حضرة الشيخ المحترم الدكتور محمد حسين هيكل باشا: الحمدلله. لما أتم حضرة مراقب النشر بيانه أمس تفضل حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء فألقي كلمة ختامية أشاد فيها بتقديره للصحافة وللمجهود الذي تبذله الصحافة لخدمة المصلحة العامة، سواء أكانت مؤيدة أم معارضة، وإنه سيعمل لمد حرية الصحافة ما استطاع، وإنه يسره جدا أن يتقدم إليه حضرات الصحفيين باقتراحات تخفف من سلطة الرقابة، وهو مستعد لتنفيذها. في أثناء الأخذ والرد الذي كان دائرا وقت أن كان يتكلم حضرة زميلنا المحترم الأستاذ «يوسف الجندي» قال رفعة رئيس مجلس الوزراء إنه علي استعداد لأن ينشئ للرقابة هيئة استئنافية يرجع إليها، فظن حضرة الشيخ المحترم الأستاذ «يوسف الجندي» أن هذه العبارة قيلت علي سبيل التهكم، فنفي ذلك رفعة رئيس مجلس الوزراء، وأعتقد أن رفعته كان جادا فيما قاله في هذا الصدد. وأعتقد زيادة علي ذلك، أنه إذا كانت هناك هيئة يرجع إليها للتظلم من الرقابة فإن هذا وحده كاف للتخفيف من حدة الرقابة. أنا لا أقول إن الرقابة تحذف ثم يعرض الأمر علي الهيئة الاستئنافية لساعتها، لكن يكون الحال كما هو حاصل في المحاكم عندما يأمر القاضي بتوقيع الحجز التحفظي ولمن شاء أن يتظلم، ولذلك يخيل إلي أن فكرة رفعة رئيس مجلس الوزراء فكرة سديدة لأن رفعته لا يستطيع، ولن يستطيع بالغاً ما بلغت قواه، أن يقف علي كل ما يجري من أعمال الرقابة ، فهو رئيس لمجلس الوزراء، والحاكم العسكري، ووزير للداخلية، ووزير للخارجية - فمن المستحيل أن يضطلع بهذه الأعباء جميعها، وحسبه أن يسير السياسة العامة ليدل بذلك علي مقدرة عظيمة، فإذا ما قال رفعته لحضراتكم في صراحة، وفي صراحة تحمد له، إن رفعته لم يطلع علي أعمال الرقيب. حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا (رئيس مجلس الوزراء): أعني أنه لم يشك لي أحد من موضوع معين، وقد أشرت إلي ذلك بالأمس. حضرة الشيخ المحترم الدكتور محمد حسين هيكل باشا: وماذا تفعلون رفعتكم في مثل هذه الشكاوي؟ حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا ( رئيس مجلس الوزراء): إذا وصلتني شكاوي أدرسها، ويساعدني ذلك علي وضع مبادئ تطبق لمنع مثل هذه الشكاوي. حضرة الشيخ المحترم الأستاذ يوسف أحمد الجندي: ظهر أن المنع كان بناء علي تعليمات. حضرة الشيخ المحترم الدكتور محمد حسين هيكل باشا: هذه التعليمات التي يتحدث عنها رفعة رئيس مجلس الوزراء غريبة، ووجه الغرابة فيها أننا جميعا نخضع للحكم العسكري بتعليمات معروفة للناس جميعا حتي إذا طبقت هذه التعليمات تطبيقا جائرا لم تصبح المسألة مسألة شكوي فقط، كما يقول رفعة رئيس مجلس الوزراء، بل أصبحت هناك هيمنة من الضمير العام لأني أؤكد لحضراتكم أن هذا الشيء غير الملموس الذي يسمي الرأي العام والضمير العام هو أقوي بكثير من كل قوة، فإذا ما كانت هناك تعليمات عسكرية أو غير عسكرية معروفة للجمهور ثم عوملت بعد ذلك أنا أو غيري من الناس بما وراء هذه التعليمات، يشعر الرأي العام أنني ظلمت، ويعلم الذين عاملوني هذه المعاملة أني ظلمت.. تعليمات الرقابة علي الصحف ماسونية: تعليمات لا يعرفها أحد، ولا يجوز للصحف نشرها، ولا التحدث عنها، ومراقب النشر هو الذي قال هذا، ولست مصدره. الرقابة تصدر اليوم تعليمات للصحف بكيت وكيت، والصحفيون يلزمونها في حدود