«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الازهر يكتب تاريخه
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 10 - 2011

‏ لم أتخيل يوما أن أكتب عن الأزهر الشريف‏...‏ولكنني أكتب عنه لأنه أكبر حائط صد مصري ضد كل من يريد سوءا بهذا البلد‏,‏ ولان الأزهر الشريف في أبسط تفسير هو تعبير عن صحيح الدين و الوطنية المصرية‏.‏ أما ما أعرفه تأكيدا أن الحديث عنه أحوج ما يكون إلي قامة تملكها كاتبة قديرة في حجم الدكتورة بنت الشاطئ رحمها الله تعالي. ولكنني أكتب الآن حيث يصدر بعد أيام مشروعا توثيقيا يتناول تاريخ وتأثير الأزهر الشريف تتبناه مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مشيخة الأزهر الشريف ودار الكتب الأزهري والمجلس الأعلي للآثار ومتحف الفن الإسلامي.
فالتبرع بالحديث عن سيرة رجال في حجم قامات وتأثير علماء كالشيخ شلتوت والشيخ عبد الحليم محمود والشيخ جاد الحق والشيخ الباقوري وغيرهم ممن تحفظ الذاكرة من الايام القريبة و ممن يمكن أن نضيف إليهم من كوكبة المشايخ الذين كانوا يمثلون تيارا فكريا منذ زمن الشيخ الدمنهوري والدمهوجي والشرقاوي يعد عبئا ثقيلا.
والقائمة طويلة وكثيرة هي الاسماء... كابن الهيثم وابن زولاق وابن الفارض وابن خلكان وابن دقماق وعبد الوهاب الشعراني وعمر مكرم ورفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني والشيخ عبد العزيز جاويش, وأما الاحداث التي عقدت رباطا بين مصر والأزهر علي مر تاريخه فأكبر أي حقبة من الزمن.
ومن أجل هذا لا يمكن الاكتفاء بتشبيه الأزهر الشريف برائحة المسك المصري, ولا بكل الايام التي شهدها أهل مصر منذ أكثر من ألف واثنين وأربعين عاما هو عمر القاهرة الفعلي, ولا بكل ما كتب المتنورون من المعممين والمطربشين من الافنديات المصريين منذ زمن محمد علي الكبير.
فالأزهر الشريف جزء أصيل من الجدران المصرية فهو الذي تبني يوما ثورة ضد تعنت المماليك وأصدر الفتاوي التي تحارب جورهم بعد أن قاد انتفاضة شعبية عام1795, وهو الذي قاتل نيابة عن المصريين عندما صعد الثائرون علي مآذن الأزهر لاعلان ثورة القاهرة الأولي ضد الفرنسيس. ومن الأزهر خلع خورشيد باشا العثماني ونصب محمد علي ودعم أحمد عرابي في ثورته أشخاص كشمس الدين الامبابي والامام محمد عبده, وأما ثورة1919 فقد شهدت هي الآخري إقتحاما للجامع من الجنود الإنجليز الذين صعدوا حتي الرواق العباسي وهو حادث ربما لا يتوقف عنده التاريخ كثيرا.
والأزهر في النهاية هو الذي أشعل مشايخه الكثير من المعارك الفكرية في المجتمع المصري وهو الذي عمل علماؤه في مطبعة بولاق.. أول مطبعة مصرية وأجازوا طبع القرآن الكريم وكتب السيرة والحديث والفقه... وأدخل في فتواه كل صغيرة وكبيرة والتي وصلت إلي شرب القهوة الذي أجازه العلماء بعد أن ظل مشكوكا في كونه أحد المسكرات.والأزهر الشريف هو الآن الذي يسترد زعامته للوصول إلي فصل الخطاب من خلال وثائقه في مجتمع تعلو أمواجه بشكل لم يكن متوقعا.
والحكايات لا تتوقف عند هذا الحد و أما الزمن فسنواته أصعب من أن تعد... ففي عصر الفاطميين ولد الأزهر كأول عمل معماري فاطمي عاصر تأسيس القاهرة.
