لاتزال الأزمة السورية تترأس أهم القضايا العربية و الإقليمية كما تضمنتها أجندة قمة دول عدم الانحياز التي عقدت في العاصمة الإيرانيةطهران مؤخراً. وعلي الرغم من ترحيب البعض بمبادرة العراق لحل الأزمة السورية والتي تم طرحها في قمة طهران، إلا أن المعارضة السورية أعلنت رفضها لهذه المبادرة وتضمنت مبادرة العراق التي طرحها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تشكيل حكومة انتقالية تمثل كافة أطياف الشعب السوري والاتفاق علي رئيس الحكومة الانتقالية، واختيار شخص توافقي للتفاوض مع المعارضة من أجل التوصل إلي حوار وطني تحت إشراف جامعة الدول العربية وكذلك من أجل قبول مشروع تشكيل مفوضية مستقلة للانتخابات، وإجراء انتخابات برلمانية و رئاسية تحت إشراف دولي وعربي. كما دعت المبادرة جميع الأطراف الضالعة في النزاع في سوريا إلي نبذ العنف، وطالبت المجتمع العربي و الدولي بعدم التدخل بالشأن السوري الداخلي. وأكدت الكتلة العراقية أن مبادرة العراق لاقت ترحيبا من وزير الخارجية السوري وليد المعلم ومن إيران، وقال جمال بطيح، الأمين العام للكتلة، "إن العراق اليوم وبعدما عاد إلي مكانته الدولية، يتحتم عليه طرح مبادرات لكل مشكلة تعاني منها البلدان العربية أو بلدان الشرق الأوسط باعتباره جزءاً من هذين المحيطين". غير أن المجلس الوطني السوري المعارض أعلن السبت الماضي رفضه لمبادرة العراق، وقال مدير المكتب الإعلامي للمجلس، محمد السرميني، إن "مبادرة العراق شأنها شأن المبادرات السياسية السابقة لا ترقي إلي مستوي التضحيات التي يقدمها الشعب السوري". واتهم السرميني السلطات العراقية بالعمل إلي جانب إيران لدعم النظام السوري بالمال والسلاح، ودعا الدول الساعية لحل الأزمة السورية إلي اتخاذ خطوات عملية و"عدم الاكتفاء بالمبادرات ذات الطابع الإعلامي". وقال المتحدث باسم مبادرة "من أجل سوريا حرة"، رشيد خليل، إن من ضمن أسباب رفض مبادرة العراق كون العراق جزءاً من المشكلة وليس الحل. و استبعد رشيد خليل أن ينجح أي مسئول عربي في قيادة مبادرة بخصوص سوريا خاصة مع زيادة تصعيد العنف مما يؤدي إلي اضمحلال فرص الحوار بين نظام الأسد و بين المعارضة. فشل عربي و دولي وبرفض المعارضة السورية مبادرة العراق لحل الأزمة السورية، يكون المجتمع العربي و الدولي قد فشل في التوصل إلي توافق علي حل للأزمة. يذكر أن الجامعة العربية كانت قد تقدمت بمبادرتين، كما قدم المبعوث الأممي السابق إلي سوريا كوفي عنان خطة مكونة من ست نقاط تضمنت سحب الوحدات العسكرية من التجمعات السكنية، وإيصال مساعدات إنسانية إلي المتضررين، وبدء حوار وطني، والإفراج عن المعتقلين والسماح للإعلاميين بالاطلاع علي الأوضاع في سوريا، والسماح بحرية التجمع والتظاهر بحسب القانون. غير أن جميع هذه المبادرات فشلت و لم تتمكن أي منها من الدخول في حيز التنفيذ بسبب عدم التوافق عليها من ناحية، وتبادل السلطة السورية و المعارضة الاتهامات بتعطيل حل الأزمة. كما يشهد المجتمع الدولي خلافات حول كيفية التعامل مع الأزمة السورية حيث تطالب دول عربية وغربية بالإضافة إلي المجلس الوطني السوري المعارض بتشديد العقوبات علي سوريا وضرورة اللجوء إلي مجلس الأمن الدولي للتصويت علي مشروع قرار جديد تحت البند السابع ضد سوريا يسمح باللجوء إلي "القوة العسكرية القسرية", فيما تعارض كل من روسيا والصين صدور أي قرار في مجلس الأمن يقضي بالتدخل العسكري. روسيا و الصين تدعمان الحل السياسي ووصف وزير خارجية روسيا، سيرجي لافروف، المطلب الدولي باستسلام القوات السورية الحكومية بأنه ليس واقعياً وأنه سذاجة و استفزاز. وقال إن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحل الذي يقرره السوريون أنفسهم. وأكد لافروف أن روسيا تسعي لتقريب وجهات النظر بين الحكومة السورية والمعارضة الداخلية والخارجية لأن مجلس الأمن الدولي ليس من مهامه دعم الثورات أو التدخل في الشأن الداخلي للبلاد. و أضاف "يجب أن يكون التدخل الخارجي إيجابياً، و يجب علي كل لاعب خارجي أن يجبر كافة أطراف النزاع في سوريا وخاصة التي بمقدوره التأثير عليها، وقف أعمال العنف". كما عبر وزير الخارجية الصيني، يانج جيشي، لموفد الأممالمتحدة والجامعة العربية إلي سوريا الأخضر