عندما يجتمع اسمان من نجوم الصف الأول يخيل لنا أننا علي موعد مع مباراه فنيه غير عادية يحاول فيها كل طرف ابراز موهبته اكثر واكثر للتفوق علي الطرف الثاني واكتساب شعبيه اوسع بين جمهور النجم الأخر، وان هبط اداء احدهما قد يعلو اداء الاخر متفوقا عليه، او يهبط بالمثل ويتساوي كل منهم. لم تكن المره الاولي التي يقدم فيها الفنان احمد السقا بطولة مشتركة مع نجم شباك اخر، فقد سبق وقدم فيلم الديلر مع الفنان خالد النبوي الذي فاجأ الجميع بأدائه، وفيلم إبراهيم الأبيض مع محمود عبد العزيز وعمرو واكد وهند صبري، والان يقدم السقا ثنائية جديدة مع أحمد عز في فيلم المصلحة، والحق يقال الفيلم ليس ثنائية بين عز والسقا ولكنه مثلث يكمل ضلعه الثالث المخرجة ساندرا نشأت وهي من المخرجات القليلات في السينما المصرية التي تمتلك أسلوبا فنيا خاصا بصرف النظر عن تقييمنا لمستواه او شكله او حتي تكراره في اكثر من عمل. والمثير في هذه التجربة السينمائية ان "عز والسقا" يتميز كل منهما بتقديمه لنوعية افلام الاكشن مما يجعل المقارنة بينهما اسهل ، والاختلاف الذي قد يفصل بينهما هو عدد التجارب التي قدمتها ساندرا نشأت مع أحمد عز، بخلاف السقا الذي تتعاون معه ساندرا لأول مره في المصلحة، فهي استهلكت في اعمالها السابقة موهبة أحمد عز وجمدت أداءه عند حدود قدرتها في استخراج طاقته التمثيليه، وقد يشترك معها عز في انحصار موهبته، فهو لم يعط الفرصة لنفسه او لأي مخرج أخر ان يعيد اكتشافه من جديد، اما مع السقا فلم تبذل ساندرا أي جهد في تمكينه من الشخصية وهي لا تختلف كثيراً عما قدمه في أفلامه السابقة، بل ارتفعت نبرته العدوانية وتضاعف انفعاله بالشخصية وبالأحداث وأغلق أي منفذ لاعادة استثمار موهبته كفنان يمكن ان يقدم نفس الشخصية ولكن برؤي متعددة، فعندما تشاهد اداء السقا في المصلحة في شخصية ضابط الشرطة لن تشعر باختلاف عندما تشاهد نفس الانفعال في فيلم ابراهيم الابيض مثلاً وهو يجسد دور البلطجي. المصلحة فيلم سينما بالمعني المتعارف عليه بين الجمهور، او فيلم شبابي او جماهيري او أي كانت المصطلحات التي تطلق علي هذه النوعية من افلام "الازازه" ،التي تحوي اسم نجم وشوية أكشن علي كام "افيه"، لكنه علي أي حال قد يضيف روح أكثر حيويه الي الاعمال المعروضه حالياً في دور العرض التي تململ منها الجمهور علي مدار الشهور الماضية. الفيلم صورت معظم احداثه قبل الثورة، أو هكذا يمكننا ان نستنتج من صور المخلوع المعلقة خلف مكتب كل الضباط ، وحتي لا يتهم البعض الفيلم أنه يغازل جهاز الشرطة بشكل واضح من اول جملة في حوار أحمد عز تاجر المخدرات، حيث يدبر مذبحه لقوات الشرطة عندما تهاجم أرضه "لتقف الداخلية عند حدها" ،يكشف لنا الفيلم ان الاحداث مستوحاه من قصه واقعيه ، يخرج بها الفيلم من دائرة الشبهات التي وصلت الي حد سخرية البعض منه انه فيلم من انتاج وزارة الداخلية ،ورغم ان الاحداث لا تحمل أي تهمه للداخليه علي العكس فهو يقدم ضباط الشرطة من منظور قد يكون موجود فعلا عند البعض منهم او عند قطاع محدد يستحق الاحترام