دقيقة، ثم يجيء الرقباء مع هذا ويعملون أقلامهم بالتشطيب والمحو مع أنه إنما كتب متفقا مع هذه التعليمات ولكن هذه التعليمات لا تنشر ولا يعرفها أحد إلا الصحفيون، وأحيانا تبلغ إليهم شفاها. يخيل إلي أن قول رفعة رئيس الحكومة بالأمس: إن ما يمحوه الرقباء تكون له هيئة استئنافية، ذلك القول الذي ظنه زميلي الأستاذ «يوسف الجندي» تهكما، والذي قال عنه رفعته إنه قاله جادا، يخيل إلي أن رفعته كان فيه جادا كل الجد حقا، وأنا من جانبي أؤكد لرفعته أن ما قاله بالأمس عن الصحافة البريطانية من أنه يكفي أن تلقي إليها التعليمات فتتبعها، لو أنه اتبع مع الصحافة المصرية وكانت التعليمات التي تلقي إليها تكون محترمة حقا من الحكومة ومن الرقباء ، فأنا واثق تماما إن صحافتنا ستكون أول من يحترمها. أما إذا كانت الصحافة في مصر تخرج علي شيء من هذه التعليمات، كما قال رفعة رئيس الحكومة، فأنا أؤكد لرفعته نقلا عن كثيرين من زملائي في هذا المجلس وخارجه ممن أمسكوا بالقلم، أو كتبوا في الصحف، أو ألفوا، أنهم يقولون صراحة: إننا نلزم التعليمات في حدود دقيقة، وأما الذين لا يلزمونها فهم رجال الحكومة، ورجال الرقابة، فإن أراد رفعة رئيس الحكومة أن يكون الصحفيون في مصر علي مثال زملائهم في انجلترا، فإني أرجو أن يكون رجال الحكم في مصر علي مثال رجال الحكم في انجلترا، بهذا يستقر كل شيء في نصابه.. إذن ينبغي أن تكون التعليمات صريحة واضحة لتكون نبراسا وهاديا لكل إنسان. فإن هذه الصحافة المقدسة المكروهة، والتي خدمت الحرية وهي اليوم تستنجد للدفاع عن حريتها، أؤكد لكم في هذه الحالة أن الحكومة لا تلقي عنتا ولا مشقة منها، لا تجد عنتا من الصحفيين، فلماذا يتعب الكاتب نفسه في شيء غير مسموح بنشره، مثله في هذا مثل التاجر الذي يعرف أن سلعة خاصة لا سوق لها، فإنه لا يتجر فيها ولا يعرضها للبيع وعلي هذا فإني أناشد رفعة رئيس مجلس الوزراء بصفة كونه الحاكم العسكري، وبصفة كونه الرجل الذي تعاقد مع البرلمان يوم صدور مرسوم بالأحكام العرفية، علي أن تظل هذه الأحكام في أضيق الحدود التي يقتضيها السلم، والتي تقتضيها الحالة الحاضرة، سواء أكانت فيما يتعلق بمعونة مصر لحليفتها، أم أمن مصر وسلامتها. أرجو أن تظل الرقابة في هذه الحدود، أما ما وراء هذه الحدود فإن الرقابة بتصرفها تنشئ في نفوس الناس أسوأ الأثر ، وأؤكد لحضراتكم أن الجو في مصر، جو الرأي العام، قد تغير كثيرا اليوم عما كان في بداية الحرب، آراء الناس في كل شيء قد تغيرت : في الحرب، في السلم، في الحكومة، في البرلمان - ولماذا؟ لأن الناس كانوا يجدون في الصحافة بطرفيها، التي تؤيد والتي تعارض، ما يوجههم وما يهديهم سواء السبيل، أما اليوم وقد ضرب الظلام نطاقا، واضطر هداة الناس إلي أن يطفئوا مصابيحهم، كما قال زميلنا الأستاذ «أنطون بك الجميل» واضطر الناس إلي أن يعيشوا في هذا الجو المهم، فقد انتشرت في النفوس اثارة من هذا الإبهام، صدي هذا الجو، جعل النفوس حيري لا تعرف أتؤيد هذه الناحية أم تلك، أتمشي في هذا الطريق أم في ذاك، ولا تعرف: هل الحكومة محسنة أم مسيئة، إذ ليس أمامها من يهديها. نحن هنا في البرلمان كنا نهتدي بهدي الصحافة في كثير من الأحيان، فقانون يعرض، واستجواب ينشر ويحدد له موعد، فتتناول الصحف ذاك القانون وهذا الاستجواب بالحديث، والصحفي بحكم مهنته لديه أخبار أكثر