الإبراهيمي عن قلق بكين المتنامي حيال تدهور الوضع في هذا البلد، أكد دعم الصين لإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية علي أساس أنه الطريق الوحيد لإيجاد مخرج للأزمة مع احترام سيادة سوريا والإرادة الشعبية. تصعيد للعنف وفي ظل غياب مخرج للأزمة السورية، تصاعدت حدة العنف بين قوات الجيش النظامي وقوات الجيش السوري الحر وحذّر الجيش السوري الحر الطائرات المدنية من استعمال مطاري دمشق وحلب حتي لا يتم استهدافها في تصعيده بدءاً من اليوم الثلاثاء. ويعد ذلك أول خرق للمعارضة السورية لقوانين المجتمع الدولي حيث تحظر القوانين الدولية استهداف المطارات المدنية في خلال الأعمال العسكرية، كما أن منظمات الطيران المدني واتحاد النقل الجوي الدولي (إياتا) تمنع استخدام المطارات المدنية لأغراض عسكرية. وتستمر الاشتباكات في مدينة حلب حيث هاجمت القوي المعارضة المسلحة مبني أمني في حي الزهراء تم استهدافه بقذائف الهاون، كما تعرضت أحياء السكري وهنانو وصلاح الدين للقصف من قبل القوات النظامية، بينما دارت اشتباكات في حيي صلاح الدين وسيف الدولة. واستمرت اشتباكات عنيفة في عدة مدن سورية أخري من بينها دمشق والبوكمال المحاذية للحدود العراقية شرق البلاد ودرعا وأدلب وأريحا وحماة. كما وقعت حوادث تبادل إطلاق النار بين مسلحين من الجانب اللبناني والقوات السورية في منطقة وادي خالد الشمالية الحدودية، مترافقة مع سقوط قذائف علي الاراضي اللبنانية تسببت بوقوع ضحايا. تعد الثورة السورية نموذجاً فريداً بين ثورات الربيع العربي فهي الأكثر دموية حيث بلغ عدد ضحاياها حتي الآن نحو 29 ألف شخص من بينهم 2,211 طفلاً و 2,493 امرأة. ويقدر عدد المفقودين بنحو 76 ألف شخص وعدد المعتقلين بنحو 216 ألف شخص. وتشير التقارير إلي تشريد عشرات الآلاف من السوريين مما تسبب في أزمة إنسانية كبيرة حيث بلغ عدد اللاجئين في تركيا 78,409 نازحين، وفي لبنان 53,038 نازحاً، و في الأردن 64,398 نازحاً، و في العراق 15,898 نازحاً. هذا بالإضافة إلي تدمير مئات القري. ومع استمرار دائرة العنف، شهدت الثورة السورية اتشقاقات عديدة داخل الجيش النظامي بحيث يقدر عدد المنشقين بنحو 40 ألف منشق بين ضباط وأفراد. انشقاقات داخل المعارضة بالإضافة إلي ما تقدم، تتسم الثورة السورية بعجز المعارضة عن توحيد صفوفها حيث تواجه انشقاقات عديدة تحول بينها وبين توحيد صفوفها من أجل تشكيل حكومة انتقالية. كما فشلت المعارضة في الاستفادة من العروض الدولية لمساندتها حيث أدت تصريحات الإسلاميين داخل المعارضة إلي إثارة قلق المجتمع الدولي. أما المجلس الوطني السوري فقد استنفد كثيراً من الوقت في محاولة لتوفيق الآراء المتضاربة وبدا من الواضح هيمنة جماعة الإخوان المسلمين عليه بأجندتها التي تطرحها تحت غطاء من الثورية المدنية. ويخشي المراقبون من غياب التوافق حول الهوية الوطنية الجديدة في سوريا ما بعد بشار. كما قامت عدة ائتلافات سورية معارضة بتبني سياسة نبذ العنف وتفضيل الحوار الوطني، و من بينها الهيئة العامة للتنسيق والتغيير الديمقراطي التي ترفض التدخل الخارجي في الشأن السوري والتي دعت إلي عقد مؤتمر وطني لإنقاذ سوريا. ومن الملاحظ أيضاً، اضطراب العلاقات بين المجلس الوطني السوري وبين الجيش السوري الحر. وقال منذر ماخوس، منسق العلاقات الخارجية في المجلس، "لا يمكن القول إننا علي وئام مع الجيش السوري الحر . المساعدة التي تلقوها من المجلس الوطني زهيدة بالمقارنة مع الحاجات، والناس أصيبوا بخيبة أمل" . ومن ناحيته، يعاني الجيش السوري الحر أيضاً من الانقسامات الداخلية. وكانت المعارضة السورية المقيمة في فرنسا بسمة قضماني قد أعلنت انسحابها من المجلس الوطني السوري بعد توجيهها الاتهام له بالفشل في حل الأزمة السورية ووقف حمامات الدم. وأكدت بسمة قضماني التي كانت تعد من المؤسسين الأساسيين للمجلس أنها ستستمر في دعم الثورة السورية من خارج المجلس، و أضافت "ليس الوقت الآن للكلام عن الاختلافات، لكن ثمة بالتأكيد خلافات في وجهات النظر مع بعض أعضاء المجلس". وبالإضافة إلي بسمة قضماني، قام أعضاء آخرون بالانسحاب من المجلس منهم هيثم المالح الملقب بشيخ المعارضين السوريين، وعلل انسحابه بهيمنة الصراع علي السلطة داخل المجلس.