تحت عنوان «السامر الشعبي في مصر» أصدر المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية دراسة تاريخية فيما يقرب من 350 صفحة أعدها السيد محمد علي في كتاب تناول من خلاله ظاهرة السامر الشعبي في مرحلتين الأولي من عصر الدولة المصرية القديمة وحتي الفتح الإسلامي مرورا بالعصر الفرعوني والدولة المصرية الرومانية، أيضا الطقوس والأعياد الدينية القبطية. أما المرحلة الثانية فقد تناولت السامر في عصر مصر الإسلامية وحتي العصر الحديث بما واكبها من ظاهرة الموالد وفنون الحاوي وخيال الظل بالإضافة إلي بحث ميداني اشتمل علي ثماني محافظات. أيضا تضمنت الدراسة عروضا مسرحية مستلهمة من السامر الشعبي منها علي سبيل المثال «الفرافير ليوسف إدريس، تجربة محمود دياب» كذلك عروض معد الدراسة السيد محمد علي مثال «المحبظاتية، فرقع لوز، الخلابيص». السامر ظاهرة مسرحية يقدم المؤلف في البداية تعريفا بفكرة السامر الشعبي في مصر كظاهرة مسرحية «السامر» هو الشكل المسرحي الذي تبلور لدي الغالبية العظمي من جماهير شعبنا في الريف المصري والمدن «البيئات الشعبية» وهذا اللون من العروض المسرحية كان يجمع في أساسه العناصر التي يحتويها خيال الظل من موسيقي ورقص وحادثة مسرحية وشخصيات وحوار وحركات ماجنة. ومعني كلمة «السامر» في اللغة العربية «السامر أو السمار» هم الجماعة الذين يتحدثون بالليل، وقال الليث: السامر هو الموضع الذي يجتمعون للسمر فيه، وللسامر تسميات أخري في بعض القري، فيطلق عليه في الدقهلية «الونسة» وفي الفيوم «الافصال» وفي البحيرة «الطبل»، أما في مدينة القاهرة فقد كان يطلق عليه قديما «الحبيظة أو الجعيدية» وهي كلمات عامية ليس لها أصل في اللغة العربية الفصحي وتشير إلي المضحكين الهزليين الذين كانوا يقومون بالتمثيل المرتجل أمام العامة في الطرقات والميادين. ويجدر بنا أن نذكر أن كلمة السامر قد ذكرها الجبرتي عام 1807 ميلادية عند حديثه عن فساد بعض مشايخ البلاد، ومن ينتسب لهم، وذلك في الاجتماع لسماع الملاهي والأغاني والعزف وتلقي العطايا والنقوط بمناداة الخلبوص وقوله وإعلامه في السامر بمسمع من النساء والرجال من عوام الناس وخواصهم. أما صفة الشعبي المقترنة بكلمة السامر لم يطلقها العامة علي السامر ولكنها صفة أطلقها بعض المتخصصين في الفولكلور علي تمثيليات السامر من أجل وضعها تحت مظلة الأدب الشعبي عند تقسيم الأنواع الأدبية الشعبية، ولأن الأدب الشعبي غالبا مجهول المؤلف لأن العمل الأدبي الشعبي يستوحي أثرا فنيا يتوافق وذوق الجماعة وجريا علي عرضهم من حيث موضوعه وشكله الأخير من خلال الاستعمال والتداول، ثم إن وسيلة إذاعته «شفاهة» لا تلزمه حدود بحيث يكون من المستطاع أن يضاف إلي أن يحذف منه أو يعاد ترتيب عناصره أثناء انتقاله. ولكن هناك رأيا مخالفا لعبدالحميد يونس وهو رائد في مجال دراسات الفولكلور، حيث يقول: علي الرغم من كل الجهود التي قام بها الباحثون المتخصصون في الأدب الشعبي فمازال هناك بعض الخلاف حول مفهومه، فكان الدارسون في الجيل الماضي يرون أن الأدب الشعبي يجب أن يكون مجهول المؤلف، ولكن الدراسات الحديثة أثبتت أن هناك نصوصا من الأدب الشعبي يعرف مؤلفوها، والفيصل هنا حكم