من غيره، وهو يستمع إلي كثيرين ويقدر الآراء ويزنها، نعم إنه قد يخطئ وقد يصيب، وقد يكون ذا هوي وقد لا يكون، فإن الصحفيين ليسوا من طينة غير طينة البشر، فهم ناس مثلنا، ولكنهم وهم يعرضون آراءهم يعاونوننا أكبر المعاونة. يقدم لحضراتكم مراقب النشر في تعليل عدم نشر بعض الأعمال التي يمكن أن تجري في البرلمان حجة هي غاية في الرشاقة، ولا استطيع أن أقول إنها ليست دقيقة، وإنما هي لبقة، يقول: إن الاستجوابات لا تنشر ابتداء، لأن أصحابها قد يتنازلون عنها في اللحظة الأخيرة، والسؤال قد يقبل صاحبه الإجابة عنه كتابة، فيحسن إذن ألا يكون النشر إلا عندما تجري المناقشة في هذه الأمور فيسمع الناس في وقت واحد كلام المستجوب وكلام الحكومة، أو من يرد عليه.. وأنا أري أن ما يراه حضرة مراقب النشر غير ممكن عمليا، لأن الاستجواب يقدم إلينا، ويتلي هنا، ثم يحدد له يوم للمناقشة، فإذا ما تلي نشر، وما يحصل في الجلسة ينشر أيضا، فإذن فكرة وحدة الزمن الفلسفية لا يمكن تحقيقها. ولا يقتصر الأمر علي منع نشر الأسئلة والاستجوابات. فهناك أشياء كثيرة متعلقة بالحكم لا تنشر أيضا، وقد ضرب لكم مثل، حادث الموظفين الذين فصلوا ومنع نشر حادثهم، والتحدث فيه، وانتقاده، مع أن جريدة نشرت مذكرة فصل هؤلاء الموظفين، فمنع نشر هذه المذكرة في جريدة أخري، كما منع التعليق عليها، وأنا أؤكد أن التعليق علي أي عمل من أعمال الحكومة قد يكون كبير الفائدة لها وللأمة. ورفعة رئيس الحكومة إذ يقول: إن الصحافة تؤدي خدمة عظمي للبلاد لا أظنه يخالفني في أن الصحافة تؤدي خدمة كبري أيضا للحكومة، وللوزراء أنفسهم، وهي تؤدي هذه الخدمة حين تعارضهم أكثر منها حين تؤيدهم، إننا حين نتولي أي أمر من الأمور المتعلقة بالشئون العامة محتاجون دائما لعيون تدلنا علي ما يجري في هذا الأمر فخير - ياحضرات الوزراء، ويا حضرات الزملاء - أن تكون هذه العيون بحيث تنظر في رابعة النهار، فتدلني علي الآراء المختلفة في أعمالي وتصرفاتي، وليس منا من لا يخطئ، فإذا ما رأي نقدا، وكان وجيها، وكانت نفسه صالحة، حمد الناقد، ورجع عن خطئه أما أن تكون عيوننا عيونا خفية، بحيث نبثها هاهنا وهاهنا لترجع إلينا بأنباء ذات هوي أو غير هوي ، فإني أؤكد لكم أن هذا أضر ما يكون بشئون الحكم. فإذا ما لجأت إلي هذا المجلس الموقر، وإلي رفعة رئيس الوزراء ، بصفة كونه الحاكم العسكري، وبصفة كونه الرجل الذي تحتمي الرقابة في شخصه - إذا ما لجأت إليه أطلب منه أن يخفف من هذه الرقابة وأن يجعل شأنها في مصر مقصورا علي ما تقضي به المادة السابعة من المعاهدة ، فإنني أؤكد له صادقا مخلصا أني أطلبه لمصلحة الحكومة أولا وبالذات، لحسن ظن الناس بالحكومة أولا وبالذات، ولثقة الناس بها أولا وبالذات. أما مسألة القضاء أو الموظفين وغيرهم مما يتصل بالحكم فيوم يشطبها الرقيب، ويتداول الناس أن الرقيب شطبها، فلا شبهة في أن نفوس الناس تعتريها الريبة. حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا ( رئيس مجلس الوزراء): ليسمح لي حضرة الشيخ المحترم أن أكرر مرة ثانية وثالثة أن الحكومة لا مصلحة لها غير مصلحة الشعب الذي تخدمه، وليسمح لي أن أقول أيضا إنه إذا وقعت أخطاء مما ذكر أمس واليوم فإنها ترجع إلي سوء تقدير شخصي من الرقيب، ولا يمكن أن يكون ذلك معبرا عن سياسة الحكومة - وأظن أن هذا يسر حضرة