مؤخرا وربما قبل أحداث ثورة 25 يناير بقليل عرفت مصر وربما بشكل محدود عددا من الموسيقيين الشبان والفرق الحديثة التي تروج لهذه الموسيقي، وربما وجدت هوي لدي الشباب الذي كان يعاني إحباطا ورفضا لما يحدث من حوله من فساد سياسي وضغوط اقتصادية واجتماعية وعشوائيات في كل مناحي الحياة إلا أنهم لم يكونوا قد وصلوا إلي مرحلة التمرد والعصيان في انتفاضة وصلت ذروتها في 25 يناير أدت خلال 18 يوما إلي إسقاط النظام الحاكم. صحيح أن موسيقي «الهيب هوب» وافدة علي المنطقة العربية وليس مصر بالتحديد قادمة من الشوارع والأزقة الأمريكية حاملة معها مظهرها الغربي، ولكننا وجدنا في طياتها تجسيدا لقضايا الإنسان العربي وهمومه ومعاناته مع الظلم والقهر والفقر واستطاعتها أن توقظ فيه القدرة علي الرفض ودفعه لقول كلمة «لا» فتشارك بقوة في معظم التحركات المساندة للديمقراطية في الوطن العربي. ويقول الموسيقار هاني شنودة: تنفرد موسيقي «الهيب هوب» بأسلوب حرفي في التلاعب بالكلمات وضبط الإيقاعات، كما أنها الأقدر علي مخاطبة جيل الشباب بلغته التي يفهمها، فهي موسيقي متواضعة تحقق التواصل بين الفرد والمجتمع ببساطة شديدة وتعكس وجهات النظر بأسلوب رشيق أي أن «الهيب هوب» نموسيقي عابر للقارات يتجاوز اختلاف اللغات والثقافات ليتحدث عن قيم ومفاهيم عالمية. ويضيف الموسيقار هاني شنودة: وقد استقبل الشباب العربي هذه الموسيقي الغربية بجرأتها وقدرتها علي التواصل كوسيلة للإصلاح الاجتماعي واليوم تنتشر فرق «الهيب هوب» في الوطن العربي. صحيح أن هؤلاء الشباب وتلك الفرق انحسرت لفترة طويلة في قاعة الهواية الشخصية ومجرد الرغبة في تقليد الغرب إلا أنهم وجدوا طريقتهم الخاصة لتوسيع قاعدة المعجبين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عبر المواقع الإلكترونية، وقدموا أغاني عديدة معنية بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية السيئة التي تمر بها بلادهم، فحققوا نسب استماع عالية بين جمهور الشباب الذي وجد للمرة الأولي ما يسمعه بعيدا عن الأغاني الوطنية التقليدية التي تدعو إلي حب الوطن فحسب ولا تنظر إلي الأسفل تجاه تلك الشريحة من الشباب التي أصبحت جذوة الثورة تشتعل بداخلها وعندما يهيج الناس مؤهلين للثورة علي واقعهم فإنهم يعمدون إلي كتابة وتلحين أفكارهم الثورية. وقد تزامن العديد من أغاني «الهيب هوب» مع انطلاق الثورات الشعبية العربية في كل من تونس وليبيا ومصر مدفوعة بصدق هؤلاء الشباب وتأجيج مشاعر الغضب في داخلهم، فقد قدم «حمادة بن عمور» مغني الراب التونسي أغنية «رئيس البلد» الموجهة إلي الرئيس التونسي بن علي - وكان ذلك قبيل الثورة التونسية وقد دفعت تلك الأغنية بالمئات من الشباب للخروج إلي الشارع، وقد صنفته مجلة التايم الأمريكية كإحدي أهم الشخصيات المؤثرة في ذلك الوقت، وفي مصر برز هذا النوع من أغاني الهيب هوب في عام 1998 من خلال فريق يدعي «الغرباء» وفيما بعد انتشرت عدة فرق لتؤدي هذا النوع من الأغاني والموسيقي، وخلال أحداث ثورة 25 يناير ساهمت أغاني الهيب هوب بشكل واضح في تحفيز الشباب علي الاستمرار والمتابعة واتخذ هذا النوع من الموسيقي منعطفاً جديدا باتساع قاعدة المعجبين به وان كانت هذه الأغاني لم تتخذ الفاظا بذيئة أو أزياء وحركات راقصة تشبه أغاني الهيب هوب الأمريكية، لكن جاء التقليد فقط في طرق الأداء وجراءة التناول وخاصة المعالجة السياسية أيضا اتخاذ اللوحات الجدارية والجرافيتي خلفية لأغنياتهم، أيضا خرج من بينهم ألحان وأغان شهد ميدان التحرير ميلادها ومنهم الملحن عزيز الشافعي والمطرب حمزة نمزة. كذلك كان نجم كل ذلك أغنية محمد منير «إزاي» رغم أنها لم تكن وليدة اللحظة أو أنها تتبع من الهيب هوب إلا أنها أغنية وطنية غير تقليدية تعبر عما يعانيه الشاب من تهميش وإحباط في نفس الوقت يعبر عن مدي حب الشباب وانتمائهم لهذه الأرض وقدرتهم في نفس الوقت علي قول كلمة «لا» وهي إذاً قريبة من مفاهيم الهيب هوب وإن كانت أكثر تعبيرا عن طبيعة اللون الغنائي في الدول العربية والذي لم يأخذ الشكل الكامل لفرقة الهيب هوب الأمريكية التي تتخذ الجرأة الشديدة في طرح الأفكار شخصية كانت أو اجتماعية أو عاطفية أو سياسية فهي غالبا ما تكون مثيرة للجدل ومتحررة إلي حد بعيد بما يتعارض مع ثقافات وعادات الشعوب العربية. وهذا ما يؤكده الموسيقار حلمي بكر أن ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير فرق أشكالا جديدة للأغنية الوطنية جاءت كلماتها وألحانها من أفواه الشباب، إلا أن الحدث كان أكبر وأعمق من حساباتهم حيث استطاعوا إسقاط النظام خلال 18 يوما لهذا فرضت أغنيات الجيل الماضي الوطنية نفسها علي الحدث باعتبارها أغاني خالدة لن تموت بمرور الزمن لرواد مازالوا أحياء في وجداننا جميعا رغم رحيل بعضهم ومنهم علي سبيل المثال عبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب ونجاح سلام وعليا التونسية وأخيرا الفنانة «شادية» أمد الله في عمرها. ومن المعروف ان موسيقي الهيب هوب ولدت في فترة السبعينات من القرن الماضي في الأحياء التي يقطنها الأمريكيون من أصول أفريقية والتي عاشت عند هجرتها سنوات من الظلم والعنصرية ووسط مشاكل اقتصادية واجتماعية مستعصية، وكنوع من رد الفعل للتعبير عما يجول في صدور الشباب، وأيضاً كفن مستقل بهم وان كان قد بقي محدودا لسنوات، إلا أنه في السنوات الأخيرة استطاع أن يفرض نفسه علي الساحة الغنائية والموسيقية منافسا العديد من الألوان الموسيقية مثل الروك والبوب والراب وقد كانت في البداية تكتب علي الجدران كنوع من التعبير البصري «Graffiti» ورقصة «البريك دانس» التي تعد التعبير الجسدي لهذا النوع من الموسيقي ويمكن القول إن الهيب هوب نوع من الدمج بين مجموعة من الثقافات الموسيقية ثم تفكيك انغامها وتحديث إيقاعاتها ودمج موسيقاها، ومن ثم إضافة نكهة خاصة لينتج لدينا أكثر أنواع الموسيقي انتشارا في العالم.