هناك التجسيم "الهالوجرامي" في الفضاء حيث يستطيع المشاهد عن طريق ضفيرة من شعاع الليزر أن يشاهد الصورة معلقة في فضاء صالة العرض وأن يدور حولها ويري تفاصيلها من جميع جوانبها داخل الوسيط الهوائي .. وأري في المقابل الي درجة ما هناك تجربة الفنان عبدالوهاب عبدالمحسن الأخيرة في التصوير عبر الوسيط المائي برسمه لنباتات واعشاب وطحالب البحيرة - بحيرة البرلس - ليستخلص مشهده كما يراه عبر كثافة الماء ودرجات شفافيته المختلفة مع اعتبار ما لخاصية الرؤية عبر السطح المائي من نسبة في تكبير المشهد اونسبة في تغير في نسب أحجامه والوانه وحركته ..ليقدم لنا عبدالمحسن مشهداً طبيعياً سائلاً دائم التحول الذاتي في تكويناته اللامتناهية لأعشاب البحيرة السابحة والمعلقة في الوسيط المائي الثقيل .. لوحات اعشاب ونباتات البحيرة المعلقة والسابحة مع ثبات سوقها تثير دهشة لدي المشاهد حول خاصية الجسد المائي وثقله الدائم الحركة داخل موجاته المحمولة .. كما تثير لوحاته حيرة حول خبرة اعيننا في ادراك الأشياء حولنا التي نراها عبر الوسيط الهوائي او خلال الوسيط المائي والي اي مدي خبرة اجسادنا في الاحتكاك بهذين الوسيطين الأساسيين لبقاء حياتنا يمكن أن يوحيا بفكرة الانبثاق اوالغمر الثقيل والتوالد . . أعتقد ان تجربة الفنان عبدالمحسن فتح بها مدخلاً مهما وحيوياً لدرس تغيرات المشهد المرئي المغمور بالماء وكيفية التعامل وعناصر الضوء واللون والشفافية عبر الوسيط المائي لندرك مروراً بها الي المشهد المغمور بالكامل ليحفز القدرة علي استكشاف العالم من خلال الفن ومثلما الشمس يمكنها ان تدفئ الأرض دون ان تلمسها كذلك الفن والنظريات حول الوسيط المائي الفيزيائية سواء قديمة او حديثة الا ان الفنان يمكنه ان يضيف ابعادا جديدة من خلال التعامل المباشر والتأملي لتحولات النباتات المائية الحية تحت ظروف متغيرة. في لوحات التجربة الأخيرة هذه رسم الفنان نباتات البحيرة المائية الحية المغمورة جذورها او سوقها واوراقها وكذلك الأعشاب المائية والهائمات المتوسلة بوجودها داخل الماء كوسيط حياة مع مراعاة ان رسم الفنان ليس لكيان ثابت يمكن الرجوع اليه لاستكماله من منطقة توقف معينة لأنها ادراكات لحظية ملهمة سواء في حركة كائناتها الحية او ما يحدث للبحيرات من متغيرات "جيومورفولوجية" و"هيدرولوجية" وتأثيرها علي النباتات الاساسية والناشئة من العوالق النباتية والماكروطحلبية والنباتات المغمورة والتنوع البيولوجي ونوعية المياه .. وعلي العكس من هذه الحياة الزخمة الحية الدائمة التغير كان آخر رسم الفنان للبحيرة في لوحات 2005 تصور جفافها وتشققات القاع في مشهد بدا أقرب لانبثاق الأرض عن التفافات ونتوءات جافة في تجمعات أقرب لمشهد تجمعات فضائية وبدت البحيرة ليست الا كفجوة ارضية غطت سطحها بثور جافة لوعاء ليس فيه من وساطة الحياة من شيء الا ما هو كامن غير مرئي .. في تجربة الفنان عبدالوهاب عبدالمحسن الاخيرة نجد لوحاته تعتمد بشدة علي الحركة .. حركة سطح الوسيط وحركة النبات وحركة الضوء ليبدو في النهاية كالقابض علي ماتحت السطح الثقيل باختراقه بصريا في حركته التي هي دائما تعيد من رسم المشهد ليلتقط من خلال الاهتزاز والحركة قواماً نباتياً حياً متحركاً دائم التحول مع دفع الماء الداخلي ليجمع الفنان اكثر من اتجاه حركة ربما بما يوحي بشعور تشريحي .. كما ان نباتاته وتجمعاته العشبية هي قراءة مجازية لحياة داخل وسيط مائي .. وهناك أيضاً أبعاد نفسية تؤثر فينا لصورة الماء من اهمها فكرة النماء .. كما ان الفنان قدم خلال لوحاته ومن زاوية نظرة عين الطائر المشهد تحت المائي موسعا بطريقة مرنة مما يثير الاهتمام لإيجاد موطئ بصري جديد يتغير مع اقل حركة حيث لا يبدو شيء كما هو عبر ذلك الحقل الأفقي النابض بالحياة وبتيارالظلال المتحركة وطبقات الاعتام ودرجات الضوء او التوهج .. وفي الغالب هناك في لوحاته مراسلات ذهنية بين تماسات الوسيطين الهوائي والمائي بتذبذبات تلاقيهما اعلي السطح وقدر تاثيره علي الداخل .. الخط في اللوحات هو اساس الحركة واتجاهها وتكثيف الرؤية داخلها حتي ان هذه التكثيفات تبدو كالتكثيفات الرملية التي نسميها كثباناً رملية صحراوية .. ومع اي حركة لرياح الصحراء يعاد تشكلها في اشكال جديدة .. كذلك مع اي حركة موجية اوذبذبية داخل الماء ىُعاد تشكل المشهد العشبي الدقيق من جديد.. وقد تبدو أيضاً زاوية جانبية لعمق البحيرة بأعشابها كحقول قمح.. كما ان توزيعات الضوء داخل عمق الماء يوحي بتوجه الحركة ..ومن المثير ان انعكاسات الضوء في قاع البحيرة يكشف عن ذبدبات السطح الدائم كأنه كائن حي يتنفس وليبدو كدوائر ذهبية أو ككثبان ضوء متحركة.. فقاع البحيرة في لوحات عبدالمحسن كنباتات البحيرة هو ايضاً يتنفس .. الفنان قرر ان يسمي مرحلته هذه " المرايا " وهذا المسمي اراه بعيداً عن عمل اللوحة فالرؤية عبر الماء ليست عاكسة كعمل المرايا .. لكن الفنان يخترق سطح الماء الي الداخل ليلتقط ما في باطنه بينما المرايا هي انعكاس حاد وصريح لما فوق السطح دون الكشف عن اي عمق في الباطن ..