الجنيه    اليوم.. وزير التموين يفتتح سوق اليوم الواحد في رمسيس    أسعار الدواجن والبيض اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025    الذهب ينتعش من أدنى مستوى في أسبوعين والفضة تتعافى    البنك الأهلى يخفض عائد شهادة 3 سنوات إلى 16%    رئيس مجلس القيادة اليمنى يعلن حالة الطوارئ 90 يوما وفرض الحظر على كافة الموانئ والمنافذ    وزير الخارجية: الحلول السياسية والدبلوماسية أساس تحرك مصر في القضايا الإقليمية    أمم أفريقيا 2025.. منتخب مصر راحة من التدريبات استعدادا لدور ال 16    وائل القباني: مصطفى شوبير حارس مميز.. ومصر قدمت أداء متوسط أمام أنجولا    حسام عاشور: مصطفى شوبير طلب الرحيل من الأهلي ونصحته بالبقاء    وفاة حمدي جمعة لاعب الأهلي السابق    بث مباشر كورة لايف.. مباراة الأهلي ضد المقاولون العرب بكأس عاصمة مصر    المدير الرياضي للزمالك: الانهيار الكامل خلال أيام قليلة.. وأعمل كمتطوع    وصول اللاعب رمضان صبحي لحضور محاكمته في قضية التزوير    إحالة سائق للجنايات بتهمة دهس شاب في النزهة    تأجيل محاكمة المتهمين بإشعال النيران في أنبوبة غاز داخل مقهى بطوخ    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وشبورة كثيفة نهارا والعظمي بالقاهرة 20 درجة    وزيرا التعليم العالي والتربية والتعليم يناقشان تطوير مشروع الشهادات المهنية    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 30ديسمبر 2025 فى المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    وزير الصحة التركى يتفقد التجهيزات الطبية المتطورة فى معهد ناصر للبحوث    باحثون: أجهزة اكتساب السمرة الصناعية تؤدي إلى شيخوخة الجلد    ألمانيا: تراجع أسعار الزبدة والزيت وارتفاع كبير في الشوكولاتة واللحوم خلال 2025    مع بداية عام جديد.. لماذا لا نلتزم بعاداتنا؟ وكيف نحول الخطط إلى سلوك يومي؟    اليوم.. عزاء المخرج عمرو بيومى    بعد قليل.. استكمال محاكمة 32 متهما بقضية خلية الهرم    محمود العسيلي: "عمرو دياب بتعلم منه وهو رقم واحد"    القبض على المتهمين بقتل شاب فى المقطم    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارات شرقي مخيم المغازي وسط قطاع غزة    أمين سر فتح بهولندا: دعم ترامب لإسرائيل غير محدود    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    نجما هوليوود إدريس إلبا وسينثيا إيريفو ضمن قائمة المكرمين الملكية    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الثلاثاء 30 ديسمبر    زيلينسكي: لا يمكننا تحقيق النصر في الحرب بدون الدعم الأمريكي    تفاصيل مثيرة في واقعة محاولة سيدة التخلص من حياتها بالدقهلية    الإمارات تدين بشدة محاولة استهداف مقر إقامة الرئيس الروسي    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    ناقدة فنية تشيد بأداء محمود حميدة في «الملحد»: من أجمل أدواره    صندوق التنمية الحضارية: حديقة الفسطاط كانت جبال قمامة.. واليوم هي الأجمل في الشرق الأوسط    سموم وسلاح أبيض.. المؤبد لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش    أزمة القيد تفتح باب عودة