هذا الكاتب المثابر «فكري النقاش» لا يكتب من قوافل الاعلام، وإنما يهب الواقع أصالة الماضي وهو يطرح مأساة - الغربة- التي تسافر فينا، ولقد فتح لنفسه وللثقافة العربية مجددا مناجم من ذهب المعز وشرع سيف الحق في سماء هذا الوجود الملتهب بالاختلافات والخلافات، فهو يقول لنا بأن سيوف السلاطين إنما صنعت لأقدار العدل في زمن السلاطين ويرصد لنا «فكري النقاش» مواقف محفوفة بالمخاطر، وبرغم اعترافه بأنه لم يتدخل إلا في القليل، ولكن الحق إنه أبدع صورا تاريخية وسياسية لرؤية درامية صاغها باقتدار وبوعي المؤرخ التي تجري الدراما في أوردته مجري الدم. المشاعر والثقافة الإسلامية فالمسرح عند فكري النقاش، منذ اطلالاته الأولي تاريخي، إسلامي، نضالي، ذلك لأن الفكر عنده مسكون بالمشاعر متشبع بالثقافة الإسلامية وواعية بما للدراما من خطورة في طرح مثل هذه القضايا الكبري في حياتنا المعاصرة ، وحين يطرح علينا هذه الاشخاص المستقدمة من زمن الفتنة ويقدمهم في هذا السمت المسرحي، ومن خلال مشاهد مسرحية وحوار يتسم بالدقة اللغوية فوق كونه ذات عمق درامي ليرسي دعائم نوع من المسرح الذي يحتفي بالتأريخ ويحافظ علي منطق الحياة والأشياء، ويعلي من شأن الدين وسعيا لإحياء روح العدل المقتول، ويبحر فكري النقاش من خلال هذه الدراما التي تخضع نقديا للدراما التسجيلية التاريخية في رغبة منه بأن تكون البصمة البارزة في المسرح المقروء مقرورة بوعي، ويهدف الكاتب أيضا من خلال هذا الطرح إلي إثراء الوجدان الجمعي، في دراما غير تقليدية بغية أن يلتقي القارئ ذهنيا، مع مسرح تلك الأفكار، ويناقش مثل هذه القضايا. وكما أوضحت أنفا فإن مشاهدات ومشاهد وحوارات، بعضها مع التاريخ الإسلامي وأكثرها مع العقل الراغب في الإبحار في لجج هذا البحر المليء بالأسرار وبالكنوز، فلقد طاف بنا الكاتب والناقد فكري النقاش، الذي يذهب بناء إلي عالم من الحوارات متعمقا في زمن الفتنة أولا، ثم شارحا ذلك المناخ السياسي والديني الذي كان سائدا في هذه الحقبة التاريخية شديدة التوهج. والكتاب صيغ لمنهج جديد لمسرحنا المعاصر الذي يعتنق تلك الروح الثلاثية وهو مسرح قد يكون جديدا علي الساحة المسرحية بقوة، إلا أن نص «مقتل عثمان» يهب الواقع أصالة الأصيلة العربية، وعن القديم الجديد الحاضر الغائب والعائد لليقين الحديث عن السابق للاحق مجسد، بجلاء خطورة الفتنة التي ايقظتها جماعة من الكارهين للوطن وللدين، وبالتالي لأنفسهم وأنهم كلهم يقومون بتصفية حسابات مع الوطن، الذي يحتاج إخلاصا وتضافرا وأمنا وأمانا وسلاما، لا إلي الاختلافات والخلافات والأحقاد، وهذا ما حملته سطور الحوارات الدرامية في هذا الكتاب، ولقد طرح فكري النقاش أيضا السؤال الكبير، في حياتنا الذي هو أساس قضيتنا الآنية «هل يصلح التيار الإسلامي؟» ومن خلال رؤي تحض علي فصل الدين عن الدولة، أي أنهم يعتنقون رؤية الغرب للدول الإسلامية، بل هي دعوتهم وقضيتهم وشغلهم الشاغل، وأن مقتل عثمان إن هو إلا قمة للصراعات التي تفري كبد أولئك الكارهين للسلام ولأمن البلاد والعباد. الدين والدولة صنوان ويشرح الكاتب من خلال الحوارات الدرامية بأن الدين والدولة صنوان، وهما ضرورة للحكم الصائب والصحيح، والمستقيم أيضا، فهل يستطيعون وهم نحن في هذا الخلاف وعلي هذا التناحر والتباغض والتشرذم أن تقام حياة آمنة وأناس ينتجون ويعيشون في كنف حكم عادل، يهب الكل الحق في الحياة، أو التمتع بحياة تستند إلي القانون، دولة يمكن لها أن تدخل في هيكلة بناء ثقة حقيقي بينها وبين مواطنيها علي كل أطيافهم وألا يقتل فينا عثمان آخر. إن البحث المعمق في قراءة هذه الحوارات يصل بنا إلي سندس من الدهشة وهي أي تلك الحوارات تحمل كل هذا القدر من التأمل الواعي في الربط بين مجريات حياتنا الحاضرة، وبين هذا الماضي البعيد/ القريب في الوقت ذاته، حيث تربطنا به وشائج قوية وإنسانية وسياسية، كل هذا في ضفيرة درامية حدودها التاريخ وعمقها الإنسان العربي، وبهذا تصبح القضية التي اختارها فكري النقاش لا تزال قائمة فينا، ومازالت حية ومازالت متجددة! وأن قراءة هذا العمل بروح متفتحة إنما هي تؤسس لمن يريد أن يبعد الهوي إلي فهم عميق لرسالة هذا النص المسرحي التاريخ الموسوعي، فالكاتب يذهب إلي قراءة للأصول، سعيا وراء ملاءمتها مع المستجدات أو المستحدثات التي تظهر لنا بجلاء كيفية العيش ومأساويته رغم اختلاف الأزمنة. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة إن مسرحية «مقتل عثمان» تؤكد لنا امتلاكنا لمادة خام للفكر الإسلامي ويبين بجلاء سلطة «المخالفة» بغير وجه حق، ويبين لنا الكاتب مأساوية اختلاف العلل عن معلولاتها، وأن حادثة مقتل عثمان. وأن الاختلاف مع الرؤية الإصلاحية العثمانية، في مقابل إسلاميين يضيقون ذرعا بإصلاح عثماني شامل وجذري كان من الممكن أن ينقذهم من أعتي وأسوأ مراحل التفكك والضعف والهوان .. ومن هنا ذهب الكاتب بنا وبالأحداث وبالأشخاص إلي صفحات التاريخ يصوغ هذا السفر المسرحي الذي سوف يخلد في تاريخ أمتنا.