حتي لو كان جونتر جراس يهوديا لاتهموه بأنه كاره لنفسه ! مقص الصهيونية العالمية لقطع ألسنة اليهود المنتقدين لإسرائيل كتاب وأكاديميون إسرائيليون يصفون "اليهودي الكاره لنفسه" بأنه مريض يعاني اختلالا عقليا ! القاضي اليهودي ريتشارد جلادستون الذي ترأس بعثة مجلس حقوق الانسان تراجع عن تقريره الذي أدان فيه الجرائم التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية خلال حربها علي غزة بعد أن اتهمه الإسرائيليون بأنه "يهودي كاره لنفسه " حين تحدث الكاتب الإسرائيلي أوري أفنيري عن حقوق الفلسطينيين اتهمه بن جوريون بأنه العدو رقم واحد للدولة العبرية ماذا لو كان أديب ألمانيا الكبير جونترجراس مثل المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي يهوديا ..؟ هل كان ذلك سيشفع له لدي الميديا الموالية للصهيونية العالمية فتخفف من وطأة حملاتها ضده ولاتلاحقه بتهمة معاداة السامية عقب نشر قصيدته " ما ينبغي أن يقال " في مجلة زويد دويتشه تسايتونج يوم الأربعاء الرابع من إبريل ؟ كانت ستشدد من حملاتها وتلحق بتهمة معاداة السامية تهمة أخري لاتقل بشاعة ..وهي اليهودي الكاره لنفسه ..وقد وقع نعوم تشومسكي مرارا ضحية التهمتين بسبب مواقفه المعارضة للسياسات القمعية التي تمارسها اسرائيل ضد الشعب الفلسطسني ..وفي مطلع شبابه كان تشومسكي مثل آلاف الشباب اليهود متحمسا لمشروع الدولة اليهودية ..حتي أنه هاجر الي اسرائيل في أوائل خمسينات القرن الماضي وعمل في الكيبوتزات ..لكنه هناك أدرك الحقيقة المرة التي تخفيها الميديا الصهيونية عن العالم ..إن حلم الجنة الاسرائيلية يروي بدماء شعب آخر تنهب أرضه وتسلب مزارعه وتدمر بيوته ..ولم يطق تشومسكي ما يجري فغادر عائدا الي الولاياتالمتحدة ..ورغم أنه انهمك في مشاريعه الأكاديمية وأبحاثه في علم اللسانيات الا أن ذلك لم يشغله عن مهمة أخري يراها مقدسة وهي بالفعل كذلك ..تعرية ما تحاول اسرائيل طمسه من جرائم ترتكب ضد العرب عامة والشعب الفلسطيني خاصة عبر كتبه ومقالاته في كبريات الصحف الأمريكية ..حتي أصبحت منظمة العلاقات العامة الاسرائيلية الأمريكية المعروفة اختصارا باسم أيباك تصنفه كأحد ألد أعداء اسرائيل ..ولم يبال تشومسكي ..وواصل حملته لفضح الجرائم الاسرائيلية التي ترتكب بمباركة من ساسة واشنطن ليس كيهودي كاره لذاته بل كانسان وكمفكر يري أن كل ما يختزنه في داخله من مرجعية معرفية هائلة وشهادات وجوائز حصل عليها لاقيمة لها ان أغمض عينيه عما يرتكبه بنو قومه ضد الشعب الفلسطيني ..! أوري أفنيري ومثل تشومسكي ناشط وكاتب اسرائيلي يرفض مغادرة اسرائيل رغم ما يتلقاه من تهديدات بالقتل ..هو أوري أفنيري أحد كبار مؤسسي تيار السلام الاسرائيلي ..وكثيرة هي مواقفه المناصرة لحق الفلسطينيين في اقامة دولتهم المستقلة ..وكان أول اسرائيلي يجري اتصالات بمنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت اسرائيل تصنفها - ومن خلفها الولاياتالمتحدة - كمنظمة ارهابية ..كان ذلك عام 1974 ..وفي أوائل الثمانينات التقي بالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ..وخلال عضويته في الكنيست لم يكف عن توجيه الانتقادات للحكومة الاسرائيلية لسياساتها التعسفية تجاه الفلسطينيين ..الأمر الذي دفع رئيسة الوزراء الاسرائيلية جولدا مائير خلال السبعينات لأن تصرخ من فوق منصة الكنيست : أنا مستعدة لاقامة المتاريس في الشوارع للحيلولة دون دخول أفنيري الكنيست !! وقبل ذلك وصفه بن جوريون بأنه العدو رقم واحد للشعب الاسرائيلي ! وبالطبع لم يكف السياسيون الاسرائيليون وخلفهم الميديا الصهيونية عن نعته ب"الخائن " و "اليهودي الكاره لنفسه " وحين اقتحمت إسرائيل سجن أريحا الفلسطيني واختطفت سجناء فلسطينيين بينهم أحمد سعدات الذي تتهمه إسرائيل بالتورط في قتل الوزير الإسرائيلي رحبآم زئيفي، وصف أفنيري قتل زئيفي بأنه المقابل الفلسطيني لعمليات "القتل المستهدف "التي ترتكبها اسرائيل .. وقدأشعل موقف أفنيري غضب الاسرائيليين مما دفع بعض رموزهم مثل باروخ مارزيل رئيس "الجبهة الوطنية اليهودية" الي التحريض علي قتله .. لكن الكاتب الاسرائيلي لم يأبه بمثل هذه التهديدات وواصل حملته الشجاعة لاجبار حكومته علي ايقاف جرائمها ضد الشعب الفلسطيني ..