ويقال والرأي للعالم الدكتور عبد الرحمن فهمي وهو رأي كتب في جريدة الاهرام في نهاية الستينات أن الأزهر الشريف قد اتخذ اسمه من اسم الزهراء لقب السيدة فاطمة رضي الله عنها ابنة الرسول صلي الله عليه وسلم التي سميت بأسمها مقصورة أقيمت في هذا الجامع, في حين يري بعض المؤرخين أن هذه التسمية تنسب إلي القصور الزاهرة التي بنيت حينما أنشئت القاهرة.
بينما يري البعض الآخر أنه سمي كذلك تفاؤلا بما سيكون له من الشأن والمكانة في إزدهار العلوم. فكثيرا ما تتشابه بعض الأسماء التي أطلقت علي مؤسسات في ذلك العصر مثل مدينة الزهراء في الاندلس التي تأسست عام325 هجريا. وأما السبب الاخير لهذه التسمية فيرجع إنشاء الأزهر الشريف كتعبير عن حسن السياسة وبعد النظر الخاص بالحكام الفاطميين الذين أرادوا إقامة جامع خاص بهم.
أهم مشروع مصري
وبعيدا عن التفسيرات التي تحملها كتابات آثريين ومفكرين, فإن ما يقدمه الآن مجموعة من الشباب بمكتبة الإسكندرية لتوثيق تاريخ الأزهر الشريف بالاشتراك مع مشيخة الأزهر الشريف هو إنجازا مشهود لهم.
فالأزهر بالاضافة إلي مكانته الدينية يقف كعلامة فارقة في المعمار المصري بين آلاف العمائر الاسلامية. وقد أقيمت أول صلاة فيه يحضرها الخليفة المعز لدين الله الفاطمي- أول خلفاء الفاطميين في بر مصر- في غرة شوال أي أول أيام عيد الفطر المبارك عام362 هجريا.
وأما البداية الحقيقية له فكانت يوم وضع حجر الاساس في يوم السبت الموافق الرابع والعشرين من جمادي الأولي عام359 هجريا الموافق يناير عام970 م, ليستمر البناء والتشييد حتي صليت فيه أول صلاة في اليوم السابع من شهر رمضان الكريم عام361 هجريا والموافق لشهر يوليو عام972 ميلاديا. وكان الائمة الفاطميين حين يصلون بالناس بالجامع الأزهر الشريف تترجل العساكر كلها وتقف بالرحبة التي أمام الجامع تجاه الباب البحري حتي يدخل الخليفة إلي الجامع.
ويشير مشروع توثيق الأزهر إلي حقيقة لا نعرفها وهي أن الجامع ظل لسنوات طويلة يحمل اسم القاهرة تيمنا بأسم عاصمة المعز الجديدة الا انه تحول فيما بعد إلي اسم الأزهر.
ويقال إنه نال كل الاهتمام طوال تاريخ الفاطميين في مصر بدليل تجديد الخليفة العزيز بالله للايوان الشرقي وزخرفته, وتجديد المئذنة في زمن الخليفة الحاكم بأمر الله الذي بقي من أعماله كما يؤكد الباحثون- باب خشبي ضخم محفوظ حاليا بالمتحف الاسلامي بالاضافة إلي بصمته الانسانية في ترتيب أول وقفية للجامع الأزهر. كما قام الخليفة الآمر بأحكام الله باقامة أول محراب خشبي من خشب الشوح التركي.
ويذكر علي باشا مبارك ان جوهر الصقلي جعل أمام الجامع رحبة كبيرة جدا, من السكة الجديدة الي التبليطة, وعرضها من باب الجامع البحري( يقصد باب المزينين) الي الخراطين الصنادقية, وقد بقيت تلك الرحبة الي عصر الدولة الايوبية ثم شرع الناس في عمارتها حتي لم يبق لها اثر.
والواقع أن الأزهر قد ارتدي أبهي حلية معمارية في عصر الفاطميين الا انه لم ينل نفس الاهتمام المعماري في عصر الأيوبيين الذي بدأ بحكم الناصر صلاح الدين الأيوبي فعين صدر الدين عبد الملك بن درباس قاضيا شافعيا فأفتي بعدم جواز إقامة خطبة الجمعة في الأزهر وأقرها في جامع الحاكم بأمر الله الذي يمتلك مساحة أكبر للصلاة.
فانزوي الأزهر الشريف بعض الشئ بعد أن انحسرت عنه الأضواء وإن كان هذا لم يمنع وجود علماء أجلاء للتدريس به مثل عبد اللطيف البغدادي الذي أستمر ست سنوات يدرس فيه علوم الطب.
