ترسو مياهه باردة علي عتبات الحافة السكندرية.. تنعش الروح والاجساد كما فتاتي.. اللوحة في غمرة بحر بارد المياه .. هكذا تصورهما وصورهما فنان مصر الرائد محمود سعيد السكندري المولد والممات .. اللوحة عنوانها "السابحات" 1934امامها لا نملك الا محاولة الاصغاء لصوت الموج والاحساس ببرودة المياه المنعشة واشتمام رائحة اليود.. انها مجال خصب لعمل الحواس خاصة وقد عمد محمود سعيد الي ان يجعل انعكاس الضوء بدرجاته فوق سطح المياه كارتداد تلون البحر عن مصدر ضوء كوني ساحر ساقط عبر السماء فوق مياه متموجة.. ولينسجم هذا وشعر الفتاتين المجدول ايضا كأنه يعزف علي نفس النغمة الايقاعية لكن بمزيد من الدندنة الرفيعة في تموج الشعر من اثر الماء ورطوبة المدينة البحرية.. نلاحظ نظرة الفتاة في مقدمة اللوحة ساقطة الي حيث مداعبة الماء البارد لساقيها.. وتبدو النظرة كأن لها اذنين تصيغ السمع الي حوارية تلاقي الماء والساق . وهناك فتاة في المؤخرة تتهادي بجسدها فوق سطح خشبي يهدهده الماء بينما تتلمس الفتاة الأولي طريقها خارج الماء الا اننا نستشعر انهما مغسولتا الجسدين حتي شعرهما بماء البحر وبأن بشرتهما البرونزية لها مذاق الملح الصيفي وملمس الصخر الأملس ورطوبة الجو.. خاصة ولجسديهما لون برونزي صيفي السخونة لجأ اليه الفنان ليعبر به عن تصورنا لقدر احتواء الماء تحت لفحة الشمس لهذين الجسدين.. وليكشف لنا عن قدر التئام البشر والبحر وكيف ان البحر برطوبته وملوحته يفرض قانونه علي عاشقيه حتي انه يخطط لهم خريطته النفسية ولونه الكوني الساخن رغم برودته.. في اللوحة نري ما وراء الشخوص والموج البارد تشكيليا لنستشعر في نبض الفتاتين ونظرتهما وميولة جسديهما واجوائهما الداخلية تلازما ودفع ماء البحر توافق ودفع الدم تحت الجلد كشف عنه تناغم خارجي شمل إيقاع اللوحة فحركة الذراع اليسري لفتاة الخلفية تردد صدي حركة الذراع اليمني لفتاة المقدمة مشكلتين هيئتي مثلثين له ثلاثة اضلاع يتناسب وثلاثية الماء والهواء وسماء بحرية كما امسكتا بطرفي اللوحة عرضياً.. ولتبدو في سهولة المرأة الامامية كحورية تتهادي اثناء خروجها من الداخل الي الخارج كرسالة بحرية رطبة لها غموضها وتمردها وأيضاً لها ديناميتها البصرية وطاقة صدي تواجدها كمعني لطاقة الحياة وحيويتها ..أما الفتاة الي الخلف جلست فوق طوافة خشبية وفصلت بينها وبين الماء بذلك العائق الحائل دون الامتزاج كنموذج لدفع الحياة الحذر.. لذلك بدت اكثر بشرية من حورية الماء في المقدمة في بنائها الجسدي البحري في قوته وجسارته وثقته وجرأته لسابق تعامله مع البحر بذلك الخروج البحري الجزئي الي الارض في غموض يفتن اليقين.. الفنان قدم فتاتين إحداهما تركب الماء والأخري تقتحمه ورغم البساطة في المشهد والتي قد يقال انها تلقائية الا ان هناك حالة انتقاء بين المميز والمعدم وغير العادي والعادي ليقدم لنا محمود سعيد رؤية كامتداد ربما لحريته في التحرك فوق الماء وداخله وتوحد الحميمية بين مادتي الماء والجسد البشري المائي التكوين .فلا يمكننا ان ننظر الي العمل الفني متكاملا علي انه مشهد لفتاتين ومياه بحر بل نراه كإيقاع حياة متحولة لا ندركها تماما لكنها تقترب منا وتلامس ما تحت الجلد وتدعونا لما يمتد صداه وحتي نهاية افق اللوحة.