لم يكن أحد يتوقع أن الشعوب العربية سوف تفعلها قريبا، لكنها فعلتها ،ولم تصمد الانظمة القمعية التي سامت الشعوب العربية الهوان علي مدار سنوات ،الا أيام قليلة، بعضهم هرب، وبعضهم تلكأ في الهرب ظنا أنه سينجو من العقاب علي جرائمه ولجأ الي قصور مشيدة بمال فساد وملوث فضغط الشعب وبدأ محاكمته والبعض الآخر لجأ لحماية لنظامه الي اسوأ ما يمكن أن يفعله حاكم في شعبه ان يسلط قواته العسكرية ضد هذا الشعب ولكن لاننا في العالم العربي فقد تجاز فعل بعض الحكومات هذا الاسوأ حين لجأوا لقوات أجنبية. "الشعب يريد إسقاط النظام".. وفعلها اكثر من شعب عربي وتحاول باقي الشعوب أن تفعلها. ولا نعتقد ان حكومة عربية واحدة سواء التي سقطت أو التي تقاوم الديمقراطية او حتي التي تظن نفسها بمعزل عن الربيع العربي يكنون أي ود الأصحاب هذا الشعار.. لكن ما حال الإبداع وحرية التعبير في هذه البلدان في عام الربيع العربي 2011؟ هل ارتفع سقف الحريات أم اختنق الابداع إلي الأبد؟ وماذا عن الدول التي مازالت علي طريق الثوارات؟ ومن هنا أعلنت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إصدار التقرير السنوي لعام 2011 بعنوان "حرية التعبير في مصر والعالم العربي"، والذي يعد التقرير الإقليمي الأول الذي تعده الشبكة العربية عن حالة حرية التعبير في مصر والعالم العربي، والذي يأتي عقب ثورات الربيع العربي. يتناول التقرير الذي يقع في 184 صفحة من الحجم المتوسط، حالة حرية التعبير في مصر والعالم العربي، والتأثير المتبادل بين حرية التعبير وثورات الربيع العربي. كما يتناول التقرير حالة حرية الرأي والتعبير في المنطقة العربية، ومحاولة رصد التقدم الذي تحرزه حرية التعبير من عدمه، وذلك من خلال طرح الجوانب الرئيسية من التطورات التي شهدتها الساحة العربية، من خلال استعراض الجوانب الإيجابية والسلبية التي واكبت فترة ثورات الربيع العربي. العقبة ويسلط التقرير الضوء علي حالة خمس عشرة دولة تم تقسيمها إلي ثلاثة أقسام، القسم الأول "دول الثورات"، وتضم الدول التي شهدت ثورات وهي تونس ومصر وليبيا وسوريا والبحرين واليمن، والقسم الثاني "دول علي الطريق"، وتعرض التقرير في هذا القسم إلي الدول التي في طريقها للحاق بركب ثورات الربيع العربي وهي الجزائر والكويت والعراق والإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين ولبنان والسودان. بينما سلط الضوء في قسمه الثالث علي الدول التي تمثل "عقبة" أمام الديمقراطية، وتعرض التقرير في هذا القسم إلي الدولة التي تمثل عقبة أمام الديمقراطية، وبالتالي أمام حرية التعبير، وهي السعودية . وذكرت الشبكة العربية أن هذا التقرير سوف يصدر بشكل دوري، وسوف تعمل جاهدة علي أن يكون سنوياً، إلا إذا كانت هناك أسباب خارجة عن إرادتها تحول دون ذلك. ويحمل غلاف التقرير صورة دوار ميدان اللؤلؤة في العاصمة البحرينية المنامة، الذي كان مهد الثورة في البحرين، وذلك قبل أن تهدمه السلطات وتزيل معالمه نهائياً، وكأنها محاولة لتغيير الجغرافيا، لمحو التاريخ. وأهدت الشبكة العربية هذا التقرير إلي من ضحوا بحياتهم أو صرخوا بأصواتهم، أو أصيبوا