أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 7 مايو بسوق العبور للجملة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 7 مايو 2025 م    شركات الطيران التجارية تتجنب المجال الجوي الباكستاني    الرئيس السيسي يتوجه اليوم إلى اليونان.. يعقبها مشاركته باحتفالات النصر في روسيا    مصر وقطر تصدران بيانًا مشترك لإنهاء الأزمة الإنسانية في قطاع غزة    إحالة عاطلين للمحاكمة الجنائية لسرقتهما 6 منازل بمدينة بدر    كندة علوش عن تجربتها مع السرطان: الكيماوي وقعلي شعري.. اشتريت باروكة وما لبستهاش    كندة علوش تكشف سر نجاح زواجها من عمرو يوسف    مهرجان «كان».. مشاركات قياسية والتأكيد على دعم الأصوات السينمائية الجديدة    النائب عمرو درويش: لا إلغاء تلقائي لعقود الإيجار القديم.. والمحاكم هي الفيصل حال عدم صدور قانون    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 7 مايو 2025 بعد آخر ارتفاع    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. حديد عز ب39 ألف جنيه    المركزي الصيني يخفض سعر الفائدة الرئيسي في ظل تهديد الرسوم الجمركية الأمريكية    لبسوا الأطفال صيفي، الأرصاد تعلن بداية الموجة الحارة وتكشف موعد ذروتها    مواعيد امتحانات العام الدراسي المقبل لصفوف النقل والشهادات الدراسية 2026    موعد مباراة مصر وتنزانيا في كأس أمم إفريقيا تحت 20 سنة والقنوات الناقلة    سيد عبدالحفيظ يكشف لأول مرة ماذا حدث في علاقته مع حسام غالي    المجلس الوطنى الفلسطينى يجدد الدعوة للمجتمع الدولى للتحرك العاجل لوقف جرائم الاحتلال    تشكيل ارسنال المتوقع أمام باريس سان جيرمان في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    أمير مرتضى منصور: «اللي عمله الأهلي مع عبدالله السعيد افترى وتدليس»    تحرير 30 محضرًا في حملة تموينية على محطات الوقود ومستودعات الغاز بدمياط    تصعيد خطير بين الهند وباكستان... خبراء ل "الفجر": تحذيرات من مواجهة نووية ونداءات لتحرك دولي عاجل    ردود الفعل العالمية على اندلاع الحرب بين الهند وباكستان    مباراة برشلونة وإنتر تدخل التاريخ.. ورافينيا يعادل رونالدو    كندة علوش تروي تجربتها مع السرطان وتوجه نصائح مؤثرة للسيدات    سيد عبد الحفيظ يستبعد إعادة مباراة القمة ويعلّق على أزمة زيزو ورحيله عن الزمالك    موعد مباريات اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. إنفوجراف    عاجل.. الذهب يقفز في مصر 185 جنيهًا بسبب التوترات الجيوسياسية    شريف عامر: الإفراج عن طلاب مصريين محتجزين بقرغيزستان    متحدث الأوقاف": لا خلاف مع الأزهر بشأن قانون تنظيم الفتوى    الذكرى ال 80 ليوم النصر في ندوة لمركز الحوار.. صور    حبس المتهمين بخطف شخص بالزاوية الحمراء    اليوم| أولى جلسات استئناف المتهم بالنصب على نجم الأهلي مجدي قفشة    السيطرة على حريق توك توك أعلى محور عمرو بن العاص بالجيزة    ضبط المتهمين بالنصب على ذو الهمم منتحلين صفة خدمة العملاء    موعد إجازة مولد النبوي الشريف 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    «كل يوم مادة لمدة أسبوع».. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي 2025 بمحافظة الجيزة    المؤتمر العاشر ل"المرأة العربية" يختتم أعماله بإعلان رؤية موحدة لحماية النساء من العنف السيبراني    «تحديد المصير».. مواجهات نارية للباحثين عن النجاة في دوري المحترفين    "ماما إزاي".. والدة رنا رئيس تثير الجدل بسبب جمالها    كوكلا رفعت: "أولاد النيل" توثيق لعفوية الطفولة وجمال الحياة على ضفاف النيل    مُعلق على مشنقة.. العثور على جثة شاب بمساكن اللاسلكي في بورسعيد    ألم الفك عند الاستيقاظ.. قد يكوت مؤشر على هذه الحالة    استشاري يكشف أفضل نوع أوانٍ للمقبلين على الزواج ويعدد مخاطر الألومنيوم    مكسب مالي غير متوقع لكن احترس.. حظ برج الدلو اليوم 7 مايو    3 أبراج «أعصابهم حديد».. هادئون جدًا يتصرفون كالقادة ويتحملون الضغوط كالجبال    الهند: هجومنا على باكستان أظهر انضباطًا كبيرًا في اختيار الأهداف وطريقة التنفيذ    الهند: أظهرنا قدرا كبيرا من ضبط النفس في انتقاء الأهداف في باكستان    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    أطباء مستشفى دسوق العام يجرون جراحة ناجحة لإنقاذ حداد من سيخ حديدي    طريقة عمل الرز بلبن، ألذ وأرخص تحلية    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية لم تأتِ لتكليف الناس بما لا يطيقون    وزير الأوقاف: المسلمون والمسيحيون في مصر تجمعهم أواصر قوية على أساس من الوحدة الوطنية    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2025 في محافظة البحيرة الترم الثاني 2025    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انبهرت بروح التكافل التي تسود والإصرار علي تحصيل العلم الجامع الأزهر الشريف بعيون إنجليزية
نشر في القاهرة يوم 07 - 08 - 2012

- الرحالة قدمت وصفاً دقيقاُ لعمارته وتفاصيل الحياة العلمية والاجتماعية فيه - كان الأزهر جامعة شاملة بمعني الكلمة وصل عدد طلابه 12 ألفا من كل الجنسيات للجامع الأزهر الشريف تاريخ قديم عريق وحاضر زاهر، فهو جامع القاهرة وحصن الإسلام الوسطي، ومنارة العلم في عصور الظلام الإسلامية، وكيف لا وقد حمل شعلة العلم وحفظ لمصر هويتها العربية خلال عصر الاحتلال العثماني والفرنسي ثم الانجليزي.. أمام محاولات طمس الهوية المصرية العربية من خلال الغزو الثقافي المصاحب للغزو العسكري ، وكذلك الدور الكبير الذي لعبه في دعم المشروع النهضوي لمحمد علي باشا فكان علماؤه وخريجوه نواة البعثات العلماء التي ارسلها الباشا. لذا كان الأزهر الشريف محط رحال الكثير من المستشرقين وزوار مدينة القاهرة عبر العصور فقد فاقت شهرته في الأفاق وذاع صيته بين الأمم؛ ففي أواخر عهد محمد علي باشا في سنة 1258 ه/ 1842 م زارت مصر السيدة صوفيا لين بول (1804 - 1891) أخت المستشرق الإنجليزي إدوارد لين بول (1801-1876) الذي عاش في القاهرة وعرف بين أهلها باسم الشيخ منصور، قدمت صوفيا إلي القاهرة يرفقه أخيها إدوارد في زيارته الثالثة للقاهرة، ولما كان إدوارد بحاجة إلي معرفة حياة الحريم في القصور العلوية، فقد وقع اختياره علي صوفيا لتحقيق هذه الغرض، لم يكن لصوفيا أي خبرة سابقة في تدوين المشاهدات فتفتق ذهن