حسام أشرف للزمالك فى يناير    تحتوي على الكالسيوم والمعادن الضرورية للجسم.. فوائد تناول بذور الشيا    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    الكنيست الإسرائيلي يصادق نهائيًا على قانون قطع الكهرباء والمياه عن مكاتب «الأونروا»    مجلس الوزراء: نراجع التحديات التي تواجه الهيئات الاقتصادية كجزء من الإصلاح الشامل    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    وزير الخارجية يجتمع بأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجات الحديثة والمتوسطة |صور    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مارسه عباقرة استثنائيون بحثاً عن الجنة أو الخلاص أو رغبة في السلطة والحكم اللعب في الدين
نشر في القاهرة يوم 04 - 09 - 2012

* قصة أشهر الخارجين من عباءة الإسلام والمسيحية واليهودية الذين صنعوا أدياناً جذبت أتباعاً ومريدين في كل أنحاء العالم * من إبليس إلي ابن القداح وصولاً للبنا وسرية والشيخ هم أبرز أئمة الخفاء في الإسلام.. ونسطور وأريوس الأشهر في المسيحية.. ووضع خاص للسامري في اليهودية * التركيبات النفسية المعقدة والرغبة في التمرد قد تدفع حملة دكتوراة لاتباع مدعي نبوة مخبول * علي نهج الخوارج دعا شكري مصطفي المسلمين لهجرة دار الكفر.. وزعيم الحاشين كون أول فرقة اغتيال سياسي علي أساس عقائدي.. وحاخام يهودي لم يتحرج في إعلان نفسه مسيحاً * يزعم مبتكرو الأديان والمذاهب أنهم يسيرون علي نهج الرسل.. وأن التعليمات الإلهية تأتيهم عن طريق الأحلام أو الوحي لتمنحهم قدرات خارقة للعب في الدين وجوه كثيرة.. الأمر لا ينحصر بالضرورة في مجرد الخروج علي شريعة، أو التشكيك في عقيدة، أو حتي اختراع مذهب مواز.. فقد يكون لي ذراع الدين وتطويعه لهدف سياسي، أو حتي لمجرد تحقيق غرور شخصي، أو حلم قديم بالزعامة، انعكاساً لصورة صادمة من صور انتهاك الدين، لصالح فكرة مارقة عنه.. في كتابها الجديد ترصد الزميلة ثناء رستم، الكاتبة الصحفية بمجلة "آخر ساعة"، بأسلوب سلس، وقدرة فائقة علي الحكي والسرد، وربط المواقف وتحليلها، عدداً من الشخصيات، في مختلف العصور والأزمنة، ممن عبثوا في الأديان السماوية الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية، ومن ثم اخترعوا أديانهم الخاصة، أو إن تحرينا الدقة مذاهبهم المتطرفة، التي تضرب أديانهم الأصلية في مقتل، وتشكك في مصداقيتها، وفي جدوي الإيمان بها، فيما تتوقف الكاتبة أيضاً عند أسماء بعينها، ممن لم تكن بصماتهم تخريبية علي عقائدهم، بقدر ما كانت بصمات انتهازية، بغرض استغلال الدين وقدسيته وإلهامه للناس، في مشروعات سياسية واجتماعية كبري، بدا أنه، ورغم اختلافها وتباينها، واختلاف الأزمة والظروف التي تنشأ فيها، لا هم لها إلا الوصول إلي سلطة أو تملك حاكم، في بلد أو دولة ما. لكن ما الذي دفع "رستم" لقضاء نحو 5 سنوات كاملة، في البحث والتنقيب بين ضفاف المجلدات العتيقة، عن أولئك الاستثنائيين العباقرة والملهمين، ممن غيروا التاريخ، أو اعادة رسم الجغرافيا ونظريات علم الاجتماع، في منطقة ما من العلم، علي مر لعصور والأزمان؟.. الإجابة ببساطة، كما تقول الكاتبة، تكمن في