ولكن ما اسقط هذا الاحتمال هو تزايد نبره المغالاه في تهذيب صورة الداخلية التي قدمها الفيلم بشكل "مفضوح" ،خصوصاً في مشهد الصلاة الجماعية التي اقامتها قوات الشرطة قبل ان تتوجه الي مواجهة عصابة "سالم" تاجر المخدرات، بالاضافة الي صورة عمد الفيلم علي بروزتها لحياة الضابط الاجتماعية والتضحيات التي يقدمها من اجل عمله والثمن الذي يدفعه وقد يكون من دمه في سبيل هذا الواجب، حتي يشعر المشاهد بواجب نحو رجل الشرطة الذي يطوقه بجميل في عنقه، كل هذا في الثلث الاول من الفيلم والذي لا يصمد مع تتابع الاحداث التي تتحول "كما هي عادت الافلام المصرية" من العام الي الخاص ، ويتراجع الصراع بين الابطال الي نزاع شخصي ضاعف من توتر المشاهد وتعاطفه مع شخصية الضابط، الذي فقد أخيه الاصغر علي يد اخو تاجر المخدرات، فتحول الصراع من أجل الواجب العام الي صراع شخصي من أجل الثأر، فيما تبدا الاحداث بمهاجمة الشرطة لأرض سالم تاجر المخدرات " أحمد عز " ومحاولتها المستمره في القبض عليه ، تنجرف الاحداث الي قتل شقيق سالم لاحد ضباط الشرطة في كمين علي طريق جنوبسيناء عندما كان يحاول الهرب وبحوزته مخدرات، ويحكم عليه بالاعدام الا ان سطوة اخيه الوحيد تنقض علي حراسة الشرطة ويقوم بتهريبه واخفاءه،فيلجأ "حمزة" الضابط الاخر أخو القتيل الي البحث عنه للثأر منه بنفسه ، ويبدأ بملاحقة سالم اخو القاتل، لينتصر عليه الضابط حمزة "كما تعودنا في الافلام المصرية " ولا يكتفي بالقبض عليه وعلي اخيه بل يقوم بقتله قبل تنفيذ حكم الاعدام فيه. ايقاع الفيلم يعزف منذ البداية علي نغمة واحدة وهي العنف مقابل العنف، ولم يكتف السيناريو بتعنيف ملامح الشخصيات ،لكن المخرجة نقلته لنا في سباق اللقطات المتتالية التي تخطف المشاهد من حدث الي اخر دون ان يلتقط انفاسه ودون ان يدرك دلالة الحديث السريع لابطال الفيلم وكأنهم يسكبون الحوار علينا من الشاشة للتخلص منه،ثم نعود ليهبط بنا الايقاع مره اخري في الثلث الأخير من الفيلم ،مع تسطيح دور الشخصيات النسائية، التي لا تشتبك في الصراع الا بشكل هزلي ، ثلاثة شخصيات نسائية كل واحدة منهن تسير في اتجاه يقودنا للا شيء، شخصية شادية " زينه" التي يحبها "سالم" لكنه يحاول ان ينساها بسبب علاقتها بأخيه الصغير،ثم يأخذها الي منزله بعد حادثه اخيه وعندما يكتشف علاقتها غير الشرعية بأخيه يطردها، فهي مجرد سحابة تمر علي الحدث وتختفي دون ان ندرك مدي اهميتها الحقيقية في حياة سالم الذي يستغل ايضا زوجته اللبنانية "كنده علوش" في الايقاع بزوجة الضابط "حنان ترك" ودس المخدرات لها، ولكنها تنجو من المكيدة، ولا نعرف لماذا حيكت لها غير ان تبقي مجرد عقبه امام وصول "حمزة" الي مبتغاه. فيلم "المصلحة" قد ينعش ايرادات شباك التذاكر بعد ان شهد انخفاضا كبيرا خلال الأشهر الماضية، وسواء اختلفنا او اتفقنا حول نوايا صناعه، لن نختلف حول ضرورة تواجد مثل هذه النوعية من الاعمال التي تحفظ ميزان صناعة السينما الذي اختل في الفترة الاخيرة مع سيادة افلام "المقاولات" علي سوق السينما في مصر. Comment *