المماليك والعثمانلية
ويستمر الأزهر كمدرسة للعلوم العقلية والنقلية حتي جاء زمن الظاهر بيبرس الذي اعتبر عصره تخطيط كامل لدولة المماليك في مصر بكل توجهاتهم السياسية, فقام بإعادة صلاة الجمعة إلي الأزهر بعد انقطاع وصل إلي ما يقرب المائة عام حتي ان اليوم الثامن عشر من ربيع الأول عام665 هجريا اعتبر يوما لا ينسي في حياة القاهرة بعودة هذا الجامع إلي سيرته الأولي.
و توالت في زمن المماليك أيدي الاصلاح فقام بيبرس بعمل طاقية خشبية للمحراب القديم وشرفات مسننة حول الصحن ومنبر لم يتبق منه سوي لوحته التذكارية. واسس الأمير بيلبك الخازندار مقصورة كبيرة رتب فيها فقهاء لقراءة الفقه علي مذهب الامام الشافعي.
وفي عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون ضرب مصر زلزال كبير كانت نتيجته تهدم وتأثر الكثير من العمائر الفخيمة كما شيد الأمير علاء الدين طيبرس نقيب الجيوش, المدرسة الطيبرسية في هذا الزمن وتحديدا عام709 ه وتقع علي يمين الداخل من باب المزينين الآن وبنيت علي شكل جامع صغير ملحق وتوجد بها ميضأة وحوض مياه لشرب الدواب وقبة ضريحية, وفي عام725 ه جدد القاضي نجم الدين محمد بن حسن الأسعردي محتسب القاهرة عمارة الجامع, كما شيد الامير علاء الدين أقبغا عبدالواحد المدرسة الاقبغاوية عام740 ه, وتقع الان علي يسار الداخل من باب المزينين وقد أدت إلي اختفاء جزء آخر من واجهة الأزهر الرئيسية وأنشئ بجوارها مئذنة وقبة ولها ثلاثة أبواب
وفي عصر المماليك الجراكسة استحدث منصب ناظر الأزهر للاشراف علي الجامع وكان هذا المنصب لزمن مقصورا علي أمراء المماليك وحاجب الحجاب ومنهم من وصل إلي السلطنة مثل السلطان جقمق.
وفي هذا العصر أنشئت أيضا المدرسة الجوهرية في الطرف الشرقي البحري من الرواق الشرقي القديم للجامع عند باب السر للجامع الأزهر علي أيدي الامير جوهر القنقبائي خازندار الملك الأشرف برسباي وهي تتميز بقبتها التي تعد واحدة من أصغر القباب الحجرية في مصر.
ويذكر ابن اياس ان النهج نفسه استمر في زمن العثمانيين. فبعد ان أحكم السلطان العثماني سيطرته حرص خلال أشهر الثمانية التي قضاها في مصر علي اداء صلاة الجمعة بالجامع وكانت آخرها الجمعة الموافق السابع عشر من شعبان923 ه الرابع من سبتمبر عام1517 م. وتتابع تجديد الجامع في ذلك الزمن علي أيدي الشريف محمد باشا في عهد السلطان العثماني محمد الثالث, كما عمر الوزير حسن باشا رواق الحنيفية وجدد الامير إسماعيل بك سقف الجامع. وقام السلطان أحمد الثالث بترميم الجامع بخمسين كيسا من الذهب.
وفي بداية القرن السادس عشر بني الامير عثمان كتخدا القزدوغلي زاوية يصلي فيها العميان سميت بزاوية العميان وكان يربط بينها وبين المدرسة الجوهرية ممر من الحجر. وجدد رواق الاتراك ورواق السلميانية الأفغان وزادوا في مساحة رواق الشوام. تعتبر أعمال عبدالرحمن كتخدا شيخ البنائين في العصر العثماني من أهم الأعمال المعمارية التي جرت في الجامع الأزهر عبر تاريخه فقد علق الجبرتي علي هذه الانشاءات قائلا: ولو لم يكن له من المآثر الا ما انشأه بالجامع الأزهر من الزيادة والعمارة التي تقصر عنها همم الملوك لكفاه ذلك, فقد زاد عبدالرحمن كتخدا من مساحة الجامع, واضاف باب المزينين وباب الصعايدة, وباب الشوربة و قبة ضريحية, وسبيل وثلاث مآذن ذات قمة مدببة علي الطراز العثماني.