إدوارد علي فكرة بسيطة تقوم من خلالها صوفيا بتدوين مشاهداتها في صورة خطابات تصف فيها حياتها في القاهرة وترسلها لإلي صديقتها في انجلترا، فجاءت مشاهدات صوفيا في مصر في صورة خطابات كتبت بصورة سلسلة. دونت صوفيا لين بول مشاهداتها للحريم في القصور والآثار والأماكن التي زارتها في رسائل بدأتها برسالة مرسلة في يوليو عام 1842 تصف فيها وصولها إلي مدينة الإسكندرية ثم تتوالي الرسائل بدأ من رحلتها النيلية للوصول إلي القاهرة ووصفها لمسكنها وحياة الناس والاحتفالات الدينية كالاحتفال بالمحمل أو عادات المصريين في رمضان. في أواخر عام 1842 وجدت صوفيا في نفسها رغبة شديدة في زيارة بعض مساجد القاهرة لكنها اصطدمت بواقع أليم هو صعوبة تحقيق هذه الرغبة لعدة أسباب أولها أنها أجنبية نصرانية مما قد يسبب لها مشكلة بس انغلاق الناس وعدم تقبلهم للآخر آنذاك، لكن رغبة صوفيا تحققت عندما اتاح لها هذه الفرصة صديق لأخيها إدوارد علي أن تلعب هي دور زوجته. بدأت رحلة صوفيا صباحًا برفقة زوجة صديق أخيها وزوجة أخيها يتقدمهم الصديق، فوصلوا جميعا لجامع الإمام الحسين الذي وصفته بأنه "أقدس مساجد القاهرة قاطبة"، ثم توجهت لزيارة الجامع الأزهر الشريف أو الجامع البهي الزاهر كما وصفته، وذلك في رسالتها العاشرة حسب طبعة عام 1845 أو في الرسالة الثامنة حسب الترجمة العربية التي نشرتها دكتورة عزة كرارة، والتي اعتمدنا في ترجمتها في كتابة المقال. سجلت صوفيا مشاهداتها داخل الجامع الأزهر الشريف قائلة: "توجهنا بعد ذلك إلي الجامع الأزهر (أو المسجد البهي الزاهر)، ويقع كما ذكرت في جنوب الحسين وعلي مقربة منه وهو في منتصف الطريق بين الشارع الرئيسي للمدينة والبوابة المسماة (باب الغريب).. إنه مسجد القاهرة الرئيسي وجامعة الشرق، وأول مسجد شيد بالمدينة، إلا أنه كثيرًا ما حدث به ترميم وتوسع يجعل من الصعب أن نؤكد فيما نراه الآن، مما تبقي بالضبط من البناء الأصلي. شُيد هذا المسجد بعد حوالي تسعة أشهر من بناء أول حائط للمدينة في سنة 359 من الهجرة (969 - 970 م)، ومع أن الصرح يشغل مساحة تبلغ ثلاثمائة قدم مربع، إلا أنه لا يبدو بهذا الاتساع من الخارج بسبب كثرة المنازل المحيطة به فلا يظهر منه من الشوارع سوي مداخله ومآذنه. وللمسجد بوابتان رئيسيتان وأربعة مداخل صغري؛ ولكل بوابة رئيسية مدخلان ومن فوقهما حجرة للدرس مفتوحة من الأمام والخلف، ويخلع كل امرئ حذاءه قبل أن يخطو عتبة المسجد، مع أنه إذا دخله من البوابة الرئيسية لا يصل إلي مكان الصلاة إلا بعد أن يسير في ساحة واسعة، وتتبع هذه العادة في كافة المساجد. تقع البوابة الرئيسية في وسط واجهة المسجد - وهي أقرب المداخل من شارع المدينة الرئيسي - داخل هذه البوابة مباشرة وعلي جانبيها يوجد مسجدان صغيران نَمُرّ بينهما لنجد أنفسنا في الساحة الكبيرة للأزهر، وهي مرصوفة بالأحجار وتحيط بها أروقة ذات أعمدة، يقع الرواق الرئيسي في مواجهة المدخل، والأروقة التي علي الجوانب الثلاثة الأخري، مقسمة إلي عدد من الأروقة أو الحجرات يسكن فيها عدد من الطلبة يؤمون هذه الجامعة الشهيرة من أقصي البلاد في إفريقيا وآسيا وأوروبا وكذلك من أقاليم مصر المختلفة، وبما أن هؤلاء