مع حلول فصل الصيف وما يتوقع ظهوره من أفلام للموسم السينمائي الجديد يولد للسينما المصرية ابن شرعي جديد، وهو الفيلم الذي يلمع فيه اثنان من نجوم السينما المصرية المعاصرة في حالة تنافسية شريفة تتأجج فيها الموهبة الرفيعة المستوي للأداء التمثيلي تحت مظلة المخرجة الشابة ساندرا نشأت والتي تبرز موهبتها الحقيقية كمخرجة، هذا بالإضافة لإثارة موضوع في غاية الحساسية وخصوصاً في ظل ما نعانيه من ترد للأوضاع الأمنية في الشارع المصري بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011 وما تلاها من سيطرة بعض الأفكار التي تدين جهاز الشرطة بشكل أو بآخر. ففاجأتنا المخرجة ساندرا بقصة تخدم الوطن وتعالج ما نعانيه من أفكار سلبية تسيطر علي البعض، وأظهرت جهاز الداخلية في شكله الايجابي، وحقيقة ما يعانيه العاملون في هذا القطاع وما قد يتعرضون إليه من مخاطر هم وذويهم، وبذلك يعتبر هذا الفيلم انعكاسا حقيقيا للواقع بشكل مبسط للمواطن العادي. حفل زفاف وقصة الفيلم ل (وائل عبد الله) وتدور حول أخوين ضباط شرطة الكبير هو الرائد حمزة أبو العزم (احمد السقا) وأخيه النقيب يحيي (أحمد السعدني) وأثناء عمليات تدريب حمزة في المعسكرات يتذكر موعد زواج أخيه في ذات اليوم ويعود مسرعاً لأسرته لحضور ما تبقي من حفل الزفاف، وتكون زوجة حمزة حنان (حنان ترك) والأم روحية (نهال عنبر) في انتظار ابنها، وتتضح أثناء المشاهد معاناة زوجة الضابط نتيجة غيابه لفترات طويلة، وبعد انقضاء أجازة يحيي عاد للعمل وأثناء وجوده في كمين تصدمه سيارة هاربة من الكمين حاملة كمية من المخدرات في سيناء يقودها سليمان أخو سالم المسلمي (أحمد عز) تاجر المخدرات البدوي وتسفر الأحداث عن مقتل يحيي ومدي تأثر أخيه وأسرته من هذا الحادث ومحاولات حمزة العديدة لمطاردة العصابة من خلال كثير من المشاهد واللقطات "الأكشن" في الفيلم وخاصة بعد أن يتم تهريب سليمان من سيارة الترحيلات وإخفائه في صحراء سيناء، وتتوالي الأحداث إلي أن يستطيع حمزة القبض علي المتهمين وأخذ ثأر أخيه بإطلاق النار علي سليمان القاتل، وينتهي الفيلم بوضع حمزة وسالم في قفص الاتهام وانتظار الحكم عليهما. ورغم إشادتنا بالفيلم ومستواه الفني والجماهيري إلا أن هناك بعض المآخذ الفنية علي المخرجة في المعالجة الدرامية لبعض المشاهد ؛حيث كانت بداية الفيلم لطائرات الهليكوبتر أثناء عملية "إنزال" للقوات وهي غير خاضعة في الأساس لضباط الأمن المركزي إلا في حالات نادرة يتعذر إمكانية وصول السيارات إليها، أيضاً عمليات إطلاق النار المتبادل مع المجموعات المسلحة ووجود الأسلحة فجأة والتي لم تكن موجودة مع القوات أثناء عمليات الإنزال. وبالنسبة لهجوم الجماعة المسلحة علي سيارة الترحيلات لتهريب سليمان ؛فقد كان هذا المشهد سلبياً للغاية حيث يسيء إلي جهاز الداخلية ويصوره في حالة من التخاذل والضعف مما يشجع علي تكرار مثل هذه العمليات في حال توافر أسلحة -وهو ما نحن بصدده- وبذلك يكون مصير رجال الأمن هو اندفاع الطلقات صوبهم وتهريب أي متهم حيث ظهر بالأمر اليسير، فكان لزاماً علي المخرجة وضع رادع لهؤلاء البلطجية نتيجة هذه الفعلة المشينة. أيضاً وجود الكثير من الأحداث الدرامية المفتعلة داخل الفيلم بحيث وجودها أو حذفها لا يؤثر علي السياق الدرامي للقصة إطلاقاً. نهاية مغايرة كما كانت نهاية الفيلم غير تقليدية وغير متوقعة حيث ينتظر الجمهور القبض علي سليمان وسالم، ولكن المفاجأة للجمهور حين انفعل حمزة بعد هذا الجهد والشقاء طوال الفيلم للقبض علي القاتل أن يتهور ويتحول فجأة هو الآخر إلي قاتل رغم استطاعته السيطرة علي انفعالاته في مواقف عدة طيلة أحداث الفيلم أن يصدر منه هذا التصرف الأهوج