أثناء هتافهم، أو سطروا بأقلامهم، أو نشروا صورة علي الفيس بوك، أو روجوا الخبر والمعلومة علي موقع تويتر، دعما للثورات التي كسرت حاجز الخوف، وانطلقت تعلن عن رغبتها في ديمقراطية تستحقها. التزوير ويوضح التقرير أن مصر شهدت أربع مراحل زمنية شكلت محطات مؤثرة علي حرية التعبير وهي المناخ القمعي التي مارستها الدولة المصرية البوليسية قبل الثورة من تكميم أفواه المعارضة والتزوير الصارخ للانتخابات البرلمانية 2010 والعمليات الإرهابية التي نالت الأقباط في بداية سنة 2011 في ظل قانون الطوارئ الذي لا يعمل به إلا ضد الأبرياء، أما المحطة الثانية هي اندلاع ثورة 25 يناير واستجابة الملايين من المواطنين المصريين للتظاهر في شوارع القاهرة، والمحطة الثالثة هي سقوط النظام وتولي المجلس العسكري إدارة شئون البلاد والمحطة الرابعة هي المحاكمات العسكرية للمدني، ومن أبرز الانتهاكات الصارخة التي طالت حرية التعبير في مصر خلال2011، خاصة شهر الثورة والذي وصلت الانتهاكات فيها إلي ذروتها، ومنها حجب مواقع التواصل الاجتماعي وقطع خدمات الاتصالات والانترنت واختراق مواقع الجزيرة نت واستهداف الصحفيين ومنعهم من أداء عملهم خاصة الأجانب خلال الثورة المصرية واغتيال واعتداء علي الصحفيين واعتقال التعسفي للصحفيين. وفي تونس انتشرت ظاهرة اعتقال الصحفيين والمدونين والنشطاء وإغلاق قنوات فضائية، وفي ليبيا كان التضييق علي الصحفيين والإعلاميين، أما سوريا والتي تمثل نموذجاً صارخاً للانتهاكات لحرية الرأي التعبير، وظهر ذلك باغتيال النشطاء والمعارضين للنظام واعتقال واحتجاز صحفيين ومدونين دون اتهامات، أما دولة البحرين فمنذ قيام النشطاء بالاحتجاجات أصدرت الحكومة حظر نشر وغرامات مالية علي من ينشر واستخدام التعذيب للنشطاء في السجون حتي الموت والتضييق علي حرية استخدام الانترنت، وفي اليمن انتشرت ظاهرة الاعتداء علي الصحفيين وإغلاق العديد من مكاتب الجرائد وخاصة الأجنبية. قمع الحريات أما عن القسم الثاني بالتقرير وهو دول علي الطريق وفيه الجزائر والتغيرات التي تحدث فيها يوما بعد يوم والكويت وما يحدث فيها من تضييق علي المدونين وإغلاق ومصادرة الصحف بشكل تعسفي، والعراق وما يحدث من اعتقال مستمر للصحفيين هناك وخاصة المراسلين، وتقريبا هذا ما يحدث في الإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين ولبنان والسودان. أما عن القسم الثالث والأخير للتقرير هو "العقبة" الدول التي تحاول قمع الحريات وتجنب الإصلاحات وهي كما ذكر التقرير دولة "السعودية" يوجد عداء شديد لحرية الإنترنت وحرمان للصحفيين من العمل داخل المملكة. ومن جهة أخري ذكر التقرير إن سوريا التي تشهد انتفاضة شعبية ضد نظام الرئيس بشار الأسد منذ 15 شهرا "نموذج صارخ في انتهاكات حرية الرأي والتعبير" في ظل قانون الطوارئ المطبق منذ 49 عاما. ويقول التقرير إن البنية التشريعية التي تنظم حرية التعبير في سوريا يسمح فيها قانون الطوارئ -الذي أعلن كحالة استثنائية عام 1963- باعتقال المواطنين والنشطاء والصحفيين والفنانين والمثقفين ومحاكمتهم أمام محاكم استثنائية. ويضيف أن قانون الطوارئ وضع سوريا في قائمة الدول البوليسية وسمح للحكومة بقمع المعارضين "وتكميم أفواه المطالبين بالإصلاح" ومنهم رسام الكاريكاتير علي فرازات الذي تعرض للاعتداء في أغسطس 2011 وقال له المعتدون "سنكسر أصابعك التي ترسم بها." الاغتيالات والتقرير الذي اعتبر فرازات أكثر حظا من غيره نظرا لشهرته العالمية يسجل حالات اغتيال لنشطاء منهم غياث مطر وفيصل الكيلاني وأستاذ التاريخ في جامعة حلب محمد العمر إضافة إلي اعتقال العشرات من الإعلاميين والمدونين والمثقفين ومنهم فايز سارة وعلي العبد الله وإحسان طالب ونزار المدني. ويضيف أن المحاكم الاستثنائية قضت بحبس صحفيين ومدونين منهم الطالبة بالمرحلة الثانوية طل دوسر المويلحي التي عوقبت بالحبس خمس سنوات "بتهم ملفقة تتعلق بالتجسس لصالح دول أجنبية علي خلفية كتابتها للشعر السياسي" علي مدونتها. ويقول التقرير إن "أجواء التأييد للثورة السورية خلقت أنواعا أخري من الانتهاكات" منها قتل إبراهيم خشوش الملقب بمطرب الثورة السورية في يوليو 2011 ونزع حنجرته بعد أغنيته "يلا ارحل يا بشار" واعتقال المخرج المسرحي أسامة غنم أثناء المشاركة في مظاهرة بدمشق. وقال مدير الشبكة جمال عيد في المقدمة إن هذا التقرير "يأتي بمناسبة الربيع العربي" بعد انهيار أنظمة قمعية وسعي أنظمة أخري للبقاء ولو باستخدام "أسوأ ما يمكن أن يفعله حاكم في شعبه. أن يسلط قواته العسكرية ضد" الشعب إضافة إلي لجوء البعض "لقوات أجنبية.. وجيوش دول مجاورة لقمع شعوبهم وإخماد الثورة". ويسجل التقرير حالات اعتداء علي الحريات في تونس التي أعطت الأمل للشعوب العربية في التخلص من أنظمة مستبدة حين دفعت الاحتجاجات رئيسها السابق زين العابدين بن علي الي الهرب إلي السعودية في يناير 2011 . ويقول إن صحفيين تعرضوا للضرب في مايو 2011 بيد "قوات الأمن بلباس مدني" أثناء تغطية مظاهرة معارضة لسياسات الحكومة الانتقالية وفي الشهر التالي هاجم "متطرفون" قاعة سينما وحطموا أثاثا ومعدات بزعم عرض أفلام مسيئة للإسلام وفي يوليو تموز اعتدت "قوات" علي نشطين حقوقيين من منظمة (حرية وإنصاف) كما "قمعت قوات الأمن" في أغسطس مظاهرة سلمية تطالب بتطهير القضاء وملاحقة رموز الفساد. ويسجل التقرير أن مصر - التي تمكن مواطنوها من خلع رئيسها السابق حسني مبارك في فبراير 2011 بعد احتجاجات دامت 18 يوما- شهدت في ظل حكم المجلس الأعلي للقوات المسلحة "شهداء جدد للثورة" إضافة إلي تقديم متظاهرين سلميين لمحاكمات عسكرية كانت سببا في عودة المتظاهرين للميادين مطالبين بإنهاء الحكم العسكري. ويقول إن المجلس العسكري شن "حملة شرسة لتشويه قوي الثورة ومنظمات المجتمع المدني التي لعبت دورا مهما في فضح انتهاكات نظام مبارك..." ويرصد التقرير كثيرا من الوقائع لتعرض نشطاء لمحاكمات عسكرية إضافة إلي حوادث منها قتل نحو 25 شخصا "في مجزرة غير مسبوقة" في أكتوبر أمام مبني الإذاعة والتلفزيون الشهير بمبني ماسبيرو أثناء محاولة لفض مظاهرة لأقباط محتجين علي هدم كنيسة في جنوب البلاد. كما يسجل التقرير أحداثا أخري منها اشتباكات بين الشرطة ومحتجين اسفر احدها عن حرق المجمع العلمي المصري.