انشغالها بقدرة شخص ما علي التأثير في الآخرين، إلي درجة الغيمان بأفعاله وأقواله "وهو أمر يستحق التأمل بالفعل، ولا يمتلك أدواته سوي أشخاص استثنائيين".. تقول الكاتبة "حاولت أبحث في هذا الكتاب عن مشاعرهم وأحلامهم ونقاط قوتهم وضعفهم وأهدافهم (تقصد الأشخاص الاستثنائيين) جميعهم علي اختلاف أماكنهم وأزمنتهم كانوا عباقرة يمتلكون الموهبة والإصرار والقوة النفسية للاستمرار في مشاريعهم".. غير أن "رستم" أبت أن تحاكم أياً من شخصيات سفرها الممتع، الذي يقع في نحو 600 صفحة، وصدر مؤخراً عن دار "الأفق العربية"، فتلك في رأيها مهمة القارئ: "أنا لا أحاكمهم فهذه ليست وظيفتي، فقط أقوم برصدهم منذ بداية تربعهم علي قمة الكلمة التي أطلقوها، وصاروا من خلالها حكاماً لرعاياهم لمئات السنين"، مع الإشارة إلي أن العبرة الأكبر من التنقيب في سيرهم، بحسب الكاتبة، تتمثل في "سطوة الكلمة"، فهي أقوي من الجيوش والأسلحة وذهب الملوك والسلاطين، وعليه فإن مقاومتها لا تتم إلا بكلمة مضادة. الكتاب قُسم إلي ثلاثة فصول رئيسية: "أئمة الخفاء في الإسلام"، وهم إبليس، الخوارج، عبد الله بن ميمون القداح، الحسن بن الصباح، هاشم بن حكيم، حسن البنا، صالح سرية، طه السماوي، شكري مصطفي، عبد السلام فرج، شوقي الشيخ ومجدي الصفتي، بينما شرحت.. "أئمة الخفاء في المسيحية"، وهم أريوس، نسطور، وليم ميلر، جوزيف سميث، تشارلز راسل، راسبوتين، ديفيد كورش وديفيد جورج.. "أئمة الخفاء في اليهودية"، وهم السامري وشبتاي تسفي وعنان بن داوود. وقبيل التوقف عند بعض أولئك الاستثنائيين، يبدو حرياً فهم النوافذ التي من خلالها، ولجوا إلي قلوب وعقول أتباعهم من دون عناء كبير، فالأمر يبدو متعلقاً بعلاقة الإنسان نفسه بفكرة الإيمان في حد ذاتها، والكيفية التي يولد بها في روحه.. فقد عرف الإنسان الله بواسطة الرسل و الأنبياء، فكانوا مرشدين وهادين ومصححين لمساره، كلما تخلي عن القواعد الأخلاقية والتعليمات الإلهية.. ومن ثم أصبح للدين المقام الأول في حياة البشر، وفي المقابل اكتسب رسوله ورجاله والقائمون عليه، مكانة خاصة جداً، مكنتهم من التحكم في مصائر الشعوب والتابعين. ومع توالي نزول الديانات السماوية، وكتبها المقدسة، أصبح الدين مصدر قوة وسلطة في كثير من الأحيان، وبات له تابعون مؤمنون كثر علي مر العصور، ممن ارتضوا لأنفسهم بالاختيار، أو بحكم الولادة، عقيدة معينة ونفذوا تعاليمها وأوامرها ونواهيها المقدسة بإيمان، لكن بعض الشخصيات في بعض الفترات التاريخية، ارتأت أن الدين السائد لا يلبي حاجتها ولا يتوافق معها ولا يحقق لها وضعاً خاصاً، وهم أشخاص استثنائيون ظهروا بعد نزول الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية، ومن ثم قرروا ابتكار مذاهب وأديان خاصة بهم، أنشقوا بها عن دينهم الأصلي، قبل أن يتحولوا لأئمة لعقائدهم المصنوعة بأيديهم، يكفرون من قبلهم، ويبحثون لهم عن أتباع ومريدين ومؤمنين لأفكارهم الجديدة، ولا يوجد ما هو أكثر إغراءً من شخص يقدم فكرة مجتمع يمثل الفضيلة الإنسانية من وجهة نظره، لتصل به وبمن يتبعه إلي الجنة، وفي أحيان أخري إلي تحقيق الخلاص، أو لتتوافق مع طبيعته الخاصة ورؤيته الحقيقية