الأشخاص عادة في حالة من العوز والحاجة، فإن الجامع يخصص مالاً لإعالتهم، فيصرف لكل فرد كمية من الخبز والحساء كل ظهر ومساء، كما يعول أيضًا كثيرًا من الفقراء المكفوفين. تجولنا في الأروقة، وبعد أن مررنا بأبناء مقاطعات مصر المختلفة، وجدنا أنفسنا بين قوم من أهل مكة والمدينة، وبعدهم سوريون ثم بعد دقيقة كنا وسط مسلمين من وسط إفريقيا يليهم مغاربة من مواطني شمال إفريقيا في غرب مصر، ثم أتراك من أهل أوروبا وآسيا، تركناهم لنقابل إيرانيين ومسلمين من الهند، خيل لنا أننا كنا نتنقل بين البلاد المختلفة لكل منهم. ويرافق الأثرياء وعلية القوم عادة خادم يحمل سجادة الصلاة لسيده، كما أن عدد من يؤدون صلاة الجمعة كثير جدًّا وهم يصطفون في صفوف متوازية ويجلسون علي الحصر.. ويختلف المنظر في الرواق الكبير في غير أوقات الصلاة، فقد رأينا كثيرين من المعلمين وسط حلقات من المستمعين ينصتون بانتباه لما يلقي أو يتلي عليهم من تفسير القرآن وغالبًا ما يستند المعلم إلي أحد الأعمدة، وجرت العادة أن لكل منهم - كما علمت - عموده الخاص؛ حيث يؤم تلاميذه بانتظام يجلسون في حلقة حوله علي الحصير الذي يغطي الأرض، ويتناول بعض الأشخاص جرايتهم من الطعام في الأزهر، كما أن كثيرًا من الفقراء الذين لا مأوي لهم يقضون الليل هناك، إذ إن المسجد يظل دائما مفتوحًا. قد لا تتفق هذه العادات مع قدسية المكان ولكنها تبين بوضوح البساطة التي تتسم بها العادات الشرقية". لقد وصفت صوفيا لين بول الجامع الأزهر الشريف بمعلومات عصرها، فأعطت لنا تفسيرًا لمعني اسم الجامع الأزهر الشريف "المسجد البهي الزاهر" والحقيقة أنه لم يطلق علي الجامع الأزهر مسمي الأزهر في بداية إنشائه، وإنما عرف بجامع القاهرة نسبة لعاصمة الفاطميين الجديدة، وأما تسميته بالجامع الأزهر فقد حدثت في وقت متأخر؛ حيث أشار إليه المؤرخون قريبو العهد ببناء القاهرة كالمسبحي وابن الطوير وابن المأمون باسم جامع القاهرة، وقليلاً ما أشاروا إليه باسم الجامع الأزهر. أطلق علي جامع القاهرة الجامع الأزهر ربما نسبة إلي السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول (ص) وزوجة الإمام علي بن أبي طالب ، وهي التي ينتسب إليها الفاطميون، وقيل إنه سمي كذلك تفاؤلاً بما سيكون له من الشأن والمكانة بازدهار العلوم فيه . كما حددت موقع الجامع بالضبط، وأصابت عندما ذكرت صعوبة التعرف علي معالم الجامع الفاطمي الأول فقد زارت صوفيا الجامع عقب فترة من تجديدات الأمير عبد الرحمن كتخدا الذي قام بعمارة الجامع وأضاف أجزاء جديدة تضاف إلي ما أضافه سلاطين المماليك وأمراؤهم والعثمانيون. وصفت صوفيا لين بول الجامع بدقة وبدأت وصفها من خارج الجامع دخولاً إليه فذكرت أن للجامع بوابتين رئيسيتين لم تذكر اسمهما وهما: باب المزينين وباب الصعايدة، كما ذكرت وجود كتاتيب فوق البوابتان اندثر الذي فوق باب المزينين الآن، كذلك أشارت إلي وجود مسجدين صغيرين عقب الولوج من البوابة الرئيسية (باب المزينين) لم تذكر اسمهما وهما: المدرسة الطيبرسية التي انشئها الأمير علاء الدين طيبرس والمدرسة الأقبغاوية التي انشئها الأمير أقبغا عبد الواحد، وهما مدرستان يعودان إلي عصر دولة المماليك