الجماهير لأنه هو الذي يختار ويردد القصة الشعبية، لذلك يمكننا أن نقول إن الأدب الشعبي هو الذي يعبر عن وجدان الجماعة أو الشعب، والأدب الشعبي يتطور ويخضع للتغيير طبقا للمراحل واختلاف البيئة، وإن كانت سرعة التطور تختلف بين المدينة والريف، إن الأدب الشعبي كثيرا ما يستمد من المجتمع، فالأغاني التي ألفت لابنه الملك أو السلطان تنتقل للشعب ويرددها وتصبح جزءًا من وجدانه يرددها في إخراجه مثل أغنية «الحنة يا قطر الندي». كان لابد لنا من أن نذكر رأي متخصص في علم الفولكلور مثل د. عبدالحميد يونس وذلك عند حديثه عن الدراما الشعبية، ذلك لأننا في تناولنا الحديث عن ظاهرة السامر الشعبي علي مر التاريخ، وسوف نتعرض أحيانا لهذه الظاهرة في شكل قريب من الوصف الذي ساقه لنا يونس في حديثه عن الدراما الشعبية. وإذا كانت هذه الدراسة تبرز تناول الجانب التاريخي لظاهرة السامر الشعبي في مصر لمعرفة الوصف الدقيق لهذه الظاهرة المسرحية، وكذلك تطورها وتأثرها بالظواهر الاجتماعية الأخري والمتغيرات السياسية يصبح من الضروري أن نضع في الاعتبار العقبات التالية: أولا: إذا كان يبدو للوهلة الأولي أن المجتمع محل الدراسة هو المجتمع المصري وأننا نعالج ظاهرة مسرحية واحدة إلا أن الواقع يثبت أننا ندرس هذه الظاهرة من نواح ثقافية متنوعة مختلفة لهذا المجتمع، مما لا شك فيه أن الثقافة المصرية القديمة والثقافة المصرية في العصر الروماني تختلفان عن الثقافة القبطية والثقافة الإسلامية في عصورهما المختلفة داخل المجتمع المصري. ثانيا: إذا كان هناك تشابه بين الاحتفالات بالموالد والأعياد الدينية القديمة التي يظهر بها السامر الشعبي، فإن هناك اختلافا في الوظيفة قد تختلف باختلاف كل عصر من العصور، فالاحتفالات الدينية الشعبية في مصر القديمة كانت تؤدي من أجل هدف ديني وهو تقديس الفرعون نفسه، أما الاحتفالات الدينية الشعبية في العصر الإسلامي الفاطمي، فقد كانت وظيفتها المستهدفة والمقصودة هي العمل علي نشر الدعوة الفاطمية وإلهاء الشعب عن التغيير المذهبي الذي يحدث في البلاد واستمالة الشعب لحب الفاطميين، وقبل أن نتناول تاريخ السامر الشعبي في مصر بالدراسة والتحليل يجب أن ننوه إلي أن المؤلف قد لاحظ أن ظاهرة السامر الشعبي المسرحية تظهر بوضوح في شكلين لا ثالث لهما أولهما متحرك والثاني ثابت. أولا: الشكل المتحرك ويتمثل في المواكب الشعبية «المتحركة» والتي كانت تقام في الاحتفالات العامة السياسية والاجتماعية والدينية أو الاحتفالات الخاصة. ثانيا: الشكل الثابت ويتمثل في عروض الحلقة أو نصف الحلقة التي كانت تقام في الساحات أو داخل أروقة المعابد أو أروقة بيوت الأغنياء. إن الظاهرة المسرحية في عروض السامر الشعبي تنبع من توافر عناصر العرض المسرحي في تلك العروض الشعبية المرتجلة، حيث يتوفر عنصر المؤدي الذي يلعب دورا ما وعنصر المتلقي المتفرج وعنصر الحادثة المسرحية، وإن كانت بسيطة وذلك داخل إطار معين من الديكور الرمزي والملابس الموحية والإكسسوار المستخدم والنابع من خامات البيئة المحيطة. حفل مسرحي والسامر حفل مسرحي كان يقام في المناسبات الخاصة سواء أكانت فرحا أو موالا كذلك كان يؤدي في الاحتفال بالختان أو ولادة الأطفال