لاتزال الأزمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الكويت مستمرة، وتم التعبير عنها مؤخراً بقرار حل البرلمان الكويتي عندما قضت المحكمة الدستورية يوم الأربعاء الماضي ببطلان مجلس النواب الحالي وبعودة المجلس السابق المنتخب عام 2009 والذي حله أمير الكويت في ديسمبر الماضي. وتم حل البرلمان استناداً إلي شبهة دستورية شابت قرار حل المجلس السابق في ديسمبر الماضي والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة في الثاني من فبراير من العام الحالي حصلت فيها المعارضة الإسلامية علي غالبية المقاعد. وعلي الرغم من ذلك، لم تتمكن المعارضة من الحصول علي تمثيل في الحكومة التي شكلها الشيخ جابر المبارك الصباح عقب الانتخابات، والذي رفض طلي المعارضة بالحصول علي تسعة حقائب من إجمالي 15 حقيبة حكومية. تعليق البرلمان ثم حله يذكر أن قرارات المحكمة الدستورية تعتبر نهائية ولا مجال لاستئنافها. التوتر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية قد وصل إلي حد أن أصدر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح مرسوماً أميرياً بتعليق عمل مجلس النواب لمدة شهر، وبرر المرسوم القرار بما "آلت إليه الأمور وأدت إلي تعثر مسيرة الإنجاز وتهديد المصالح العليا للبلاد، مما يستوجب العودة إلي الأمة لاختيار ممثليها لتجاوز العقبات القائمة وتحقيق المصلحة الوطنية". واستند قرار تعليق عمل مجلس النواب لنص المادة 106 من الدستور. وتنص المادة 106 من الدستور علي أنه "يجوز للأمير أن يؤجل بمرسوم اجتماع مجلس الأمة لمدة لا تتجاوز شهراً ولا يتكرر التأجيل في دور الانعقاد إلا بموافقة المجلس ولمدة واحدة ولا تحسب مدة التأجيل ضمن فترة الانعقاد". ودعا رئيس الوزراء، الشيخ جابر المبارك الصباح، المعارضة للمشاركة في الحكومة من أجل تجنيب البلاد الدخول في أزمة سياسية حادة. وجاء هذا القرار بسبب سلسلة من الصدامات بين البرلمان والحكومة مما دفع وزيرين إلي الاستقالة علي خلفية استجوابهما، وهما وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الرجيب وقبله وزير المالية مصطفي الشمالي. كما جاء القرار قبل إجراء الاستجواب المزمع لوزير الداخلية الشيخ أحمد الحمود الجابر الصباح. وزاد التوتر بين السلطتين الحملة التي شنها نواب المعارضة الذين يمثلون أغلبية نيابية ويسيطرون علي ثلثي مقاعد البرلمان الخمسين من أجل عزل رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد الصباح وحل برلمان 2009، واتهمت المعارضة رئيس الوزراء السابق بالتورط في عمليات فساد من بينها نقل ملايين الدولارات من الأموال العامة إلي حساباته المصرفية في الخارج. وأدي تزايد الخلافات إلي حل البرلمان وقتها والدعوة لانتخابات جديدة أسفرت عن فوز ساحق للمعارضة الإسلامية وللتكتلات القبلية. وحصلت المعارضة علي 34 مقعداً من إجمالي عدد المقاعد الخمسين لتسيطر بذلك علي قرارات المجلس وقوة تصويت الوزراء غير المنتخبين البالغ عددهم 15 وزيراً، والذين يتمتعون بموجب الدستور بحق التصويت في مجلس الأمة. تنامي المعارضة الإسلامية كان لتنامي دور المعارضة الإسلامية داخل البرلمان دور كبير في زيادة التوتر بين الحكومة والبرلمان. وحصل ممثلو الحركة الدستورية الإسلامية "حدس" والسلفيون والإسلاميون المستقلون علي 23 مقعداً في برلمان 2012 مقابل 9 مقاعد فقط في برلمان 2009 مما أدي إلي انخفاض عدد النواب الموالين للحكومة. وتصاعدت حدة الأزمة عندما اقتحم آلاف المتظاهرين مبني البرلمان في السادس عشر من نوفمبر الماضي احتجاجاً علي منع قوات الأمن لهم من الوصول لمنزل رئيس الوزراء للمطالبة بعزله من منصبه، والدعوة لتنظيم انتخابات برلمانية جديدة. وقوبل قرار حل البرلمان بردود فعل متباينة. وقام نواب المعارضة بالاستقالة من البرلمان العائد للعمل بمقتضي حكم المحكمة الدستورية وذلك احتجاجاً علي عودة برلمان 2009 الذين وصفوه بأنه غير دستوري. ووصف النائب الإسلامي مسلم البراك قرار المحكمة بأنه "انقلاب علي الدستور" ودعا المعارضة إلي اتخاذ موقف جماعي. ومن المتوقع أن ترفع الحكومة كتاباً بعدم تعاون البرلمان العائد وتطلب حله. وهددت المعارضة بالتصعيد والنزول للشارع. وطالب النواب المستقيلون بنظام برلماني كامل، وقالوا في بيان إن "التعديلات الدستورية وصولاً إلي نظام برلماني كامل أصبحت ضرورة لا محيد عنها كي نمنع تلاعب السلطة بإرادة الأمة". وحذر أحمد السعدون رئيس برلمان 2012 من عودة البرلمان السابق لعمله وقال إن "قضية التعديلات الدستورية اليوم أصبحت مستحقة والقضية لا تتعلق بمجلس أمة