دخول الفرنسيس
وتتلاحق الاحداث حتي يأتي زمن الحملة الفرنسية. وفي ثورة القاهرة التي اندلعت بعد أشهر قليلة من وصول جنود نابليون في أكتوبر عام1798 دخل الفرنسيس الأزهر الشريف وضرب بالقنابل من فوق جبل المقطم في اليوم الثاني والعشرين من أكتوبر وحدث وكما يحكي المؤرخ الكبير عبد الرحمن الجبرتي أن:
دخلوا الي الجامع الأزهر وهم راكبون الخيل وبينهم المشاة وتفرقوا بصحنه ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته وعاثوا بالاروقة والحارات وكسروا القناديل والسهارات وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع والودائع والمخبآت بالخزانات ودشتوا الكتب والمصاحف وعلي الأرض طرحوها بأرجلهم.
الأسرة العلوية
وفي عهد الخديو اسماعيل تم تجديد باب الصعايدة الكبير عام1865, وقام الخديو توفيق من بعده بترميم قبة الحافظ المطلة علي صحن الجامع وتجديد الأروقة التي أضافها عبد الرحمن كتخدا. وفي عام1891 قامت لجنة حفظ الآثار العربية بهدم المباني التي كانت قائمة في واجهة المسجد الغربية وبعدها بخمس سنوات ازالت كتاب عبد الرحمن كتخدا الذي يعلو باب المزينين ثم ازيل كل ما يشوه مدخل قايتباي.
ثم افتتح الرواق العباسي علي ايدي الخديو عباس حلمي الثاني في حفل كبير استقبله فيه الشيخ حسونة النواوي شيخ الجامع الأزهر وألقيت فيه أبيات شعرية قدمها الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي أحد كبار علماء السادة المالكية.
وفي عهد الملك فاروق قامت لجنة الآثار العربية بترميم واصلاح مئذنة وقبة المدرسة الاقبغاوية وفرش الجامع بالسجاد اليدوي علي نفقته الخاصة. وقد استمر الأزهر علي حالته حتي تم انشاء الواجهة المطلة علي شارع الأزهر عام1970 قبل وفاة الرئيس جمال عبد الناصر.وتوالت الهدايا ونذكر منها ما قدمه رئيس باكستان الأسبق ضياء الحق من سجاد وما قدمته مصر من إهتمام خاص عام1998 لتدعيم أروقة عبد الرحمن كتخذا وحماية الأزهر من آثار النفق وهناك الكثير من الغرائب المعمارية لهذا الجامع ومنها تيجان الاعمدة والاسطورة التي تقول إن بالجامع طلسما وهو ما يجعله محرما علي سكني الطيور.
صوت النحل
وبنظرة إلي الداخل الأزهري فان مجتمعا من طراز خاص نشأ داخل الجامع وأكثر ما يلفت الانتباه الاحتفالات ومنها الاحتفال بالمولد النبوي الذي كان يركب فيه القاضي بعد العصر ومعه الشهود إلي الجامع ومعهم أرباب تفرقة صواني الحلوي التي أعدت بالقصر لتفرق علي قاضي القضاة وداعي الدعة وقراء الحضرة والخطباء. ولم يكن شهر رمضان الكريم اقل حظا ففي الجمعة الثالثة كان يخرج الامام في موكب مرتديا ملابس بيضاء وحوله قراء الحضرة يرتلون القرآن والجنود يحملون الرماح وفي نهايتها أهلة من ذهب بينما يحمل مقدمو الركاب عن يمين الخليفة ويساره أكياسا تحوي أموال الصدقة.
وقد كان الأزهر منذ البداية معدا ليكون دار حكمة وكان أولي الحلقات خاصا بالقاضي أبو الحسن علي بن أبي حنيفة النعمان, وقد عاد المماليك بالأزهر إلي سيرته الأولي فأعادوا له الخطبة وجاءه علماء من أمثال ابن خلدون. وكان الشيخ غالبا ما يجلس بجانب عمود من الأعمدة ثم يتحلق الطلبة من حوله وقد قدر أوليا جلبيالرحالة التركي عدد الطلاب ب12 ألف طالب أصواتهم كصوت النحل منهم3000 من مكفوفي البصر.