لفكرة الدين والعلاقة مع الله، حتي ولو كانت، بسحب "رستم"، من خلال هدم كل ما هو متعارف عليه من القيم والأخلاق والفضائل، وتجاهل التحكم في الأهواء والشهوات والبعد عن ارتكاب الخطايا والمعاصي، الأمر الذي يلقي إقبالا عند البعض ممن يضيق بالقيود التي تفرضها التعاليم الدينية، وممن يسيرون بنفوس أمارة بالسوء. المفاجأة، كما ترصدها "رستم" في كتابها، أن الشخص الاستثنائي لا يستطيع أن ينفصل عن منظومة دينه الأصلي، حتي ولو اتخذ من تخريبه هدفاً أسمي له، وعليه فهو يتخذ ومريدوه عباءة دينية، تتيح له مظلة مشروعة و"مقدسة" من وجهة نظره، تبيح التصرف والحركة بدافع عقائدي لا يقبل اللوم أو النقاش. لكن يبقي السؤال الحرج، من وجهة نظر "رستم".. إذا كان أحد أئمة اللعب بالدين، لديه الرغبة في خلق دين أو مذاهب، ويمتلك مقومات خاصة، وقدرات فذة، تضعه في مصاف العباقرة، فكيف له أن يؤثر في غيره، وقد يكون أتباعه علي مستوي علمي رفيع، ورغم ذلك يتقبلون منه أقولاً وأفعالاً قد لا يقبلها العقل أو المنطق ولا تضيف شيئاً جديداً علي دينهم الاصلي؟.. السؤال يبدو مطروحاً لعلماء النفس والاجتماع والأديان، خاصة مع تسجيل التاريخ لحالات عدة من ذلك النوع. فقبل سنوات قليلة ظهر مثلاً "الدكتور صلاح بريقع "، مدعي النبوة بالإسكندرية، والمفارقة أن بعض أتباعه كانوا من الحاصلين علي درجات الدكتوراة، ورغم صفتهم الأكاديمية، وتبحرهم المفترض في العلوم والمعرفة، إلا أنهم آمنوا به، وصدقوا أن الوحي يأتيه في صورة أحلام. ورغم اختلاف البيئة والعادات والتقاليد، نجد أن أتباع "بريقع"، مع الفارق، قد صاروا علي نهج أتباع نبي أمريكي مزعوم يدعي "دافيد كور"، احترق مع 86 من أتباعه في مزرعة، إثر اعتقاده بأن روح الملك داود، قد حلت به، وأنه سيعيد بناء مملكة الله المستقبلية، وأن أرواح وأجساد أتباعه ملك له وحده، لا يشاركه أحد فيها. عن تلك النماذج تقول "رستم" في كتابها "يتقبل العقل مقولة أن المدعي قد يكون مخبولاً، أو يعاني مرضاً نفسياً، لكن كيف يمكن أن نتقبل أن نجد في حالات الأئمة، أن هناك من يتبعهم ويؤمن بما يدعون إليه، وقد يصل الأمر للتضحية بأرواحهم في سبيل ذلك؟".. قبل أن تقدم إجابة تبدو منطقية إلي حد بعيد عن سؤالها مفادها أن المتلقي (تقصد التابع) لا بد وأنه أيضاً يمتلك صفات خاصة، تؤهله لتقبل تلك الدعاوي وربما الخرافات، التي يواجه بها دينه الأصلي، دين آبائه وأهله، متحدياً عالمه المحيط به، ما تكرر في كل البلدان مع اختلاف الأزمان، والثقافات والأعراف والعادات والتقاليد، ومع اختلاف المستويات العلمية والطبقية لأتباع الديانات والمذاهب "المصنوعة" أنفسهم. الكاتبة تبرر مثل تلك التصرفات، لدي شرائح من أتباع المذاهب المارقة، بتركيبتهم النفسية المعقدة، ورغبتهم في التمرد علي السائد، وعلي ما استقر عليه الجميع عقائدياً، قبل أن تضرب المثل بأتباع مذهب "أطفال الرب" في القرن التاسع عشر، ممن يتقربون إلي الله عن طريق الانغماس في ممارسة الجنس، أو اتباع مذهب الخليستية، ومن أشهرهم علي الإطلاق الراهب الروسي راسبوتين. علي الضفة الأخري، فهناك أئمة ورموز آخرين للتمرد علي الأديان، لم تتوافق طبائعهم مع ما استقرت