يتم حله لان هذا المجلس قد يذهب ويأتي مجلس أفضل منه ولكن القضية تتعلق باستقرار نظامنا الديمقراطي". من ناحية أخري، تقدم وزير الدولة لشئون مجلس الأمة الكويتي شعيب المويزري باستقالته من الحكومة، بعد يوم من حكم قضائي أصدرته المحكمة الدستورية ببطلان الانتخابات البرلمانية التي جرت في وقت سابق من العام الجاري، وإعادة برلمان 2009 الذي كانت أغلبيته مؤيدة للحكومة. وقال النائب وليد الطبطبائي، إن حل البرلمان غير مبرر علي الإطلاق ويهدف إلي تعطيل الحياة السياسية، وأشار إلي أن جميع الخيارات مفتوحة أمام المعارضة بما فيها العودة لقواعدها الشعبية والنزول لساحة "الإرادة". وقال إن أمام الحكومة خيارين، إما إجراء انتخابات تكميلية، أو حل المجلس والدعوة لانتخابات جديدة. دعوات لاحترام القضاء من جانبه، قال النائب صالح عاشور إن حكم المحكمة الدستورية فاجأ الجميع لكن عليهم ضبط النفس والحفاظ علي أمن واستقرار البلد والوحدة الوطنية. ودعا عاشور أعضاء برلمان 2009 للاستقالة تمهيداً لإجراء انتخابات جديدة واعتماد نظام انتخابي جديد. وأضاف "المجلس السابق تم حله بمرسوم غير دستوري، والانتخابات جاءت بمجلس جديد، وعلينا احترام الأحكام القضائية، وفي حالة استمرار المجلس السابق تجري انتخابات في المقاعد الشاغرة بعد تقديم أي نائب استقالته وقبولها رسمياً". أما رئيس اللجنة الدستورية في مجلس الأمة محمد الدلال فقال إن النواب سيلتزمون بالقرار، وأضاف "نحن نحترم أحكام القضاء". وأكد الوزير والنائب السابق في الكويت علي البغلي أن حل البرلمان الكويتي سببه فني وقانوني بحت وعلي الجميع احترام أحكام القضاء لأن الكويت دولة مؤسسات. وأضاف "هناك ثلاثة مواطنين التجأوا الي المحكمة الدستورية وهي الجهة التي أناط بها الدستور الحكم في صحة القوانين ودستوريتها من عدمها وصحة المراسيم من عدمها وصحة عضويات أعضاء مجلس الأمة من عدمها، وكان هناك تقريباً 36 طعنا من بينها هذه الطعون الثلاثة، والمحكمة نحت الطعون الفردية جانبا ونظرت الي طعنين ركزا علي عدم دستورية مرسوم الحل". وبعودة برلمان 2009، تدخل الكويت مرحلة جديدة من تعطيل الحياة السياسية ومن الشد والجذب بين الحكومة والبرلمان. لجوء أمير الكويت إلي تعطيل عمل البرلمان لمدة شهر ثم قيام المحكمة الدستورية بحله سيكون من شأنهما تأزيم الموقف بسبب رد الفعل التصعيدي من قبل المعارضة. الوجه الآخر للأزمة تمثل في أداء برلمان 2012 الذي سيطرت عليه أغلبية إسلامية. هذه المعارضة الإسلامية تبنت سياسات الاتهام والاستجواب وإقصاء المرأة مما تسبب في شل سبل التعاوم بين الحكومة والبرلمان. يذكر أن برلمان 2012 كان غير ممثلاً للمرأة الكويتية، وبعودة برلمان 2009 تعود النائبات الأربع أسيل العوضي، وسلوي الجسار، والدكتورة معصومة المبارك، ورولا دشتي. أزمات متكررة أن المسار الديمقراطي في الكويت تعرض لأزمات متكررة منذ بدايته منها مثلاً تزوير انتخابات 1967 وحل مجلس الأمة وتعليق الدستور في الفترة من عام 76 إلي 80، ثم في الفترة من 86 إلي 92، واعتماد قرارات حل البرلمان بشكل دستوري في الأعوام 1999 و2006 و2008 و2011 ثم 2012 . تتمثل عوامل الأزمات السياسية المتكررة في عدة أمور أهمها بنود وثيقة الدستور التي تقلص هامش الديمقراطية إعطاء صلاحيات متناهية للأمير وبعدم وضع قانون خاص وواضح بتأسيس الأحزاب السياسية. هناك أيضاً عامل تكوين مجلس النواب الذي يمثل 16 نائباً فيه أفراد الحكومة المعينين وليس المنتخبين هذا بالإضافة إلي التكوين القبلي لمعظم أعضائه المنتخبين إلي جانب هامش من المعارضة غير الحزبية. هذا التكوين بطبيعته يحتوي علي عنصر أزمة متكرر يجعل من الديمقراطية البرلمانية ديمقراطية شكلية من ناحية، ويجعل نواب المعارضة يسيئون فهم حدود مهام المجلس التشريعي الديمقراطية من ناحية أخري. فما كان سيمارس من معالاضة حزبية بات لا يجد له منفذا إلا من خلال استشكاليات الاستجوابات المتكررة التي يطالب بها النواب المعارضون. الوجه الآخر للأزمة الديمقراطية في الكويت يتمثل في تراجع دور التيار الليبرالي التقدمي منذ السبعينيات مقابل الدور المتزايد للتيار الإسلامي الذي بدوره شهد تراجع لدور جماعة الإخوان المسلمين المؤسسة للتيار الإسلامي مقابل السلفيين. تزايد دور التيار السلفي داخل المجلس النيابي الكويتي نقل الدور التشريعي للمجلس إلي حالة من التخبط والاصطدام الدائم مع حدوده التشريعية وتجاوزها إلي التدخل في صلاحيات السلطة التنفيذية. كما شهد تزايد التيار السلفي تراجعاً للحريات المدنية ومنع الاحتفالات والمطالبة بمنع دخول المرأة البرلمان.