أو الترفيه عن الفلاحين في ليالي الصيف، كما يقام في الأعياد الدينية والشعبية والوطنية سواء في القرية أو المدينة، لقد اختلف الباحثون حول نشأة السامر الشعبي في مصر، فالبعض يعتقد أنه نشأ في ظل الدولة المملوكية متأثرا بخيال الظل والبعض الآخر يعتقد أنه نشأ في ظل الاحتلال الفرنسي، عندما دعت الحملة الفرنسية إحدي فرقها المسرحية لتقديم عروضها أمام جنود الحملة في القاهرة، وكان السامر في اعتقاد هذا البعض الآخر صدي وترديدا لمسرح الحملة الفرنسية، كما اختلف الباحثون أيضا في كيفية تحديد الفنون المؤثرة والمتداخلة مع السامر الشعبي. الاحتفالات الشعبية القديمة إننا نفترض أن السامر نبع من الاحتفالات الشعبية المصرية القديمة التي كانت تقام احتفالا بحلول السنة الزراعية أو احتفالا بموسم الحصاد، وفي المناسبات الاجتماعية المختلفة، فشكل السامر وعناصره المختلفة كما سيأتي تفصيل ذلك فيما بعد مصري تماما فهو خال من أي عناصر أجنبية أو ما غيرها والبيئة المصرية هي التي حددت شكله ومضمونه أي أن السامر كشل منسجم ومتلائم تماما مع الواقع الزراعي للبيئة المصرية. مما سبق نستطيع أن نقول إن المسرح المصري القديم لم يقف علي عتبة المعبد، بل خرج إلي الشعب، وكان يقوم بالتمثيل فرق متجولة يدخله بعض الرقص والغناء، وما من شك في أن هذا الغناء المصحوب بالمحاكاة، «التمثيل» كان يشغل في العروض المصرية القديمة المكان نفسه الذي يشغله في عروض السامر الحديثة. لذا يمكن أن نقول إن السامر الشعبي في مصر أظهر قدرة خاصة علي الحياة وأثبت وجوده في المناطق الريفية، فتولد منه المسرح الشعبي المصري، لكن مما لا شك فيه أن هذا الجنس المسرحي قد لبي في حينه احتياجات الجمهور العريض إلي الفرجة والتسلية، ووقف جنبا إلي جنب مع الأشكال الأخري للعروض الشعبية كمسرح خيال الظل ومسرح العرائس «الأراجوز». إن هذه الدراسة لا تسعي إلي الدراسة عن تأصيل للمسرح المصري أو دراسة النصوص الفرعونية القديمة الموجودة في كتاب «الموتي» أو المنقوشة علي متون الأهرام، وذلك لإثبات أنها نصوص درامية جاءت في صورة طقوس وأدعية دينية، كما لا تسعي إلي دراسة الطقوس القبطية في أسبوع الآلام التي تتناول قصة آلام المسيح عليه السلام وقصص آلام القديسين. إننا نسعي فقط لدراسة هذه الظاهرة الشفهية غير المكتوبة كظاهرة مسرحية يؤديها البشر وتستحق الدراسة المتخصصة، فقد كتب الكثيرون عن السامر الشعبي، لكن من خلال دراسات أخري ليست عن السامر، سواء أكانت عن المسرح العربي جاء فيها ذكر السامر عابرا كمقدمة أو دراسات اجتماعية تناولت السامر الشعبي كظاهرة احتفالية دون الاهتمام بتناوله كظاهرة مسرحية أو دراسات في وصف مصر ثم فيها وصف السامر باعتباره إحدي ظواهر الاحتفالات التي كان يمارسها الشعب المصري. وفي الوقت نفسه اختلف الكثير من المؤلفين حول كيفية استلهام السامر الشعبي المصري لكتابة نص مسرحي معاصر يترك في المتفرجين نفس الأثر الذي يتركه السامر في جمهوره. وتتلخص مشكلة الدراسة في: هل يمكن استخدام عناصر العرض التي كانت موجودة في السامر الشعبي لكتابة نص مسرحي معاصر يصل إلي الجمهور ويتفاعل معه؟ وما الحكم علي التجارب التي تمت في هذا المجال؟.. ولماذا لم تستمر؟