عليه عقائدهم، فسعوا بجد واجتهاد لوضع تفسيرات خاصة بهم، وتأويل النصوص الدينية المقدسة، وفق أهوائهم، فمثلما فعل الخوارج في سنوات الإسلام الأولي، وتسببوا في معارك طاحنة رح ضحيتها الآلاف من خيرة المسلمين وصحابة رسول الله - صلي الله عليه وسلم- ، نجد أن أفكارهم عاشت نحو 1400 عام، لتنتقل ببعض التطوير والتغول إلي الجماعات الإسلامية والجهادية، التي تبنت منهج التكفير والتغيير بالدم، بل واستخدم بعض قادتها نفس العبارات التي استخدمت في عهد الخوارج. وعليه فمثلما خرج نافع بن الأزرق، أحد أئمة الخوارج من العراق بدعوي أنها دار للكفر باحثاً عن دار السلام، ردد شكري مصطفي زعيم جماعة المسلمين، أو التكفير والهجرة، نفس الكلمات وخرج من أسيوط إلي كهوف الجبل بالمنيا، فيما وجد بالطبع أتباعاً ومؤمنين بما دعا له، وجدوا في أقواله ما وافق طبيعتهم ورؤيتهم، وفي بعض الأحيان ما مكنهم من الهروب من واقعهم الاجتماعي، ومشاكلهم مع الفقر والفساد، وعدم القدرة علي تغيير وتحسين أوضاعهم، فلجأوا إلي فكرة مخلصة تحقق لهم أحلامهم تحت مظلة دينية، ولِمَ لا والجزاء هنا، غالباً ليس له علاقة بالدنيا، وإنما يفوز التابع بالجنة، التي سيجد فيها كل ما لم يستطع تحقيقه في الدنيا. وطريقة إحكام أئمة العبث بالدين واحدة فكل منهم، ومن أجل السيطرة علي أتباعه لا بد أن يبتكر لهم دينا جديداً، ويروج له مستخدما نفس أدوات الأنبياء والرسل الحقيقيين، ممن نشروا رسالاتهم بدعوة من الله، وتلقوا الوحي عن طريق ملائكة أو إظهار معجزات خصهم بها خالق السماوات والأرض، ومن ثم ادعي مبتكرو الأديان والمذاهب، امتلاك وسائل قريبة من وسائل الرسل، سواء قالوا إن التعليمات الإلهية تأتيهم عن طريق الأحلام أو الوحي أو زعموا أن لديهم قدرات خارقة، معتمدين في هذا الصدد علي ما يمتلكونه من قدرات خاصة مكنتهم من تحقيق أهدافهم، وساعدتهم في تغيير قناعات من يستمع إليهم، ومن ثم يخرج من دينه ويعتنق ما دعي إليه. وتعدد "رستم" مجموعة من الصفات العامة التي يتمتع بها مدعو صناعة الأديان، أو الصاعدون علي أكتافها، فكلهم يمتازون بشخصيات قوية، وقدرة فائقة علي الخطابة، كما أنهم دارسون متميزون للتاريخ والأديان والأدب والأساطير، وبعضهم لديه قدرة علي معرفة الغيبيات والسحر، فيما يحرصون علي أن يحيطوا أنفسهم بقدر كبير من الغموض والحرص علي عدم الاختلاط مع الأتباع من أجل التأثير عليهم. وفي هذا الشأن نجد أن الحسن بن الصباح الذي عرف بأنه زعيم الحشاشين، أو أول مؤسس حقيقي لجهز مهمته الاغتيال السياسي، علي أساس ديني وعقائدي، لم يخرج علي أتباعه في قلعة "ألموت"، إلا مرتين، طيلة ثلاثين عاماً متواصلة، ومع ذلك لم يكن أحد يعصي له أمراً، وإلا كان مصيره الفناء والهلاك وخسارة الدنيا والآخرة. ولا يمكن أي صانع لدين جديد، إلا أن يكون ممن يتمتعون بدرجة عالية جداً من الذكاء، وفق رؤية "رستم"، فضلاً عن القدرة علي الخطابة واستخدام مخزون لفظي ولغوي واسع، يمكّنه من اللعب بمشاعر الناس، فضلاً عن القدرة علي التواصل الاجتماعي، وبشكل أوسع مع الآخرين، واكتشاف رغباتهم المعلنة وغير المعلنة، وما يقومون به بالفعل، وما يسعون أو يرغبون في القيام به، وهذا ما يمكّن كل مبتكري الأديان ومستغليها، من النفاذ إلي النفس البشرية، والتجول فيها بحرية كاملة، حتي يصل إلي النقطة التي تتوافق مع معتقداته التي يروج لها،
وبالتالي يحدث التوافق ويحقق الغرض الذي عمل من أجله، فعندما يطلق الإمام دعوته، فهو يعلم علم اليقين، أنه يضغط علي نقطة ما في عقل مستقبل الدعوة، وعليه فهو ينتظر في هدوء رد الفعل الذي يرجوه. إن التوقف عند كل مبتكر للدين أو صانع جديد لمفاهيمه، ممن تضمنهم الكتاب الذي بين أيدينا يبدو صعباً إن لم يكن مستحيلا في تلك المساحة الضيقة، ومن ثم يبدو من المنطقي التوقف بإشارات خاطفة عند رمز في كل دين من الأديان السماوية الثلاث: شكري مصطفي: التكفير باسم الإسلام مؤسس جماعة التكفير والهجرة، والتي سماها زوراً بجماعة المسلمين، وكان متعاطفاً مع جماعة الإخوان المسلمين في الستينات من القرن الماضي، وقبض عليه في عهد عبد الناصر. كما تمت إدانة جماعته باغتيال الشيخ الذهبي في العام 1977، وتم إعدام شكري مصطفي علي إثر ذلك. كان يعتبر أن الألفاظ المعبرة عن سائر المعاصي كالظلم والفسق والذنب والخطيئة والسيئة والخطأ ونحوها تعني الكفر المخرج عن الملة، كما أن الهجرة من دار الكفر (أي دولة لا تحكم بالشريعة) هي واجب شرعي حتمي، ولذلك سعت جماعتهم لإيجاد مكان للهجرة فيه واعتزال المجتمع، ناهيك عن اتباعه مبدأ التوقف في الحكم علي أي مسلم ليس معهم في الجماعة، فلا يحكمون له بكفر أو إسلام حتي يتبين كفره من إيمانه، غير أنه حكم بكفر من يتحاكم للقانون الوضعي أيا كان دافعه وأيا كان نوع القانون الوضعي الذي يحكم به أو يتحاكم إليه، ولم يضع في ذلك أي استثناء كحالات الإكراه أو الاضطرار أو الجهل أو الخطأ ونحو ذلك. محمد عبدالسلام فرج: دم السادات في رقبته في نظر الكثير من الإسلاميين هو الأمير الحقيقي لتنظيم الجهاد فيما تسبب مؤلفه الصغير "لفريضة الغائبة" في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، بعد أن اعتبر أن ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا. ورغم أنه لم يكن من ضمن المجموعة التي نفذت عملية الاغتيال ولكن ما كشفه المتهم الأول فيها خالد الإسلامبولي في التحقيقات، أشار إلي أنه لولا فرج ما كانت قد تمت العملية من الأساس، وقال إني ذاهب إلي محمد عبد السلام فرج، لأبلغه بأني عازم علي قتل السادات في يوم العرض العسكري في السادس من أكتوبر، وأنه حصل علي موافقته وأمده بالرجال والسلاح. نسطور: مفتري أم مفتري عليه؟ لمن لا يعرف فإن النسطورية تسمية أطلقت علي مذهب تدين به طائفة مسيحية شرقية تنسب إلي مؤسسها نسطوريوس، أحد كبار رجال الدين في القرن الخامس وبطريرك القسطنطينية (428 431)، الذي تبني فرضية وجود طبيعتين منفصلتين للسيد المسيح انطلاقاً من تعاليم مدرسة أنطاكية اللاهوتية التي ينتمي إليها، وفحواها أن الطبيعتين الإلهية والبشرية لم تتحدا اتحاداً كاملاً في المسيح. وتطور هذا المذهب إلي القول: إن للمسيح طبيعة بشرية مكتملة، وإن ألوهيته لا تنسحب علي أمه مريم، ومن ثم لا يجوز تسمية العذراء "والدة الإله"، وإنما "والدة المسيح"؛ لأنها لم تلد إلهاً بل إنساناً، وهو الذي تألم ومات علي الصليب. وقد