أعلن المجلس الأعلي للثقافة عن فوز "د.محمد الجوهري" أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة بجائزة النيل لهذا العام، في العلوم الاجتماعية، ويعتبر فوزه بهذه الجائزة تتويجاً لجهوده الدؤوبة في مجال علم الاجتماع، علي محورين هما ميدان الدراسات الشعبية والفلكلور، وميدان الدراسات التطبيقية الاجتماعية. وتعتبر أبحاثه، ومؤلفاته، وترجماته جهداً رائداً في هذا المجال، وهو الذي حول كتابات الأدب الساخر في القرن الرابع عشر لمصدر علمي يتم تناولها بمناهج بحثية متخصصة، ويصبح كتاب مثل "هز القحوف في شرح قصيدة ابي شادوف" مصدراً من مصادر التراث الشعبي، وبحوث علم الاجتماع، فيوم ترجم "رفاعة الطهطاوي"(1801 1873م) في العام 1830م كتاب" قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر" تأليف الباحث الفرنسي "دبنج" والذي تناول فيه عادات الشعوب من الملبس واللعب والخرافات، انزعج الجميع منه وهو المهتم بعلوم الفقه والدين أن يترجم مثل هذا الكتاب، وهو نفس الانزعاج الذي صادف العلامة "أحمد أمين"18861954م» حين كتب مقالاته التي نشرت تباعاً في مجلة الاذاعة في العام 1938م، عن "الإبرة، والحلق اللي بلا ودان، والمندل...إلخ"، مما اضطره للتوقف عنها بسبب عدم لياقتها بعميد لكلية الآداب جامعة فؤاد الاول في العام 1939م، إلا انه عاد اليها بعد ان فرغ من العمادة في العام 1948م، وخرج علينا بقاموسه "العادات والتقاليد والتعابير المصرية"، وهذا يعني أن هناك تطورا إيجابياً قد اصاب الفكر المصري والعربي عموماً فيما يتعلق بموقفه من الادب الشعبي والفلكلور، ومفاهيم التراث، ويعود الفضل لهذا التطور لجيل من الرواد الأوائل، أمثال "رفاعة الطهطاوي" و"أحمد أمين" و د."محمد الجوهري". أول دكتوراة في الفلكلور؟ يعد د."محمد محمود الجوهري" أول عربي مصري يحصل علي درجة الدكتوراة في علم الفلكلور من أكبر معاهد الفلكلور في العالم جامعة بون بألمانيا في العام 1966م، نالها بعد ان حصل علي درجة الماجستير من نفس الجامعة في العام 1964م، وكان قد تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة، في العام 1960م، ثم تدرج في الوظائف الاكاديمية فاصبح وكيلا لكلية الآداب جامعة القاهرة من العام 1979 الي العام 1982م، ثم عميداً لها حتي العام 1985م، ثم نائباً لرئيس جامعة القاهرة حتي العام 1993م، فرئيس جامعة حلوان الي العام 1995م . د. الجوهري وموسوعة التراث الشعبي ويعد د."محمد الجوهري" صاحب الفضل الاول لإصدار"موسوعة التراث الشعبي العربي" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الدراسات الشعبية، تلك التحفة الرائعة، والتي تواكب تاريخ صدورها مع اعلان فوزه بجائزة النيل للعلوم الاجتماعية، حيث رأس هيئة تحريرها المكونة من عشرين عالماً متخصصاً في مجال العلوم الاجتماعية والدراسات الشعبية، منتمين الي أربع جامعات مصرية، واعتمدت هيئة التحرير في مصادر الموسوعة علي التنوع بين مناهل المنشورة عن هذا الميدان في مصر والعراق ولبنان، ومعظم الدول العربية، أو عن سواها من بلدان العالم، كما استقت الموسوعة مشاربها من مواد الموسوعات العالمية المعتمدة في مجالها، مثل "قاموس مصطلحات الإثنولوجيا والفلكلور" تأليف"هولتكرانس"، و"قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية"، تأليف"أحمد أمين"، و"معجم الفلكلور"، وضع"عبد الحميد يونس"، وغيره من القواميس والموسوعات الخاصة بالتعابير الشعبية. د. الجوهري وانتاجه الفكري يمتاز د. "الجوهري" بغزارة الانتاج الفكري المتنوع بين تأليف، وترجمة، فله أكثر من مئة وخمسين كتاباً متخصصاً في مجال علم الاجتماع، منها علي سبيل المثال، "الدراسات العلمية للعادات والتقاليد الشعبية"، و"ميادين علم الاجتماع"،و"الأنثروبولوجيا أسس نظرية وتطبيقات عملية"، و"علم الفلكلور، وله العديد من الكتب المترجمة منها، "قاموس مصطلحات الإثنولوجيا والفلكلور"، تأليف "إيكه هولتكرانس"، بالاشتراك مع دكتور "حسن الشامي"، و"نظريات الفلكلور المعاصرة"، تأليف "ريتشارد دورسون"، د. الجوهري وعلم الاجتماع التطبيقي لم تتوقف اسهامات د. محمد الجوهري" عند حدود البحث النظري، والعملي فقط، وانما تجاوزت ذلك لتصل الي مجالات تطبيقية للدراسات الاجتماعية، ونتائج ابحاثها في المجتمع، فأسهم د."