البحرية، وأشارت إلي ميضأة الجامع، وإلي الحاجز الخشبي الذي يفصل بين صحن الجامع وبيت الصلاة وهو الحاجز الذي يعود إلي عصر الملك الأشرف قايتباي أحد سلاطين المماليك الذين أولوا عناية فائقة بالأزهر واسند إلي أحد رجال دولته وهو الخواجا مصطفي بن محمود بن رستم عمارة الجامع وتجديده، فمع قرب نهاية حكم الأشرف قايتباي وفي المحرم سنة 900 ه/ 1494 م قام الخواجه مصطفي بن محمود بن رستم البرصاوي بإذن من الأشرف قايتباي بعمل مقصورة خشبية علي وجه جناح القبلة، وتجديد عمارة الجامع، كما شرع في بناء مئذنته وبلغت تكلفة هذه العمارة 15 ألف دينار . سجلت صوفيا لين بول مشاهداتها للحياة داخل الجامع الأزهر خاصة حياة الطلاب وأماكن إقامتهم وظروف إعالتهم ومواطنهم، وقدمت لنا وصفًا لحلقات الدرس بين أوقات الصلوات، فقد خصص بالجامع الأزهر الشريف أروقة كمقر سكني للطلبة، وهو عبارة عن غرف متصلة بأسوار الجامع الأزهر علي طول هذه الأسوار، وكان الرواق يفرش بما يلزم له من الفرش ويلحق به أماكن للغسيل وأخري للوضوء ومطابخ لإعداد الطعام، وكانت تقام بالرواق الأذكار ويحتدم الجدل والنقاش، وكانت لكل طائفة جرايات ومرتبات، ولكل طائفة نقيب وشيخ يحكمهم ويدافع عنهم، وكان لكل طائفة أوقاف وعقارات يصرف عليهم من ريعها، وكان أول من جعل رواقًا لطلاب الأزهر يسكنون فيه هو الإمام العزيز بالله الفاطمي. وكانت أروقة الجامع الأزهر تبدأ من يمين الداخل من باب المزينين خلف المدرسة الطيبرسية، ثم بالظلة الشمالية الغربية للجامع، ويبلغ عددها 29 رواقًا و14 حارة ، ويتبع تقسيم هذه الأروقة غالبًا التقسيم الجنسي أو التقسيم المذهبي. وكمساعدة لدعم الحركة العلمية في الجامع الأزهر ومساعدة الطلاب في طلب العلم فقد تم تخصيص جرايات تقيهم شر العوز، وترجع بداية تخصيص الجرايات علي طلبة وعلماء الجامع الأزهر الشريف إلي عهد الإمام العزيز بالله الفاطمي عندما سأل الوزير أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس الإمام العزيز بالله في صلة رزق جماعة من الفقهاء، فأطلق لهم ما يكفي كل واحد منهم من الرزق، ويذكر المسبحي أن العزيز بالله "أقام طعامًا في جامع القاهرة (الأزهر) لمن يحضر في رجب وشعبان ورمضان". وقد أصابت صوفيا لين بول عندما وصفت الجامع الازهر الشريف ب"جامعة الشرق" فقد كان الأزهر الشريف جامعا وجامعة منذ أيامه الأولي، فقد عقدت خلال عصر الدولة الفاطمية في الجامع الأزهر الشريف مجالس عرفت بمجالس الحكمة، كان يحضرها الإمام الفاطمي في بعض الأحيان، وكان يقوم بإلقاء الدروس فيها كبراء الدولة كالوزراء وغيرهم من العلماء، وكان يعهد بأمر الإشراف علي تنظيم هذه الدعوة وبثها إلي داعي الدعاة كما وضع لهذه المجالس نظمًا ورسومًا خاصة، وكان النساء يحضرن هذه المجالس في الأزهر أيضًا وكانت الدعوة تنظم طبقًا لمستوي الطبقات العلمية كذلك نظمت في الجامع الأزهر الشريف الحلقات الدراسية؛ وكانت أولي حلقات الدروس التي تعقد في الجامع في صفر سنة 365 ه/ 975 م عندما جلس القاضي أبو الحسن علي بن أبي حنيفة النعمان القيرواني ليملي مختصر أبيه ابن حيون في الفقه والمعروف ب"الاقتصار" ، ومنذ ذلك التاريخ أصبح الجامع جامعة