والذي تتحكم فيه مشاعر الأخوة والدم بثأر أخيه دون السيطرة علي الانفعالات الداخلية والنفسية وانتظار تنفيذ حكم القانون، فكان مشهد الختام بوضع الضابط مع اكبر تاجر مخدرات في نفس قفص الاتهام غير موفق، ولا يجوز أن يهيأ المجال لتاجر مخدرات أن يحصل علي سكين داخل القفص ليكون وسيلة للتخلص من الضابط وانتصار الشر حتي النهاية ؛ وربما كان الدافع للمخرجة أن تضع الكل أمام القانون سواء، وإذا كان هذا المقصد فكان ينبغي في هذه الحالة أن يتساويا في حجم الإجرام طيلة أحداث الفيلم، ولكني أتصور أن الهدف الأقوي لها ليس درامياً بقدر حرصها علي أن تختتم الفيلم بلقطة واحدة تربط بين البطلين ووضعهم في ذات المكانة دون تفضيل أي منهما علي الآخر. ولا أدري لماذا وضعت ساندرا نشأت الفتاة البدوية شادية "زينة" في وضع الانحلال الأخلاقي ؟؟ رغم مخالفة ذلك لحقيقة المجتمعات البدوية في سيناء والتي ينتسب لها المحافظة علي الأعراف والتقاليد وهو ما أظهر صورة مشوهة لواقع المجتمع السيناوي. قبل الحديث عن أبطال الفيلم لابد أن نذكر أهمية البطولات الجماعية والتي تثير الجمهور وتبعث إليه الرغبة والحافز في البحث عن الأفضل في ظل جو تنافسي صحي بين أبطال العمل. وقد تميز الأبطال بشكل عام في الفيلم حيث ظهر السقا في دور الأكشن متألقاً كما عودنا في جميع أفلامه التي تتسم بالحركة والنشاط والحيوية بالإضافة إلي مشاعره المفعمة بالأحاسيس الفياضة كما حدث في مشهد فراق أخيه الذي أبكانا حين تلألأت عيناه من الدمع والحزن، أما بالنسبة للفنان احمد عز فكان أداؤه للدور علي مستوي جيد حيث يمتلك موهبة عالية في أدائه التمثيلي ولكني اشعر أن اختياره في هذا الدور غير مناسب إلي حدٍ ما حيث أن عامل الشكل أو المظهر لا يتفق مع عز كتاجر مخدرات، فهو شديد الوسامة وتشع من عينيه الأحاسيس البراقة وبالتالي يبتعد عن الشر، أيضاً طريقة الكلام البدوية والتي قد ينتابها بعض الأخطاء في عدد من المشاهد حيث يتحدث "عز" باللهجة الطبيعية ثم تشعر أنه يتذكر انتماءه للمجتمع السيناوي فيتحول فجأة إلي اللهجة البدوية والتي توضح عدم تحكمه في طلاقتها، ولكن أداءه في المطلق كان تلقائياً، والأهم من ذلك أنه ظهر بشكل جديد يضيف إلي رصيده الفني، أما بالنسبة للفنانة نهال عنبر فكانت مثالا للأم الحانية السعيدة بأولادها، والفنانة حنان ترك كان دورها صغيرا مقارنة بالعديد من الأدوار الأخري التي قامت ببطولتها في الكثير من الأفلام، ولكن تعبيرات وجهها كانت مؤثرة بمصريتها وتلقائيتها في التمثيل وهو ما تعودنا عليه منها، والممثلة السورية الشابة "كندة علوش" فكان دورها بسيطا وبه بعض المواقف الكوميدية العفوية ذات التأثير الايجابي، والفنانة "زينة" قدمت دورها بأداء تمثيلي رائع، أما الفنان صلاح عبد الله في دور "أبو الفضل" كان أداؤه التمثيلي أيضاً علي درجة كبيرة من الحرفية والإتقان وحاز علي إعجاب الجمهور، وأخيراً ضيف الشرف خالد صالح، وكان المشهد كوميديا يعبر عن ما نعانيه من بعض دعاة الدين في الآونة الأخيرة. كوميدياالموقف السيناريو والحوار بأسلوب بسيط وواقعي وبشكل يتناسب والأحداث الراهنة، أيضاً وجود حالة من كوميديا الموقف بشكل تلقائي في بعض المشاهد كانت ذات تأثير إيجابي، ولكني أتحفظ بشدة علي أحد الألفاظ النابية والذي تكرر بشكل مبالغ فيه في مشهد مواجهة سالم لشادية عشيقة أخيه سليمان بوقوعها في الخطيئة ؛فلا أدري لماذا وجود هذا اللفظ وتكراره ؟ هل لإظهار الواقعية وتأكيدها علي الجمهور ؟؟ فإن كان هكذا فأري أن المبالغة قد تسيء الاستخدام وتعكس الحالة من الواقعية إلي اشمئزاز المتلقي من التكرار المتعمد والذي يخرج بالمشاهد من إطار الواقعية إلي إطار آخر متدن. أما بالنسبة لمدير التصوير (إيهاب محمد علي) فقد كان تصوير المشاهد وخاصة الخارجية علي درجة تقنية عالية وساعدت علي إبراز الجو النفسي والسيطرة التامة علي سيكولوجية الجمهور، أيضاً الإضاءة والديكور والمونتاج وجميع العناصر المشتركة والمتداخلة لنجاح الفيلم كان لها دور كبير في التفاعل بين الجمهور والتأثير علي انفعالاته ؛حيث كانت الإضاءة والألوان وان كانت في بعض الأحيان قاتمة حزينة ولا تبعث علي الأمل أو التفاؤل علي الإطلاق أثناء مشاهد المطاردات وتعاقب الأحداث، وأنا أعتقد أنه متعمد من قبل المخرجة للوصول بنا إلي النهاية المأساوية التي ينتظرها بطلا الفيلم وإن كانت نهاية أحدهما متوقعة بالنسبة للجمهور "تاجر المخدرات" ولكن بالنسبة لضابط الشرطة فكانت نهايته المأساوية والتراجيدية غير متوقعة علي الإطلاق. موسيقي الفيلم كتبها "عمرو إسماعيل" المؤلف الموسيقي الشاب واتسمت الموسيقي بوجود بعض التيمات اللحنية القصيرة والتي عبرت عن الجو العام للفيلم، كما استخدمت المخرجة أغنيات مبهجة للتعبير عن مشهد عرس يحيي، أيضاً استخدام العود الشرقي عند دولة الأردن "عمان" لزيادة البعد الدرامي للمشهد، ومشهد الجنازة العسكرية لتأبين الضابط بأصوات آلات النفخ النحاسية، ثم غناء السيدة فيروز عند الانتقال من مصر إلي بيروت لتوحي للمشاهد بهذه النقلة النفسية سمعياً وبصرياً فكانت موفقة، كما استخدم المؤلف فكرة "اللحن الدال" والتي ابتدعها المؤلف الموسيقي الألماني فاجنر في الأوبرا وانتقلت منها إلي السينما والمسرح ؛وهي عبارة عن التدليل بالموسيقي علي شخص أو حدث أو مكان ترتبط الموسيقي به في حالة وجوده علي الشاشة، وقد تكرر هذا عدة مرات فكان مثلاً تكرار بعض النغمات المتقطعة من آلة البيانو عند ظهور الفتاة اللبنانية، أيضاً نغمات متصلة تشبه (الباص المتصل) من التشيللو والكنترباص مع وجود تريمولو من آلة التيمباني الإيقاعية أثناء مشاهد الاتفاق علي بيع المخدرات، يوجد لحن حزين وكأنه يرثي الضابط المتوفي وتتكرر نفس التيمة اللحنية أثناء التوجه للمحاكمة وفيها شجن في الطبقة العالية، كما يتكرر اللحن المعبر عن سالم من الآلات الوترية مع وجود بعض التنويع عليه ووجود ضربات إيقاعية، وتتكرر تيمة لحنية للعديد من المرات أثناء المطاردات، والألحان جميعها متشابهة حيث اعتمد المؤلف علي وضع ألحان بسيطة وظفها تبعاً للأحداث الدرامية دون كثافة في الألحان أو تنويع في الآلات أو الإيقاعات بشكل ملحوظ، كما يتخلل الصمت بعض المشاهد أو قد تكتفي المخرجة بالحوار دون الموسيقي، ولكن الموسيقي لم تترك انطباعاً مستقلاً أو كعلامة من علامات الفيلم، بل كانت منطقية مع الأحداث دون تميز، وليس بالضرورة أن تترك الموسيقي بصمة مستقلة أو ترتبط بالفيلم ولكن هذا أصبح متعارف عليه في الفترات القليلة الماضية حيث أصبحت الموسيقي تحدث أثراً جلياً لبعض الأفلام وعلامة مؤثرة لها، كما ينتظرها البعض بشكل خاص بعد أن باتت موسيقي الأفلام تحصل علي كثير من الاهتمام والجوائز عكس ما كانت عليه في عهود سابقة. وخلاصة القول إننا نأمل في وجود مزيد من الأفلام الهادفة والتي يستنير بها رجل الشارع وتفتح آفاقا جديدة يستبشر بها الشعب وتعمل علي إعادة الثقة بين فئات الشعب المختلفة، ولنكف عن ذكر السلبيات ونبحث عن الجانب الايجابي والمشرق، فإن كانت السينما انعكاس للواقع ومن واجبها إلقاء الضوء علي السلبيات لمعالجتها فكفي بنا إلي هذا الحد الذي أصبحنا نحاط بها من كل جانب حتي عم التشاؤم وسيطر علينا جميعاً، فقد حان الوقت أن تكون السينما والفنون جمعاء هي الوسيط الذي يلتف حوله الجميع ويرتقي بالأمة ويعمل علي إعادة الثقة وبناء المجتمع بكل تياراته وطوائفه المختلفة.