الجوهري" في تأسيس عدد من المعاهد العليا والكليات الجامعية للخدمة الاجتماعية كما شارك في إدارة بعضها، وكان صاحب الفضل في تطوير مفهوم تعليم الخدمة الاجتماعية في مصر ونظم لهذا الغرض عددا من الندوات العلمية والمؤتمرات الدولية داخل مصر وخارجها، فمثل مصر علي امتداد 14 عاما في المؤتمر العام لليونسكو وقدم بعض المساهمات التي ساعدت علي الاهتمام بالثقافة وإحياء وجمع التراث الشعبي، وساهم بالعديد من البحوث التي ترمي إلي تطوير الدراسات العليا في مصر، كما قام بإرساء قواعد المزج بين البعد الطبي والاجتماعي، عند تأسيس كلية الطب جامعة قناة السويس، وأسهم بتحديد المواد التي يمكن أن تدرس لطلبة كلية الطب من مجموع العلوم الاجتماعية المتاحة وتحديد محتويات تلك المواد، كما أشرف علي العديد من رسائل الدكتوراة في مجال العلوم الاجتماعية والتراث الشعبي في مصر والعالم العربي. د.الجوهري ومشروع دراسة المتغيرات الاجتماعية يؤمن د."الجوهري" بأن هناك علاقة دينامية تفاعلية بين التراث، والتغيرات الاجتماعية، فالموروث الثقافي من وجهة نظره يجب ألا يمثل عائقاً امام اي مشروع تنموي، بل من الممكن تطوير بعض عناصر التراث لإحداث تغيير اجتماعي نهضوي، فقام د."الجوهري" بتكوين "مركز البحوث والدراسات الإجتماعية"، بمشاركة د."حسن حنفي"، في العام 1999م، من أجل رصد المتغيرات الاجتماعية، وضم هذا المركز أكثر من مئة باحث في علم الاجتماع، والانثروبولوجيا، و الفلكلور، وانتج المركز حتي اليوم ستة عشر بحثاً منها" التيار الاسلامي في الصحافة" و" الطب الشعبي" و" ديناميات عادات الطعام" و"النمط الشائع للتدين الشعبي"، ويعد د. الجوهري" صاحب مدرسة رائدة في تغيير نظرة الدراسات الانثروبولوجية للفلاح والتي كانت سائدة منذ الخمسينات، فأفسح المجال للاهتمام بدراسة المجتمعات القروية، واصبح الفلكلور علماً يختص بدراسة قطاع الثقافات الشعبية، وإلقاء الضوء عليها من زوايا تاريخية وجغرافية واجتماعية ونفسية. د. الجوهري والصدام الثقافي يري د."الجوهري" ان الصدمة الثقافية هي استجابة نفسية لفرد أو جماعة نتيجة التعرض لبيئة ثقافية جديدة، غير مألوفة،سواء نتيجة للهجرة، أو الاستعمار، أو حدوث ثورة في المجتمع تحاول فرض ثقافة جديدة علي المجتمع، فيؤدي ذلك الي الصدام الثقافي، والذي يعتبر من نتائجه، فقد الهوية والاكتئاب واللامبالاة والاستجابات غير المنطقية، مما يؤدي الي عدم انسجام المجتمع، وحدوث تفرقة اجتماعية، تجعل من الصعب حدوث الاستجابات للمشاريع النهضوية، والتنموية المنشودة، كما يبرز د."الجوهري" هنا أهمية الرواسب الثقافية، والتي يعرفها في كونها العناصر الثقافية التي ترسبت نتيجة مواقف ثقافية قديمة، ولكنها فقدت وظيفتها في المجتمع لتغيير الزمن، إلا أن العنصر الثقافي حافظ علي بقائه، الي الحد الذي جعله لا وظيفة له، إلا إعاقة مشاريع التنمية. عائلة اجتماعية! نجح د. "الجوهري" في تطبيق العلوم الاجتماعية التي تخصص فيها علي أسرته الصغيرة، فهو متزوج ب د."علياء علي شكري" أستاذة علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس، وله ثلاث بنات، هن د."هناء" أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، و.د" أميرة " أستاذة بكلية الطب جامعة القاهرة، ود. "نورا" استاذة الهندسة بجامعة إلينوي بالولايات المتحدةالأمريكية، فقد ورثت بناته عن الأب والام جينات البحث العلمي، فكن تطبيقات متنوعة لهذه الجينات في مختلف المجالات، فاستحق د."محمد الجوهري" كل التقدير الذي ناله علي مدار حياته العلمية، وعلي المستوي الإنساني، سواء يوم نال درجة الدكتوراة، او يوم حصل علي وسام العلوم والفنون من الطبقة في العام1982م، ويوم نال جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية في العام1994م، ويوم جائزة التميز، التي منحتها جامعة القاهرة لأول مرة في العلوم الاجتماعية، في العام 2005م، ثم جائزة النيل ليكون اول الحاصلين عليها باسمها الجديد بعد ثورة يناير.