رغم ما نحن فيه من ارتباك وفوضي، وحالة من الترقب المريب فيما سوف تسفر عنه انتخابات الرئاسة، إلا أن السينما لاتزال تمثل عند البعض، متعة لا سبيل لمقاومتها، والمدهش أن يحقق فيلم "المصلحة" في اول اسبوع لعرضه، ما يزيد علي أربعة ملايين جنيه، رغم أن طلبة المدارس والجامعات يستعدون للامتحانات النهائية، والشعب المصري مشغول ومحاصر بالدعايات الانتخابية، وما يتبعها من برامج فضائية! وهي ظروف ممكن أن تكون سببا وجيها لفشل اي فيلم يعرض الآن، ولكن عكس كل التوقعات كان الإقبال علي مشاهدته مثيرا للعجب! وهذا في حد ذاته بداية لان نفكر بشكل اكثر موضوعية، في تصنيفات المواسم السينمائية، فقد عشنا دهرا، نعتقد أن موسم الصيف هو الضمان الوحيد والحتمي لنجاح الأفلام، ولكن هذا الاعتقاد قد تم نسفه تماما، بنجاح بعض الأفلام التي عرضت ولاقت اقبالا خارج هذا الموسم أو غيره من المواسم التي وصفناها بالسخونة! السقا وعز بغض النظر علي أنك يمكن أن تختلف مع الصورة المثالية التي قدمها فيلم «المصلحة» عن رجال الشرطة، حتي تكاد تعتقد انه من إنتاج وزارة الداخلية لتحسين صورة رجالها أمام الشعب المصري! فإنك وبلا شك سوف تستمتع بالمستوي الفني والتنافس بين بطليه أحمد السقا وأحمد عز، إذا كنت تشجع اللعبة الحلوة، حتي لو جاءت من الفريق المنافس، فأنت لن تخرج من الفيلم محبطا، إلا إذا كنت تبحث عن سبب للاحباط! - معك حق فأنت غاضب مثلنا جميعا مما وصلت إليه العلاقة بين، المواطن المصري، ورجل الشرطة خلال الثلاثين عاما الماضية، حتي ان المواطن اصبح يقبل أن يسرق منزله أو يتعرض لاي حادث إجرامي، ولكنه يرفض أن يلجأ لقسم الشرطة، الذي أصبح يمثل لدي البعض قلعة لإهانة كرامته، وتجريده من إنسانيته، وإذلال أهله، هذا غير الاعتداء عليه جسديا وتعذيبه حتي الموت أحيانا، وتلفيق التهم له! اصبح ضابط الشرطة هو البعبع وأبورجل مسلوخة، الذي نتحاشاه بقدر الامكان، ونستميت حتي لا نقع تحت يديه أو رجليه، وندعو الله صباحاً ومساء كي يجنبنا طلعته البهية، لقد نسينا من زمن، تلك الايام التي كان فيها أي طفل طبيعي يحلم، أن يكون ضابطا حين يكبر، فضابط الشرطة بالنسبة لكثير من المواطنين هو قاتل محترف يرتدي الملابس الميري! وقد زادت الخصومة والفجوة بين المواطن المصري ورجل الشرطة، بعد ماجري وكان في أحداث ثورة يناير، وما تلاها من مواقع ومعارك دامية! سقط فيها مئات من الشهداء من جانب واحد، وفقد المئات نور عيونهم برصاص قناصة الداخلية، ثم ظهر كبيرهم المغيب ليخبرنا، أن معندهمش قناصة، ولاعندهم ضباط توجه الرصاص الي رؤوس وصدور المتظاهرين، ولا عندهم قنابل مسيلة لدماء المصريين! فزادت الفجوة بيننا وبينهم واصبح العداء ظاهرا جليا واضحا وكأنهم جيش من الاعداء أو خصم نتمني هزيمته وانسحاقه! الضابط الوسيم - في أفلام زمان كان من يلعب دور الضابط يتم اختياره بعناية بين اهم نجوم الشاشة قد يكون رشدي أباظة، أحمد رمزي، صلاح ذوالفقار، أحمد مظهر المهم انه كان يمثل النبل والشهامة والجدعنة والذكاء، وفي أي مقارنة بين الضابط والمجرم كنت تنحاز الي صف الضابط، حتي لو كان فريد شوقي! ولكن مع بداية الثمانينات، تغيرت الصورة في الواقع، تماما واصبحت ضبابية كئيبة مشوهة، ولكن قوانين الرقابة حالت دون أن ينتقل الواقع الي السينما، فاكتفي اهلها بتقليص دور الضابط والانتقام منه باسلوب لا يعاقب عليه القانون، فكان رجال الشرطة يأتون في نهاية الفيلم، بعد أن تنتهي احداثه بطريقة تجعل المشاهد يسخر منهم! حتي صار الامر اقرب الي النكتة، ولأن الحديث عن الماضي لا غبار عليه ومسموح به، في كثير من الأحيان، فكانت النتيجة أحد الأفلام البديعة التي تعتبر من اهم ما قدمته السينما