"خوان رامون خمينث" الشاعر الإسباني الذي استلهم التراث العربي * قدم العقاد هذا الشاعر للعربية للمرة الأولي عام 1958 في كتابه "شاعر أندلسي وجائزة عالمية" ونشر له العقاد مختارات من شعره * درس خمينث الدين في مؤسسة اليسوعية وتعرف فيما بعد علي أسماء راسخة من الشعراء وكتب ونشر قصائده الأولي متأثرا بملامح الحركة التحديثية "من سيتجول في حديقتي" عنوان ديوان قصائد منتخبة يشكل ثمانين قصيدة قصيرة اختارها الشاعر العراقي والمترجم "عبد الهادي سعدون"المقيم في أسبانيا منذ عام 1993، للشاعر الإسباني " خوان رامون خمينث" الذي ولد في أقصي جنوبإسبانيا قرب الحدود البرتغالية عام 1881 وحاز علي جائزة نوبل عام 1956 ورحل بعدها بعامين.. أصدرت هذه المختارات دار سنابل بالتعاون مع الاسبانية المصرية للكتاب التي يشرف عليها الشاعر والمترجم "طلعت شاهين" وبدعم من وزارة الثقافة الاسبانية. قدم العقاد هذا الشاعر للعربية للمرة الأولي عام 1958 في كتابه "شاعر أندلسي وجائزة عالمية" ونشر له العقاد مختارات من شعره، وكانت محاولات العقاد، كما يقول "عبد الهادي سعدون"، منصبة حول جائزة نوبل والكتابة عن شاعر أندلسي كأنه أي العقاد يريد إرجاعه إلي زمرة الشعر العربي ولو لم يكتب بالعربية، ويري المترجم أن هذه المحاولات التي قام بها العقاد كانت ناقصة حيث إن الترجمة تمت عبر اللغة الانجليزية ولم يترجم مباشرة من لغة الشاعر الأصلية. يطالع القارئ في هذه المختارات عينة متباينة من نتاج "خمينث" التي تزيد علي أربعين /40 ديوانا شعريا، المختارات تضم قصائد من مراحل مختلفة، فلم يغفل ديوان دون الأخذ منه ويري المترجم أن الثمانين قصيدة التي اختارها ليست كافية للإلمام بعالم خمينث ولكنها تشكل حجر أساس لقراءته وفهم عوالمه الشعرية، ويعتبرها مجرد خطوة لتشجيع آخرين لتبني ترجمة هذا الشاعر كاملا إلي العربية. درس خمينث الدين في مؤسسة اليسوعية وتعرف فيما بعد علي أسماء راسخة من الشعراء وكتب ونشر قصائده الأولي متأثرا بملامح الحركة التحديثية، ويصاب بمرض نفسي يلازمه طيلة عمره ويسافر إلي فرنسا وبلاد أخري طلبا للعلاج والنقاهة، في فرنسا يقرأ بنهم لشعراء الحركة الرمزية مثل بودلير، مما يترك أثرا واضحا علي شعره. ظل المرض والكتابة الشعرية والنثرية لصيقين بالشاعر طيلة حياته، أغلب الدراسات التي تناولت شعره رصدت تأثير المرض المزمن علي شعره ونتاجه الأدبي. مسيرة خوان خمينث الشعرية خطت خطواتها الأولي تحت لواء الحداثة الإسبانية ولجأ الشاعر إلي الأوزان والأنماط والنظم التي كانت سائدة في تلك الفترة وتميزت تجربته الشعرية في نادرة واسعة وحرة ومتحمسة نحو قيم الجمال قصائد "خمينث" الأولي تعكس الهدف المبني علي الشكل علي حساب المضمون، وتزخر قصائده بالسوداوية والحبكة اللغوية التي لا تخلو من التكلف من الصيغ التعبيرية والأناقة الهشة، كما يقول المترجم في مقدمة الديوان .