علمية حيث كان هؤلاء العلماء يتحلقون في حلقات بعد صلاة الجمعة إلي صلاة العصر لإلقاء الدروس، فقد عقد فيه الوزير يعقوب بن كلس حلقة دراسية لتدريس كتابه "الرسالة الوزيرية في الفقه الشيعي"، وكانت مجالس ابن كلس تتحرر من القيود الرسمية وتتجه نحو الأهداف العلمية، لذلك تعد أول مجالس جامعية عقدت بالجامع ، وفي سنة 378ه/ 988م استأذن الوزير يعقوب بن كلس الإمام العزيز بالله في تعيين فقهاء بالجامع وكان عددهم سبعة وثلاثين فقيهًا يرأسهم الفقيه أبو يعقوب قاضي الخندق وقد اشتملهم الأئمة الفاطميون وخاصة العزيز بالله بالعطايا والخلع . وعلي الرغم من غلق الجامع الأزهر الشريف مع بداية عصر الدولة الأيوبية، فإن الجامع ظل في وجدان المصريين، فقد أدرك المماليك أهمية الجامع فأعادوا له الخطبة مرة أخري في عهد الملك الظاهر بيبرس، وعاد الجامع ليفتح أبوابه لطلاب العلم من كل أنحاء العالم الإسلامي، فاشتهر من علمائه الكثيرون في العصر المملوكي كالعالم المغربي ابن خلدون، وقد حرص السلطان الغوري (906-923ه/ 1501-1517م) علي عقد المجالس العلمية والدينية وحضورها والمشاركة في المسائل العلمية التي تثار في تلك
المجالس في الجامع الأزهر الشريف . ظل الجامع إبان العصر العثماني محتفظًا بقوته وازدهاره العلمي، وقد زار الجامع الأزهر الشريف في العصر العثماني الرحالة الفرنسي فرمنال وأشاد بالجامع الأزهر كمؤسسة وجامعة تعليمية، وذكر أن الطلاب يدرسون الطب والفلك والفلسفة، لكنه عاب عليهم عدم استخدام المطبعة ونسخهم الكتب بأيديهم . كان من عادة مجاوري وطلبة الجامع الأزهر الشريف أنه عندما يحل بمصر عالم أو رحالة أو فقيه كانوا يزورونه ويعقدون جلسات العلم معه، مثلما حدث مع عبد الغني بن إسماعيل النابلسي صاحب كتاب الحقيقة والمجاز في الرحلة إلي بلاد الشام ومصر والحجاز المتوفي في سنة 1143 ه/ 1730م، وقد شاركهم في هذه الزيارات الشيخ منصور المنوفي الأزهري شيخ الجامع، والشيخ أحمد المرحومي الشافعي والشيخ محمد الخليلي الشافعي والشيخ محمد البَلَكُوسي وولده الشيخ أحمد المالكي والشيخ أحمد المحروقي المالكي والشيخ علي الحنفي والشيخ أحمد الصايم . وقد زار النابلسي الجامع آنذاك، ووصف الحياة فيه قائلاً: "دخلنا الجامع الأزهر المعمور بالعلماء والصلحاء وقراءة القرآن ودروس العلم ليلاً ونهارًا". وقد كان طلبة الجامع يهابون العلماء ويبجَّلونهم، يصف لنا النابلسي ذلك الحال قائلاً: "انكبت علينا جميع الطلبة والمجاورين هناك يقبَّلون يدنا ويطلبون منا الدعاء مع زيادة الاعتقاد فأخذتنا هيبة ذلك الحال فصرنا نبكي وهم يبكون". ويذكر النابلسي أنه كان بالجامع تربة للمجاورين ذهب إليها لأجل الزيارة والتبرك، كما يذكر أنه قد دفن فيها من العلماء والفضلاء والصلحاء ما لا يحصي عدده. كان النظام المتبع في الحلقات الدراسية بالجامع أن يجلس الشيخ إلي جانب عمود من أعمدة الجامع وطلبة من حوله في نظام علي شكل حلقة ذات صفوف وكان لكل طالب مكانه لا يستطيع أن يتعداه؛ حيث كان يجلس بالقرب من الشيخِ الأفضلُ علمًا يليه الأقل فالأقل، وتسمي صفوف الحلقة طبقات، وكان يجلس عن يمين الشيخ ويساره المعيدون والممتازون من الزوار، وكان بعض