المصرية طوال تاريخها الطويل عن ضابط الشرطة، فكان ما قدمه العبقري أحمد زكي في «زوجة رجل مهم»، إخراج محمد خان، ومر الفيلم بسلام لان احداثه كانت تدور في سنوات السبعينات وفي عصر انور السادات، بينما تم انتاج الفيلم في عصر مبارك! ثم تجرأت السينما قليلا وقدمت أفلاما عن جنوح رجل الشرطة وتورطه في عمليات إجرامية، وهو ما شاهدناه في أفلام مثل «تيتو»، وهي فوضي! الانتقام -فيلم «المصلحة» كتب قصته وائل عبدالله واخرجته ساندرا نشأت، ويشارك في بطولته أحمد السقا وأحمد عز وزينة وحنان ترك، وكندة علوش، ويتحرك الفيلم في الاجواء التي يعشقها ابطاله، فهي فرصة لأحمد السقا ليقدم بعض المطاردات التي يستعرض خلالها مهاراته، الحركية، ولكنها هذه المرة مطعمة ومغموسة في حالة انسانية، لابد وان تستوقفك، ولكن مشكلة سيناريو الفيلم، انه لايحمل اي مفاجآت، مما تحتملها هذه النوعية، من أفلام الحركة، فأوراق اللعبة مكشوفة، من البداية، ولابد وان تكون قد تابعتها في عشرات الأفلام المصرية والاجنبية، رجل شرطة شاب، يقتل شقيقه، علي يد شقيق مهرب مخدرات، بس كده! طبعا لابد وأن تتوقع أن يكون الهم الاكبر، لهذا الضابط هو الانتقام من قاتل شقيقه، والقبض علي تاجر المخدرات بالمرة! الجديد الذي يقدمه «المصلحة» هو اماكن تصويره، التي تدور في سيناء لتدعم الصورة الذهنية المقيتة علي أن اهل سيناء لاهم لهم الا تجارة السلاح والمخدرات! وهي صورة يحاولون تحسينها في الواقع ولكن يبدو أن للسينما رأي آخر. المجرم الشاطر - أحمد عز يقدم واحدا من افضل أدواره، "سالم" زعيم عصابة لجلب المخدرات بكميات هائلة، شاب، وسيم، داهية، ثري طبعا، ومكشوف لرجال الشرطة ولكنهم لا يستطيعون القبض عليه نظرا لخطورته وقدرته علي "ملاعبتهم"، وكما أن لكل انسان نقطة ضعفة، فإن نقطة ضعف سالم تكمن في شقيقه الاصغر المدلل، الذي يجلب عليه الكثير من المتاعب، ومنها أوهامه، تورطه في قتل ضابط شاب، هو بالمصادفة شقيق لضابط آخر هو حمزة او أحمد السقا بطل الفيلم، وهنا تتحول الحكاية الي ثأر شخصي، بين الضابط وزعيم العصابة! - يمكن أن تغفر للفيلم المبالغة الشديدة، في تصوير رجال الشرطة كملائكة وحمائم وديعة، لا يأتيهم الباطل من أمامهم أو خلفهم، ولا تخرج العيبة من فم احدهم، عكس ما نعرفه عنهم! ولكن والشهادة لله، أن المشاهد الاخيرة تجعل الحكاية مقبولة، أو علي الاقل تجعلك تبتلعها بنفس راضية، عندما يستل الضابط الشاب "حمزة" مسدسه الميري، ويصوبه الي صدر قاتل شقيقه، حيث تقول في نفسك ايوه كدة ياراجل، هو ده الكلام، انت حا تعمل فيها مثالي! فلو كان ضابط شرطة حقيقيا من اللي إحنا نعرفهم كما نعرف كفوف ايادينا، لفعل نفس الشيء بقلب بارد!ولكن الجديد بقي وحتي تستوي الأمور ويعدي الفيلم علي خير من الرقابة، فإن الضابط القاتل يجتمع في زنزانة واحدة مع تاجر المخدرات فكل منهما خارج علي القانون! طبعا لوكان الامر يحدث خارج الشاشة، لكان الضابط تمت مكافآته علي قتل شخص أعزل، بدلا من أن يقدمه للعدالة، ولكن بما أننا في فيلم وفي زمن مازالت الداخلية تسيطر فيه عي مقدرات الأمور فيجب أن تكون الصورة وردية ويتلقي الضابط القاتل عقابه! نساء الفيلم -المخرجة ساندرا نشأت قدمت مايحلو لها أن تقدمه من مشاهد مثيرة، من مطاردات بالسيارات، واللانشات، وطائرات الهليكوبتر، ولكنها كالعادة لم تكن مسيطرة تماما علي عيوب السيناريو، ومع ذلك فإن أداء أحمد عز، والسقا، جعلت الأمور محتمله، وممتعة في بعض الاحيان، لكني في الحقيقة لا اجد مبررا منطقيا لوجود حنان ترك، او زينة، خاصة أن الاخيرة لا يمكن أن تكون فتاة احلام لرجل عصابات مثل أحمد عز، فوجودها يجعلك تفصل تماما وتشك في ذوق الرجل وكفاءته أيضا!