إلا أنه طرأ علي تغيير جذري علي شعر خمينث، بعد أن هجر التكلف والاصطناع إلي البساطة والأصالة. مع نشوب الحرب الأهلية الاسبانية عام 1963، فضل الشاعر مصاحبة زوجته إلي أمريكا واستقر في كوبا لأكثر من ثلاث سنوات، وعمل كأستاذ زائر في عدة جامعات في أمريكا والأرجنتين حتي عاد إلي لبريرتكوريكو ليستقر فيما بعد أن تردي وضعه الصحي وينضم إلي التدريس في الجامعة الوطنية التي احتفت به وأطلقت اسمه علي إحدي قاعات الدرس، في مطلع عام 1958 اشتد المرض ورحل في مارس من نفس العام. كان خمينث علي ما يبدو ضد الحركة العسكرية لفرانكو وضد تعسفه وديكتاتوريته لهذا السبب لم يرجع الشاعر إلي وطنه قط. يري بعض النقاد ودارسي شعره أن مراحله الشعرية الأولي في نتاج الشاعر، وهي مرحلة أكثر التصاقا وحميمية لذاته ورؤيته للحياة، هذا المنحي الشعري أتاح له الإبحار في خضم الشعر الحر لتحقيق منهجه التعبيري، ويدفع به إلي النثر الشعري المليء بعلامات التعجب والإشارات التي تعبر عن النفي والتشرد وطوّر الشاعر ضربا شخصيا في التصوف. رغم أن خمينث لا يتدخل في السياسة بشكل مباشر إلا أنه ترك مذكراته التي صدرت عام 1941 باسم "اسباني من ثلاثة عوالم" إلي جانب مسودة كتاب صدر بعد رحيله بعنوان "حرب في إسبانيا "يتحدث فيه عن معتقداته السياسية المؤيدة للنظام الجمهوري. رصد عدد من النقاد علاقة خمينث بالشعر العربي وشعر المتصوفة علي وجه التحديد، اطلع كما يؤكد "عبد الهادي سعدون"علي نماذج لشعراء الأندلس التي نقلت إلي الاسبانية ومن المرجح أن الشاعر قرأ شعر المشرق كله في لغاته المختلفة ليست العربية فقط بل تعداها إلي الاهتمام بدراسة نتاج شاعر الهند طاغور وترجم له أول مختارات شعرية إلي الاسبانية. اعتبر النقاد أن خمينث أهم الأصوات الشعرية في جيله ويتلخص تصوره عن الشعر الذي يراه أنه الجمال الخالص، وهو طريق للمعرفة لكي يكون تعبيرا مقنعا عن فكرة الخلود والجمال والحقيقة وهي أدواته للقبض علي ماهية الحياة وتأتي فكرة للشاعر الدائمة في منجزه الشعري عن الرب حيث يلصق الروح بالبدن ومع الطبيعة المجردة ومع الوعي الخلاق والجمال المطلق. رصد النقاد تجربة الشاعر الإبداعية التي امتدت خلال نصف قرن إلي أربعة ملامح رئيسية :الملمح الأول تميز بصيغ بسيطة ومماثلة ذات روح شفافة، والملمح الثاني هو مرحلة التحديثية وهي مرحلة تميز فيها استخدام اللون ومزجه مع عناصر أخري ذات جرس صوتي وحضور براق مع تمايز لحني وصورة حسية واضحة والملمح الثالث هو:فترة القطيعة مع المرحلة السابقة وتميز بإصراره الخارق في أغلب نتاجه نحو نقاء البنائي في الشكل والبناء الصوتي. والملمح الرابع هو ما أطلق عليه الشعرية العارية والمتقشفة وهي مرحلة الخروج من موطن إلي مناف متعددة ويطرح تصوره الجديد لماهية الحياة وعلاقة الخالق بالمخلوق من خلال كتابة نصوص صوفية غامضة ومبهمة وتوصف بعض حالاته تلك بالسوداوية المنغلقة علي نفسها.