المشايخ يتخذ أحد الأفراد يعهد إليه بتنظيم جلوس الطلبة كل منهم في مكانه، وإذا ما خلا عمود ما من شيخ بسبب وفاته أو انقطاع فإن شيخ الجامع يقوم بتعيين شيخ آخر مكانه ولا يستطيع شيخ آخر أن يقوم بالتدريس إلي جوار عمود غيره إلا بإذن من صاحبه ، وإذا أراد طالب أن يعتلي تخت التدريس فإنه يعلن ذلك أمام أقرانه ويتقدم بطلب إلي شيخ الجامع فيعقد له حلقة نقاشية تضم أقرانه ومشايخ الجامع، فإذا نجح في الصمود أمام أسئلتهم يمنح حق التصدر للتدريس وتعقد له حلقة باسمه . وزار الجامع بعد النابلسي الرحالة التركي أوليا جلبي، الذي قدر عدد الطلاب بالجامع باثني عشر ألف طالب "تطن أصواتهم كأصوات النحل، مما يدهش الإنسان، وقد انهمكوا في مباحثات علمية"، من هؤلاء الاثني عشر ألفًا، كان يوجد حوالي 2000 أو 3000 من مكفوفي البصر من حفظة القرآن. ويذكر أوليا جلبي أنه كان يتلي في الجامع ألف ختمة يوميا، وإذا أراد أحد أن يهدي إلي أرواح أبويه وأساتذته وأولياء نعمه خَتَمَ القرآن العظيم، وقد كان السعر المدفوع لذلك 30 بارة (إحدي العملات العثمانية المتداولة آنذاك)، وقد كان القارئ يختم القرآن في سبع ساعات. وقد كان لعلماء الجامع مكانة خاصة فعند وفاة أحد العلماء من شيوخ الأزهر يعلن الحزن بالجامع ثلاثة أيام متوالية، ويصدر شيخ الجامع أمره بعدم عقد أي درس لمدة الثلاثة أيام، ويصعد المؤذنون علي المآذن ويقرأون بصوت مرتفع قول الله تعالي: إِنَّ الأَبْرَارَ ىَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا وما يليها من الآيات، ويتكرر ذلك علي معظم مآذن المساجد فيسمعهم الناس فيهرعون لحضور الجنازة، ثم يشيع المتوفي إلي الجامع ويسير أمامه المنشدون يقرأون بردة البوصيري بأصوات مرتفعة ويليهم كثير من المشايخ، وربما حضر بعض الأمراء والأعيان، وإن كان الشيخ المتوفي من أصحاب الشهرة والمناصب حضر الجنازة عدد من الجند تكريمًا للشيخ المتوفي ومحافظة علي النظام، وعندما يدخلون من باب المزينين يقرأ المؤذنون للمرة الثانية الآيات القرآنية السابقة ثم يوضع علي دكة المبلغ، ويقوم أحد المشيعين بإلقاء مرثية للفقيد ثم يصلي عليه شيخ الجامع، وبعد أن يواري في التراب كان يعقد له مأتم ثلاث ليال عند العمود الذي كان يدرس عنده، وفي كل أسبوع من أربعة أسابيع بعد صلاة الجمعة يجتمعون في حلقة عند عموده وتوزع عليهم ربعات القرآن ويقرأ كل منهم جزءًا أو يجلس بعض القراء والمنشدين وسط الحلقة فيقرأ بعضهم آيات من القرآن ترتيلاً ثم يختمون المجلس بقراءة آخر سورة البقرة ثم أسماء الله الحسني وآخر البردة. إن الجامع الأزهر مقصد الزوار فقد فاقت شهرته الآفاق ووصل في قدسيته ورسالته إلي أن صار حصن الإسلام الوسطي إليه تهفو قلوب طلبة العلم ويتسابق الحكام في التشرف بخدمته، فهو حامل راية الدين إلي أحراش أفريقيا وأصقاع آسيا ورسالة الوسطية إلي أوروبا، وملجأ العلماء وقت الخطر، والمدافع عن العقيدة واللغة وقت الضعف والوهن.. الأزهر ليس جامعا إنه تاريخ وهوية.. حاول الكثير محوها أو التشكيك في دوره.. لكن ظل الأزهر وسيظل لأنه الأزهر الشريف... هدية مصر للإسلام والمسلمين.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.