وكثيرون مثل أفنيري ..يهود حملوا علي عاتقهم تعرية اسرائيل أمام العالم كدولة يختزن سياسيوها تحت جلودهم رغبة قوية في ابادة الشعب الفلسطيني .. جلادستون يتراجع الا أن يهوديا آخر لم يصمد أمام تلك التهمة "اليهودي الكاره لذاته " وتراجع عن موقفه ..انه القاضي اليهودي الجنوب أفريقي ريتشارد جلادستون الذي ترأس بعثة مجلس حقوق الانسان التابع لمنظمة الأممالمتحدة والمكلفة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان خلال الحرب التي شنتها اسرائيل علي غزة ..وجاء تقريره بدءا محملا طرفي الحرب "اسرائيل وحماس " مسئولية العديد من المجازر التي ارتكبت ..الا أنه لم يطق الحملة التي شنت عليه من قبل الساسة الاسرائيليين والميديا الصهيونية متهمين اياه بأنه "يهودي كاره لنفسه " حتي أن وزير المالية الإسرائيلي وفال شتانتز وصف غلادستون بأنه معاد للسامية من النوع الذي يمقت ويكره شعبه فتراجع عن تقريره !! ..فبماذا ينطوي هذا النعت من خفايا تدفع شخصية بمكانة جلادستون الي التراجع ..ومئات غيره من اليهود الذين لاتروقهم سلوكيات الساسة الاسرائيليين الي التزام الصمت خوفا من أن تنقش أسماؤهم ضمن قائمة اليهود الكارهين لأنفسهم ..؟ اليهودي الكاره لنفسه هو مصطلح تحقيري يستخدم للادعاء بأن يهوديا يحمل مشاعر مناوئة لليهود ويجسدها في سلوكيات تلحق الأذي بالشعب اليهودي " ..وقد استخدمته الجماعات اليهودية المتناحرة قبل ظهور الحركة الصهيونية لتحقير بعضها البعض ..الا أن المصطلح أصبح أكثر انتشارا حين نشر ثيودور ليزنج كتابه"كراهية الذات اليهودية " .. وتلقفه الساسة الاسرائيليون وجماعات اللوبي الصهيوني في الغرب لتوظيفه باقتدار ضد كل يهودي يوجه نقدا لسياسات الدولة العبرية أو يتناول مثلا المحرقة اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية بشيء من الموضوعية ..وأثبت هذا السلاح فعاليته في ارهاب وتكميم أفواه الآلاف ممن يملكون الحقائق حول الجرائم التي ارتكبتها الصهيونية العالمية ..خاصة أن بعض الأكاديميين والكتاب اليهود ايغالا في التحقير وبالتالي الارهاب حاولوا ايهام العالم بأن" اليهودي الكاره لنفسه " حالة مرضية يعاني صاحبها العصاب والاختلال العقلي ومن هؤلاء البروفيسور روبرت ويستريخ الذي يترأس مركز معاداة السامية في الجامعة العبرية.. الا أن الأمور الآن آخذة في التحول ولو ببطء ..حيث ماعادت تهم مثل معاداة السامية والانكار تفت في عضد الكثيرين في الغرب .. فالشارع الأوروبي الآن يشهد تغيرا كما أظهرت استطلاعات الرأي تجاه الساسة الاسرائيليين ..بل تجاه الدولة اليهودية نفسها والتي يراها 57% من الأوروبيين طبقا لاستطلاع للرأي أجرته المفوضية الأوروبية خطرا علي السلام العالمي ..والتحول أيضا يطول ولو ببطء النخب اليهودية نفسها التي ماعاد العديد من رموزها مثل بيني موريس وايلان بابه وآفلام شلايم وتوم سجيف وغيرهم من المؤرخين الجدد الذين حاولوا تقديم قراءة أخري للتاريخ اليهودي ولتأسيس الدولة العبرية بعيدا عن الزخارف الأسطورية .. فما عاد الكثير من هؤلاء يبالون بتلك التهمة "اليهودي الكاره لنفسه " حتي لو كانت تعني اتهامهم بالاختلال العقلي ..وليس مستبعدا أن يأتي الوقت الذي ينظر فيه يهود شرفاء الي تهمة " اليهودي الكاره لنفسه " باعتبارها جزءا من عملية نصب واحتيال كبري استهدفت سرقة تاريخ وجغرافية وتراث الشعب الفلسطيني .