لوحة "المُقرئ في السرادق" 1960 للفنان الرائد الكبير محمود سعيد 8 ابريل 1897 - 8 ابريل توحي بأجواء روحانية حاملة لصوت يذكرني بالقارئ الجليل الشيخ محمد رفعت .. اللوحة يتوسطها مُقرئ داخل سرادق يجلس فوق دكة مرتفعة مستغرقاً في التلاوة لكلمات الله الشريفة لنستشعر فيها كثافة روحانية اللحظة .. ويجلس الي يمين المُقرئ مُقرئ آخر ينتظر ربما دوره للتلاوة وقد أحني رأسه كأنه يستمع بكيانه كله وليس بأذنيه .. والي جوار دكة القراءة إلي أقصي يمين اللوحة يجلس شيخ آخر وقد أحني رأسه مستمعاً خاشعاً .. الشيوخ المُقرئون الثلاثة مرتدين للزي الأزهري " الجبة" و " العمامة " وفيهم حالة من الاستغراق الممتع المتأمل لكلمات الله عز وجل .. المشهد المادي الملموس بكامله ينتقل الي حالة روحانية .. وقد رسم الفنان المشهد في اهتمام كبير بالعنصر الزخرفي في الخلفية وجعل دوائر ومنحنيات العناصر الزخرفية تجد لها صدي في المنحنيات العديدة لأكمام ملابس المُقرئون خاصة أكمام ملابس القراء واستدارات عماماتهم .. كما اعتمد الفنان علي الإيقاع الموسيقي المتهادي بتلك الانحناءات الزجزاجية طولاً الي أسفل مقدمة الدكة الخشبية الجالس فوقها المُقرئ .. وليبدو لنا كأن المشهد بكل عناصره يتجاوب ويكمل الحالة الروحانية المُتهادية في نعومة توحي بسلام وانسجام هادئ الإيقاع يشمل المشهد بشخوصه وأوضاعهم .. لكن مع التأمل نستشعر أن المشهد والمُقرئون يتهادون بين السكون والحركة .. بين سكونية اوضاعهم الجسدية وحركية اتجاهات ملابسهم وانسياباتها وتوقع صدور لفتة منهم أو حركة بين كل سكنة بين آيات الله الكريم . مشهد اللوحة يدعو للتأمل الروحي في امتزاجه بالعنصر الزخرفي للفن الإسلامي رغم شدة الإضاءة الداخلية إلا أن روحانية المشهد تجعل الكلمات تنتشر عبر المشهد حتي نكاد نستشعر إيقاع التلاوة والسكتات بين آية وأخري .. وهذا التقابل بين الحركة والثبات والسكون المقطوع ثم المتصل بين تلاوة الآيات نراه يبدو كتفاعل جدلي يمثل جوهر الوجود أو يمثل تبادلية الظاهر والباطن