وبالنسبة للأروقة فهو تعبير أزهري صميم يعني المكان المخصص كمقر سكني للطلبة وهو عبارة عن غرف متصلة بأسوار الجامع الأزهر وقد ابتدعها الخليفة العزيز بالله الفاطمي وعددهم19 رواقا و14 حارة حسب الجنس أو المذهب ومنهم: رواق الهنود والصعايدة والحرمين للطلبة من أهل المدينة المنورة ومكة المكرمة والدكارنة الغورية الخاص بأهل سنار ودارفور, والشوام والجاوة الخاص بأهل جزر الهند الشرقية والسليمانية المخصص لأهل أفغانستان وخراسان والجبرتية الخاص بأهل الصومال واليمنية لجنوب الجزيرة العربية والاكراد لشمال العراق والبغدادية لأهل العراق وكاونة صليح الخاص بتشاد. وكانت حارات الأزهر تخصص للأمتعة وأشهرهم حارة الجيزاوية والدكة والزهار.
أما الجرايات فلها قصة أخري ففي عهد أحد الفاطميين منح طعاما لمن يحضر في رجب وشعبان ورمضان. وفي زمن الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون خصص للمجاورين طعاما كل يوم. وأوقف مجموعة من المهتمين أوقافا منهم الامير ركن الدين عمر وفاطمة زوجة الامير الزيني شعبان والامير السيفي يشبك الدوادار والسيدة زينب بنت العلائي. ويذكر الرحالة أوليا جلبي أن الفقراء من الطلبة كانوا يحصلون علي صحن من الأرز والعدس ورغيف خبز وفي كل ليلة جمعة يقدم لهم الأرز واللحم. كما يذكر الجبرتي أن المجاورين قاموا باغلاق أبواب الجامع بعد صلاة الجمعة عندما ألغي خبز المجاورين عام.1785 وفي عام1929 استصدرت مشيخة الأزهر مرسوما ملكيا ياستبدال الجرايات بمرتبات نقدية وبلغت مخصصات الجرايات عام623001948 جنيه مصري.
مكتبة الأزهر
بطبيعة الحال لا يمكن الحديث عن الأزهر دون الدخول إلي كتبه وعلمائه المشهود لهم, فبعد عشرين عاما من إنشاء الأزهر ولدت مكتبته في عهد الخليفة العزيز بالله ولكنها تعرضت للنهب عند قيام الجنود الأتراك بالعصيان ضدالخليفة المستنصر بالله.
وفي العصر المملوكي كانت هناك وثيقة الشيخ سليمان الابشادي الذي أوقف كتبا علي الفقراء القاطنين بالجامع الأزهر في أواخر دولة المماليك الجراكسة وقد ختمت بختم من نعم الله علي الابشادي المالكي. وقد قدرت خزائن الكتب بمائتي خزينة من سبع طبقات وأرفف ولها موظف مسئول باسم خازن الكتب وخصص جزء من ريع الاوقاف لشراء الكتب تحت إشراف الجهاز القضائي.
وكان موضع المكتبة في القرن السابع عشر خلوة بجوار منبر الظاهر بيبرس حتي هدمها عبد الرحمن كتخدا وفرق كتبها علي خزائن الأروقة وجامع العيني والفكهاني. وفي عام1897 تم اختيار المدرسة الاقبغاوية لتكون مقرا للمكتبة وأما صاحب الفكرة فكان الامام محمد عبده وقد امتنع أهل رواق الاتراك والمغاربة عن ضم مكتباتهم ولم تنضم مكتبة رواق المغاربة سوي عام1936 ورواق الحنيفية عام.1956 وفتح باب التبرع فدخل أشخاص أمثال سليمان باشا أباظة وحليم باشا, وشمس الدين الالباني والشيخ حسونة النواوي وعبد القادر الرافعي ونجيب المطيعي وأحمد باشا راشد. ووصلت مجموعات المكتبة عام1949 إلي80000 مجلد منها20000 م خطوط وفي عام1200001959 مجلد ومخطوط.
شارك في هذا العمل التوثيقي
د.خالد عزب محمد السيد حمدي
شيماء السايح محمد منير رعد الحسيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.