صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب كتاب "سيرة القاهرة" للمستشرق الانجليزي ستانلي لين بول، وقام بترجمته إلي اللغة العربية كل من الدكتور حسن إبراهيم حسن، والدكتور علي إبراهيم حسن والأستاذ ادوار حليم . وهو يعتبر واحدا من أهم الكتب الكلاسيكية التي صدرت عن القاهرة، ولقد صدرت له أربع طبعات من قبل، الطبعة الأولي صدرت عام 1900، والثانية صدرت عام 1906، والثالثة صدرت عام 1918، والرابعة صدرت عام 1924 . أما عن ستانلي لين بول نفسه، فهو عالم آثار عربية، ولد عام 1854، وتلقي تعليمه أولا في كلية اللاهوت في جامعتي أكسفورد ودبلن، وفي عام 1914 عين أمينا لقسم النقود الأثرية بالمتحف البريطاني، فوضع دليلا عن النقود الشرقية في أربعة عشر مجلدا، وفي عام 1883 أوفدته الحكومة البريطانية في رحلة علمية إلي مصر، فكتب عنها عدة كتب مهمة، نذكر منها صور القاهرة، وكتاب "درسات في مسجد "Studies in a Mosque ؛ وكتاب "الحياة الاجتماعية في مصر Social Life in Egypt وكتاب فن العرب في مصر، وتاريخ مصر في العصور الوسطي، وفي عام 1902 اختتم سلسلة مؤلفاته عن مصر بكتاب "تاريخ القاهرة THE Story of Cairo ؛ وهو الكتاب الذي نعرض له حاليا. ولقد استهل كتابه بهذه العبارة الجميلة ( من لم ير القاهرة لم ير الدنيا، فأرضها تبر ونيلها سحر، ونساؤها حور الجنة في بريق عيونهن . ودورها قصور، ونسيمها عليل كعطر الندا ينعش القلب . وكيف لا تكون القاهرة كذلك، وهي أم الدنيا ؟) . وفي فصل بعنوان "مدينة الفسطاط " فلقد بنيت في عام 641م، ويرجع السبب في تسميتها بالفسطاط إلي أن عمرو بن العاص عندما قاد القوات العربية أقام فسطاطه حول المكان الذي يقع فيه مسجد عمرو بن العاص حاليا، وعندما ذهب الجند ليزيلوا الفسطاط وجد يمامة قد باضت في أعلاه، فأمرهم عمرو بن العاص أن يتركوا الفسطاط حتي تطير الفراخ. وفي عام 751 أضيف إليها ضاحية جديدة بناها أول حاكم مسلم استقل بمصر حوالي عام 860م وهو أحمد بن طولون، وهذه المدينة سميت القطائع لأنها كانت تنقسم إلي أحياء منفصلة كل منها يختص بطبقة معينة، ومن أهم معالم مدينة الفسطاط هو حصن بابليون، وبداخله يوجد مجموعة من الكنائس نذكر منها كنيسة أبي سرجة، وهي المأثور عنها استراحة العائلة المقدسة في مغارتها أثناء رحلة الهروب إلي مصر، وكنيسة المعلقة ولقد سميت بالمعلقة لأنها علقت بين برجين رومانيين، وفي الحديقة توجد مجموعة من شجر النخيل قيل ان السيدة العذراء قد أكلت من ثمارها حين جاءت إلي مصر، وبالقرب من الحصن يقع جامع عمرو بن العاص، وكان أولا عبارة عن غرفة صغيرة مستطيلة طولها نحو 200 قدم وعرضها 56 قدما ثم حدث نوع من الاتساع له عام 673م، ثم أعاد عبد الله بن طاهر بناءه من جديد عام 727م، وعندما احترقت مدينة الفسطاط عام 1168 نجا هذا الجامع من الحريق، كما أعاد تجديده صلاح الدين الأيوبي . الباب التالي من الكتاب بعنوان "مدينة القطائع"، وقد سميت كذلك لأن كل طبقة قطيعة خاصة بها، وهي تمتد من الرميلة الواقعة تحت الجبل إلي مسجد زين العابدين، أما القصر الجديد فقد بني تحت قبة الهواء القديمة، وجعل له حديقة غناء وميدانا فسيحا ، وكانت دار الإمارة جنوبي الجامع العظيم الذي لا يزال قائما حتي الان، وكان للقصر طريق خاص يخرج منه ابن طولون للصلاة، أما الحريم فقد كان لهن قصر منفصل . علي أن الأثر الذي خلد اسم ابن طولون حقا، فهو جامعه الذي بقي وحده من مدينة القطائع بعد أن دهمتها الحرب الأهلية وفعل فيها الإهمال فعله . وهناك شيئان مهمان يميزان هذا المسجد بصفة خاصة، الأول أنه بني من مواد جديدة تماما، وليست من بقايا الكنائس والمعابد القديمة، والثاني أنه أول مسجد بنيت فيه أروقة مدببة الشكل، ويروي لنا المقريزي كيف أن أحمد بن طولون عثر علي كنز في تلال المقطم في مكان يسمي تنور فرعون، وقد واجهت ابن طولون صعوبة في الحصول علي الأعمدة الثلاثمائة التي دعت اليها الحاجة لحمل العقود، غير أن مهندسه - وكان قبطيا - كتب اليه، وكان مسجونا في ذلك الوقت أنه يستطيع بناء المسجد بدون أي أعمدة إلا أعمدة القبلة، فأحضره الأمير وبالفعل بني له المسجد بدون الأعمدة، فكافأه الأمير ابن طولون بمبلغ مائة ألف دينار، ولما أتم البناء أعطاه عشرة آلاف دينار أخري. أما عن مدينة القاهرة نفسها، فمن أشهر معالمها الجامع الأزهر، بناه جوهر الصقلي حيث وضع حجر الأساس في 3 إبريل 970 م، وتم بناؤه في 24 يونية 972م، وفي عام 988 أصبح العلماء يؤمونه من كل جدب وصوب، ومنذ ذلك الوقت أصبح واحدا من أهم الجامعات الإسلامية، يجتمع فيه عدد وفير من الطلاب من جميع بلاد العالم الإسلامي، وكانت مدينة القاهرة مقسمة إلي عشرة أحياء هي: (حارة برجوان، حارة زويلة، حارة الجودرية، حارة الأمراء، حارة الديالمة، حارة الروم، حارة الباطنية، قصر الشوق، عبيد الشراء وحارة المغاربة ) كذلك كان يوجد بها خمسة أبواب هي (باب النصر، باب الفتوح، باب القنطرة، باب زويلة وباب الخليج ) . ومن معالم القاهرة أيضا قلعة صلاح الدين، فلقد استوحي فكرتها من المدن السورية حيث انه توجد لكل مدينة قلعتها الخاصة بها، فتطلع إلي قمة جبل المقطم واتخذها مقر لبناء قلعته، وبدأ في البناء اعتبارا من عام 1167- 1177 تحت إشراف قراقوش، وكان جانبا من البناء تم بواسطة الأسري الأوربيين الذين أسروا في حروب صلاح الدين، ولقد شاهد الرحالة الأندلسي ابن جبير العمل يتم بها علي قدم وساق عندما زار مدينة القاهرة عام 1183، ولم يكتمل بناء القلعة إلا في عام 1207-1208، حينما كان شقيقه الملك الكامل هو الحاكم، ولقد ظلت القلعة الحصن الحصين لكل الحكام الذين تعاقبوا علي مصر حتي عام 1850، والمسجد الأكثر وضوحا ذو المآذن التركية قد بناه محمد علي باشا عام 1824 .