الشيخ المحترم - لأن سياستها هي الحرية المطلقة إلا فيما هو ضروري لسلامة البلاد (تصفيق). حضرة الشيخ المحترم الدكتور محمد حسين هيكل باشا: أؤكد لحضراتكم أني لا أشك لحظة في أن رفعة رئيس مجلس الوزراء وزملائه يتوخون المصلحة العامة تمام التوخي كما يفهمونها، ولا أظن رفعته يشك أيضا لحظة في أن جميع الوزارات الي تولت الحكم كانت أيضا تتوخي المصلحة العامة كما تفهمها، فنحن جميعا مطمئنون كل الاطمئنان إلي أن كل مصري يؤمن بمصر، ويرفع مصر، ويجعل - لا أقول جهده وحده- بل حياته وقفا علي مصلحة مصر، ورفعته في مقدمة هؤلاء، هذا لا أشك فيه. حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا ( رئيس مجلس الوزراء): أنا شاكر. حضرة الشيخ المحترم الدكتور محمد حسين هيكل باشا: ولكن الذي أقرره أننا نختلف في أين المصلحة ، وإن من الخير لكل بلد في العالم أن يبدو هذا التقدير ، وإن احتكاك الآراء هو الذي ينير السبيل، فأنا حين أختلف مع زميلي الأستاذ «يوسف الجندي» أو مع رفعة رئيس مجلس الوزراء أو مع زميلي الأستاذ « عباس الجمل» ليس معني هذا أن أحدنا أقل تقديرا لمصلحة الوطن، ولكن معني هذا الاختلاف أننا جميعا نتناقش، وقد نشتد أحيانا، وتأخذنا الحدة في المناقشة ، ولكن رائدنا جميعا هو أننا نلتقي عند نقطة واحدة، هي خير الوطن ومصلحته. وإذا كانت الصحافة قد اقتتلت قتالا من سنة 1919 إلي الآن، مع هذا فقد حمدنا لها مغبة نضالها، ولمسنا خيره ، فإن هذا القتال وهذا الجهاد هو الذي وجه البلد وخدمه.. وكثير من الوزراء، وكثير من الشيوخ والنواب قد جرت أقلامهم في الصحف بمقالات وأحاديث وتصريحات وبيانات خدمة للبلد، ونحن الآن نقول: أما ورفعة رئيس الحكومة يتفق معنا علي أننا إذ ننقذ إنما نريد المصلحة، ونريد أن نخدم هذا البلد، وإن هذه الكلمة التي قالها اليوم هنا، والتي قالها في مجلس النواب ردا علي رفعة «محمد محمود باشا» عند عرض مرسوم الأحكام العرفية، والتي قالها أيضا بالأمس، هذه الكلمة هي أنه يؤمن بالحرية وأنه يريد رفعة منار الحرية، هذه الكلمة نريدها حقيقة واقعة، حتي إذا ما أخطأ الرقباء كان خطؤهم في ناحية الحرية، لا في ناحية القضاء علي الحرية (تصفيق). حضرة الشيخ المحترم وهيب دوس بك: حضرات الشيوخ المحترمين: الأمر الذي تنظرونه من أمس يستحق العناية التي أوليتموه إياها، ولا نزاع في أن مجلس الشيوخ سيسجل بقراره الذي يصل إليه بعد هذا العناء أمرا يستحق الثناء، ويوازي هذه المشقة، وكم كنت أود أن الوقت الثمين الذي صرف في المناقشات يخصص في مسائل الخلاف، ولا يضيع علينا الوقت في بيان مزايا الصحافة وفوائدها، فمن منا ينكر هذا؟ حضرة الشيخ المحترم الدكتور محمد حسين هيكل باشا: كثيرون. حضرة الشيخ المحترم وهيب دوس بك: ومن الذي يقول: إن حرية الصحافة معناها الإباحية، فلو أني أملك من الأمر شيئا يزيد علي العتب لحاسبت المراقب العام حسابا عسيرا، لأنه، في مقام الفخر، قال إنه في رقابته كان حريصا، وإنه أباح نشر مقالات «الدروشة السياسية» و«بلطجة المهاترة» ، فلو أنني أملك من أمره كثيرا أو قليلا لحاسبته حسابا عسيراً من هذه المنصة، عندما عرض أمر الأحكام العرفية، كان حضرة الشيخ المحترم الأستاذ «يوسف الجندي» يضج من أن لغة الصحافة نزلت إلي درك، وأنه يخشي أن تبيحها الرقابة لفريق دون الآخر.. من منا لم يصبه الشرر، عن قرب أو عن بعد، من تلك اللغة التي تدهورت إليها الصحافة قبل هذه الرقابة؟ فإذا حمدنا الظروف أنها أتاحت ما تكمم به هذه الأفواه التي لم تتعود إلا فاحش القول، وأن تحطم الأقلام التي اعتادت مدي عشرين عاما ألا تكتب إلا بذيئا، فلا يكون لهذه الحرب من أثر عندنا إلا الخير. لماذا تدورون في كلامكم؟ قولوا الواقع: هل الصحافة تألم لأن كلمة «حول سوق القطن» حورت فصارت «سوق القطن»؟ وهل الصحافة تألم لأن حادث تصادم الزورقين لم ينشر فيها ؟ فماذا يهم من ذلك ، ومن ذا الذي يتألم منه؟ هل اشتكي أحد من هذا؟ قولوا الواقع: إنكم تألمون لأن صحافتكم كممت عن التعبيرات التي سبق لكم أن شكوتم من أمثالها.. كم كنت أود من حضرة الأستاذ «يوسف الجندي» عندما ذكر الرقيب أنه منع جريدتي «الدستور» و«الوفد المصري» من الاستمرار في المهاترة بشأن استقالة حضرة الشيخ المحترم الأستاذ «حسن عبدالقادر» من الهيئة الوفدية، أن يقوم ويقول نعم إن الرقابة في هذا أدت واجبا، لكن ظهر أنه توسط وطلب من الرقابة أن تبيح نشر هذه المهاترة في جريدة أخري، كما أبيح نشرها في غيرها من قبل، أي أنه كما أبيح لفريق يجب أن يباح لفريق آخر، ولو كان النشر مهاترة ، ودروشة سياسية وبلطجة. حضرة الشيخ المحترم الأستاذ يوسف أحمد الجندي: ليس الأمر مهاترة وبلطجة. حضرة الشيخ المحترم وهيب دوس بك: ليس كذلك ، وأي شيء يكون هذا الشعر: «تعالي الله ، ياسلم بن عمرو/ أذل الحرص أعناق الرجال»؟ فماذا كانت المناسبة لذكر هذا الشعر؟ إن معناه صراحة أن حضرة الشيخ المحترم الأستاذ «حسن عبدالقادر» يتملق رجال الحكم عندما استقال، ويكون الحرص هو الذي دفعه للاستقالة.. وبعد أن منع نشر مقال المهاترة عن هذا الحادث ، ذكر بيت الشعر وحده، وأرادوا منا أن نفهمه علي معناه القديم، ولكن هذا لا يجوز.. قولوا ما تريدونه صراحة. حضرة الشيخ المحترم الأستاذ يوسف أحمد الجندي: إن حضرة الشيخ المحترم الأستاذ «حسن عبدالقادر» لما قدم استقالته من الهيئة الوفدية عزاها إلي أمور نسبها إلي بعض أعضاء هذه الهيئة. حضرة الشيخ المحترم وهيب دوس بك: لا يجوز الكلام في التفصيل وحضرة الشيخ المحترم غير موجود. وعندما قال الرقيب إنه بناء علي ملاحظة حضرة الأستاذ «يوسف الجندي» للرقابة بقوله: كيف تمنعون فريقا من النشر وقد ابحتم للآخرين الخوض في الموضوع؟ فزع الأستاذ «يوسف الجندي»، وإن كنت أنا قد سررت من أن زميلا لنا ينبه الرقيب إلي الإهمال في واجبه. من منا لم يشعر بالحاجة الشديدة إلي أن تكون الصحف علي حال غير ما ألفناها عليه منذ عشرين عاما.. كان حضرة الشيخ المحترم الدكتور «هيكل باشا» لبقاً عندما قال: إن بيان الرقيب غطي الرقيب وكشف الحكومة.. وأنا أريد أن أعقب مستعيرا تعبيره، فأقول إن هذا الاستجواب لسوء الحظ كشف الصحافة أضعاف أضعاف ما يخطر علي البال، من أن بيان الرقيب كشف الحكومة، فهل بلغ الفقر من رجال الصحافة أنهم يضجون من تحوير كلمة «حول سوق القطن» لتصبح «سوق القطن»؟ تصدر في البلاد التي يتمثلون بها أمهات الجرائد، فتصدر في أربع وستين صفحة، أو في ثمان وأربعين، أو في اثنتين وثلاثين صفحة، وهي بلاد تقولون إنها تعاني أرزاء الحرب، وإنها تحت رقابة شديدة، فالمواد التي حذفت عندهم وجدوا ما يحل محلها من غير ما شكوي، وملئت صفحاتها العدة، أما عندنا، وصفحات جرائدنا محدودة العدد، فإنها تضيق برفع خبر في ثلاثة أسطر كخبر تصادم الزورقين، إذا صح أن الحكمة في الحذف لم تتوفر في هذه الحالة- فهذا لا يمنع أن القاعدة صحيحة، فمن منا يجهل أن حكمة التشريع والتقنين ترجع دائما إلي أسباب قد لا تتوفر في حادثة ولا في عشر حوادث، ومع ذلك فهي تطبق؟ قال الرقيب لنا إن سبب منع ذكر تصادم الزورقين هو أن تعليمات صدرت بعدم ذكر اسماء العسكريين والبحريين من درجة معينة لغرض عسكري، هذا صحيح ومن منا لا يقر هذه القاعدة؟ فإذا تصادف أن هذا كان مرتبطا بأمر تافه امتنعت الحكمة، ولكن هذا لا يمنع التطبيق، فإن القاضي لا يرجع إلي حكمة التشريع حين يحكم ، وإنما يأخذ بنص القانون أصم، إلا إذا احتاج الأمر لبحث الحكمة من التشريع.. أمر الرقيب ألا يذكر العسكريون بخير أو بشر حتي لا تتسرب أخبارهم إلي الخارج، وارتاب الرقيب في كلمة أثارت الابتسام فحذفها، وكان يصح له في حذفها أن يرجع إلي الرقيب العام فقد يبيح نشرها، ولكن في الواقع ليس هذا هو ما نشكو منه في الصحافة التي كشفها هذا الاستجواب في تعليقها في المناسبات علي آي القرآن وعلي الحكم، كتعليقها علي «تعالي الله، ياسلم بن عمرو/ أذل الحرص أعناق الرجال». هذه مصيبة من الصحافة التي ترضي لنفسها أن تكون في هذا المركز، وتشغل من وقتنا في البحث عن حريتها هذه الساعات الطويلة، وكان يجب أن يعلم رجالها أن ما تستلزمه الرقابة العسكرية والأحوال الحاضرة هو أن تخلو جرائدهم من المهاترة، وإذ خلت من أخبار أمثال «حول سوق القطن» و«تصادم زورقين» فإن في الثقافة العامة والأخبار متسعا لكتابها، وعلي صاحب الصحيفة أن يكون مستعدا لكل الطوارئ. سمعت البارحة استشهادا بالاستجواب الذي قدمه «المسيو بلوم» هذا صحيح ، ولكن لا تقولوا «لا تقربوا الصلاة» فقط، لأن في هذا شرا، بل قولوا «وأنتم سكاري» ماذا عمل «المسيو بلوم» ، وقد كان رئيسا للوزارة ورئيسا للأحزاب الاشتراكية في فرنسا؟ لقد جاء في برقيات صحيفة «الأهرام» بالأمس - 18 مارس 1940- بالأمس قرار اتخذه المجلس علي إثر الاستجواب بأنه كيفما اتجهت التيارات بمجلس النواب الفرنسي يجب أن يكون هدفها واحدا وهو بقاء وزارة «مسيو دلادييه» إلي أن تنتهي الحرب، ومن الذي يقول بهذا؟ يقول به رئيس أحزاب المعارضة وفي فرنسا التي لا تستقر فيها وزارة في مناصبها أسبوعا حتي تتزلزل مقاعدها. حضرة الشيخ المحترم الأستاذ يوسف أحمد الجندي: لسنا في معرض الكلام عن بقاء الوزارة أو عدم بقائها. حضرة الشيخ المحترم وهيب دوس بك: هذا الذي أسوقه إليكم يؤدي بي إلي اعتراض حضرة الشيخ المحترم الأستاذ «يوسف أحمد الجندي»! الرئيس: ( محمد محمود خليل بك): أرجو ألا يوجه الكلام إلي زميل. حضرة الشيخ المحترم وهيب دوس بك: اطلعت أخيرا في الصحف الإنجليزية فوجدت في صورة صغيرة لميدان الطرف الأغر-وهو كما تعلمون من أكبر ميادين «لندره» - أن خط الدفاع الرابع بعد خطوط الدفاع الثلاثة - وهي البحرية والجيش وسلاح الطيران- هو «Save for victory» وترجمته: وفر للدفاع، لأن الدفاع يستلزم التوفير، ولأن الحرب لا يشترك فيها الجندي المحارب فقط بل يشترك فيها أفراد الأمة جميعا، وليس هذا جديدا، فقد ذكر القائد «ولنجتن» قاهر «نابليون» منذ قرن ونصف القرن أنه كسب «معركة ووترلو» علي ملاعب الجامعات لا في ساحة القتال، مشيرا بهذا إلي أن الأمة من وراء الجيش هي التي يترتب علي كيانها النجاح أو الخذلان. من قرن ونصف القرن كان هذا رأي «ولنجتن»، أما اليوم فاسمعوا: ألم يأتيكم نبأ إحدي الوزارات في ألمانيا، بل أهمها هي «وزارة الدعاية»؟ فإن من وظيفتها الفت في عضد الشعوب، سواء من المحاربين أو المحايدين، فمن الذي يقول بما قال به الدكتور «هيكل باشا» والأستاذ «يوسف الجندي» من أن الضرورات العسكرية هي التي تتعلق بحركات الجيوش فقط؟ إن الحالة الحربية تتصل بي وبك وبنا معشر الشيوخ بحكم مركزنا وإن كنا تجاوزنا السن العسكرية. حضرة الشيخ المحترم الأستاذ يوسف أحمد الجندي: وهل تتصل بالبنك المركزي وبكهربة خزان أسوان ونقابات العمال؟ حضرة الشيخ المحترم وهيب دوس بك: نسلم أنه وقع خطأ، ولكن ضعوا المسألة في وضعها الصحيح، فهل في انتقال الجيش من «منقباد» إلي «أسوان خطر»؟ إليكم مثلا آخر- قد لا يرضي الحكومة - وهو عودة صاحبي المعالي الأستاذ «إبراهيم عبدالهادي» «ووزير المعارف» ( 2) من أسيوط، إن ضرورة الحرب تستلزم أن ما ينشر يجب ألا يؤدي معناه إلي الزعزعة، والقول بعودة الوزيرين قبل وصول رفعة رئيس الوزراء يفهم منه أن هناك خلافا بين الوزراء السعديين (3) وزملائهم ، قولوا ذلك صراحة، وهذا ما يجب أن يضرب عليه بيد من حديد. إن الصحافة التي ننعي عليها هي التي سجلت عليها الأحكام خروجها عن حرية النشر حتي إن ذوق الناس قد مات من كثرة الشتائم، وما استعملته الصحف من ألفاظ السباب جعلهم يألفون قراءة التعبيرات النابية فأصبحت من الأمور السائغة حتي إن من يحاكم علي كلمة «قليل الأدب» لا يري الناس جريمة فيما ارتكب لأن ما يقال في حق الزعماء وكبار الرجال أشد وأقذع من ذلك، ولقد سجلت المحاكم علي صحافتنا أن فاحش التعبير لا يعتبر طعنا لأنه لا يخدش ناموسا تبلد من تكرار وقعه عليه. قولوا إنكم تريدون فتح الباب للمهاترات، فإذا كان هذا فأرجو أن يصدر المجلس قرارا - لا مراعاة لعقد رفعة «علي ماهر باشا» الذي يشير إليه الدكتور «محمد حسين هيكل باشا» - بل صيانة للمصالح أولا وانتهازا للفرصة بتقويم الأقلام بزيادة الرقابة في هذا السبيل لا بتخفيفها. أشار الأستاذ «يوسف أحمد الجندي» إلي مسألة البنك المركزي وكهربة خزان أسوان اعتقادا منه بأنها نقطة ضعف. أنا لست رقيبا ولا مسئولا عن الرقابة، وصاحب الشأن سلم لكم كثيرا، ولكن ذكر خزان أسوان وكهربته يثير ذكري المقالات الطنانة التي تبودلت بين وزراء ووزراء، وأثارت غبارا أصاب أكبر الرؤوس في البلاد ممن نحرص علي مقامهم (4)، ماذا يفيد الأستاذ «يوسف الجندي» من طلب الإسراع في كهربة الخزان، والمسألة فنية تحتاج المهندس والكهربائي وغيرهما من الفنيين؟ ماذا يفيده إلا إعادة الذكريات التي كان أولي بنا أن نسعي جميعا إلي قبرها؟ هل نسينا اتهام الوزير لزميله الوزير؟ وهل نسينا تلك المقالات التي استمرت أربعة أشهر فأذت آذاننا ووقرت اسماعنا بما كانت تلقي من التهم التي يجب أن تعف الأقلام عن الخوض فيها بالنسبة لأفراد الناس؟ فما بالك إذا وجهت إلي وزراء كانوا بالأمس يحكمون البلد متآزرين علي حق أو باطل؟ ما الذي يهم رجل الشارع أن يعرف من تفصيلات الأمر؟ حضرة الشيخ المحترم الأستاذ يوسف أحمد الجندي : هذا كثير منك. حضرة الشيخ المحترم وهيب دوس بك: لم أكن صحفيا. حضرة الشيخ المحترم الدكتور محمد حسين هيكل باشا: هل إذا رفعت الأحكام العرفية تريد إبقاء الرقابة علي الصحف؟ حضرة الشيخ المحترم وهيب دوس بك: لو أمكن. حضرة الشيخ المحترم الدكتور محمد حسين هيكل باشا: في هذا مخالفة للدستور ( قال هذا القول ضاحكا). حضرة الشيخ المحترم وهيب دوس بك - ضحك الدكتور « محمد حسين هيكل باشا» لا يغير الموقف، اني لا أنسي أن هذه الصحافة التي جاهدت في سبيل الحرية هي التي ترافعنا عنها أنا والأستاذ الكبير إبراهيم الهلباوي بك (5) لما كان الدكتور هيكل باشا مشتغلا بها (6) وكم كابدنا من المشقات في سبيل تخفيف تفسير هذه التعبيرات. لماذا تطلبون من الرقباء ما لا تطلبونه من جهات الحكم الأخري؟ إذا كانت لك مصلحة لدي مهندس ري بحري فهل تستطيع قضاءها إذا ذهبت إلي مهندس ري قبلي؟ إن لكل مهندس عقليته الخاصة، قالوا إن الخبر الذي منع نشره في جريدة ما سمح بنشره في جريدة أخري، إذن لم تكن هناك تعليمات بل هناك اختلاف في الفهم، إن القانون الذي يحكمنا في أرواحنا وأموالنا تختلف المحاكم في تفسيره: فبعض المحاكم يقضي علي معني وبعضها يقضي علي معني آخر - لماذا هذا الضجيج؟ لقد قال رفعة رئيس مجلس الوزراء إنه لم تصله شكوي، فلم لم تقدم الشكاوي لرفعته؟ كان الأستاذ «عباس الجمل» محتدا للدستور في أول الأمر ولم أكن أفهمه ولكني فهمته فيما بعد، قال إن هذا الاستجواب يقصد به الاحتيال علي الدستور بنشر مقالات منع الرقيب نشرها، وقد نشر شيء منها فعلا لماذا لم يتوجه أحد بشكوي الرقيب للرياسة؟ ولم لم يتوجه لمقابلة الرقيب الدكتور «محمود عزمي» نفسه؟ هل كان الرقيب في غرفة من زجاج أو كان باب الرياسة مقفلا؟ لماذا لم يقابل حضرة الشيخ المحترم «انطون الجميل بك» رفعة رئيس الوزراء - وله مكانته لديه - ويشكو إليه الرقيب؟ (حضر حضرتا صاحبي المعالي محمود فهمي النقراشي باشا وزير المعارف العمومية ومحمود غالب باشا وزير المواصلات).اسمعوا حضراتكم، قالوا إنه كان من اللازم نشر خبر الدبابة التي وقعت في الحفرة، وقال الرقيب إن منع نشر الخبر كان لظرف معين تنفيذا للتعليمات التي صدرت إليه، وما الذي يضير الجمهور من عدم علمه بهذا الخبر؟ وما الذي ينقص من حرية الصحافة إذا لم ينشر؟ وماذا يضير الرأي العام ألا يقرأ « تعالي الله، يا سلم بن عمرو/ أذل الحرص أعناق الرجال» بعد أن قيل هذا البيت بألف عام وورد في كتب الأدب التي يقرأها الأطفال في المدارس؟ إن الغرض من الرقابة أن تمنع التشكك في حسن آداة الحكم ولو كان عليها اعتراض، هذا من مستلزمات الحرب، هذا خط الدفاع الرابع. أما عن «البنك المركزي» فسأقول في مجلس الشيوخ، وعلي رأس من أحرجني بالقول التبعة: إن البنك الأهلي مؤسسة تقوم عليها الآن بحكم مركزها مالية البلاد، فإذا طرح علي حضراتكم أمر امتداد أجلها قبل ذلك بثماني سنوات، ولها ما يزيد علي 30 مليونا من الجنيهات لدي مصريين وتحتاج لمثل هذا الوقت لجمعها من المدينين، فإذا علمت أن امتيازها لا يجدد اضطرت إلي قبض يدها عن معاملات جديدة وسعت في الحصول علي مالها عند الناس، إذا علمتم هذا فهمتم أن الذي يحرص علي مصلحة البلاد يريد أن يدفع هذا الشر المستطير شر جمع ثلاثين مليونا من الجنيهات من كبراء البلد، وهذه كارثة لا يمكن أن تقدر نتائجها. هل من مصلحة أحد أن يعطي هذا التفصيل بأرقامه وأسماء المدينين في الوقت الذي لم نستعد فيه للقيام بالمأموريات التي تحتاج إليها الثقة المالية الكبري التي جناها البنك الأهلي من ماليته؟