تصدي لهذه الآراء بطريرك الإسكندرية كيرلس، وقاد حملة شعواء ضد نسطوريوس تكللت بقرارات مجمع إفسوس المسكوني عام 431 التي سفهت آراءه، وحكمت عليه بالنفي والحرمان فمات منفياً في صحراء مصر الغربية عام 451 . في حين انتشر هذا المذهب بشكل رئيسي بين مسيحيي العراق وبلاد الفرس بتشجيع من الساسانيين وذلك لاعتقادهم بأن ابتعاد المسيحيين القاطنين في مملكتهم عن إخوانهم من مسيحيي الإمبراطورية الرومانية سيسهل لهم السيطرة عليهم، ومن ثم اعتنقت النسطورية جماعات من مسيحيي الهند و في القرن السابع امتدت إلي الصين وحتي منغوليا ويوجد في مدينة شيآن الصينية نصب حجري أقامه أحد المبشرين النساطرة سنة 781، وكان هذا المذهب هو السائد بين مسيحيي شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام وكانت البحرين هي مركزهم الرئيسي هناك، وهو المذهب الذي تتبناه كل من كنيستي المشرق القديم والاشورية الشرقية حتي يومنا هذا. جوزيف سيمث: مسيحية بألواح ذهبية من مصر القديمة! هو مؤسس كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة المعروفة باسم المورمون. من مواليد 1805 في ولاية فيرمونت الأمريكية، وتم اغتياله في العام 1844 . ويعتبره أعضاء كنيسته نبياً من الأنبياء. كان يقول إن وحيا من السماء أتاه وأخبره أنه رسول للقارة الأمريكية لتأسيس الكنيسة الأصولية، وأن علي يديه سوف تظهر الألواح الذهبية المختفية أو ما أطلق عليه بالألواح المصرية القديمة، ثم ناوله الآتي من السماء واسمه مورني نص اللوح، الذي ترجمه إلي الانجليزية، فاعتبرت تلك الترجمة كتاب المورمون المقدس، وأنها تكملة للعهد القديم أو التوراة. كما قام جوزيف سميث بتأسيس كنيسته التي سماها "كنيسة يسوع المسيح للقديسين الجدد أو العصريين"، وقد استجاب العديد من المسيحيين لدعوته، فيما بدأ هو يرسي نظاما خاصا بكنيسته، وأشهر مخالفته لكل المذاهب المسيحية بسماحه بتعدد الزوجات، واستمر في نشاطه في المناطق المحيطة به، وقد اعتبرته المذاهب الأخري مرتدا، وقد نشب عدد من الاضطرابات بين أتباعه وباقي المذاهب المسيحية، وقد كان أشدها في عام 1844، حيث هاجم فيها الأهالي جوزيف فسجنوه وشقيقه ثم قتلوهما دون محاكمة، وقد تابعوا أعمال الشغب بعد ذلك فأحرقوا كنائس المورمون، وقتلوا العديد من أتباعه وأحرقوا منازلهم ومتعلَّقاتهم وأعمالهم، وأدي هذا إلي هجرة قسم كبير منهم إلي الغرب الأمريكي . السامري: مضلل بني إسرائيل هو شخصية يهودية، وكما ذكر في القرآن الكريم في سورة طه، فهو الذي اغوي بني إسرائيل، بعد ان ذهب موسي إلي الله، ودعا سيدنا موسي عليه دعاء "قال فاذهب فإن لك في الحياةِ أن تقول لا مساسَ وإن لك موعداً لن تخلفه". شبتاي تسفي: المسيح المزيف حاخام من مواليد أزمير التركية في العام 1626 ومات بمدينة الكون بألبانيا في العام 1675، ويعود إليه مذهب الدونمه في تركيا، وهو ابن السمسار اليهودي موردخاي سوي المعروف بين الأتراك باسم "قره منتشه"، وقد خمن من النصوص الدينية العبرانية، أن ظهور المسيح سيكون في العام 1648، فأعلن نفسه مسيحا في ذلك التاريخ. وآمن به كثير من يهود أزمير.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.