يعتقد البعض أن نظام النجوم بالطريقة التي نعرفها من سيطرة تامة علي عناصر الفيلم هو اختراع مصري بحت. وقد يتصور الكثيرون منهم أنه مستحدث، فهم يستبعدون مثلا فكرة أن نجومنا القدامي الكبار كانوا يتدخلون في أعمال الفيلم كما يفعل الشباب الحاليون منهم. فالماضي بالتأكيد ولابد أن يكون جميلا دائما عند حضراتهم. ولكن الحقيقة أن نظام النجوم في العالم كله ومنذ وعت عليه السينما يقوم علي الإستبداد ويمنح النجم صلاحيات شبه مطلقة. إن نجمات بحجم ومكانة جوليا روبرتس أو ساندرا بولوك أو ويثرسبورن لا تتحقق مشروعات أفلامهم إلا من خلال حماسهم لها ورضاهن عن كل تفاصيلها. وهن بالطبع حسب ما نقرأ يتدخلن في عمل السيناريو وبالتأكيد يشترطن علي المخرجين بعض الأمور في جلسة صفاء ليضمنوا ألا ظل سوف يعلو فوق ظلهن علي الشاشة. ولكن من المؤكد أن فهم هؤلاء ومعرفتهن بقيمة التخصص واحترام مواهب وخبرات كل فنان في مجاله يضع حدودا للحوار ولمساحات التدخل. ولا تصل الأمور بالطبع إلي السداح مداح كما كنا نري في أفلام نادية الجندي ونبيلة عبيد علي الشاشة الله لا يعيدها. حيث يمكنك أن تعرف من أحجام اللقطات وزوايا الكاميرا ودرجة الإضاءة وإيقاع المشهد وأسلوب الحوار أنك تشاهد فيلما لنجمة الجماهير أو نجمة مصر حتي ولو كان ذلك ضمن أحد المشاهد القليلة التي لا تظهر فيها السيدتان الفاضلتان. شابلن والريحاني لم يكن غريبا علي نجومية شارلي شابلن الطاغية كمخرج وممثل أن يكون صانع أفلامه وصاحب الرأي الأول والأخير فيها خروجا علي عرف هوليوود في ذلك الوقت الذي كان يمنح للمنتج الصلاحيات الكبري. ولا أعتقد أن نجما مثل نجيب الريحاني كان يعلو علي صوته صوت أحد في البلاتوه. فهو لم يكن شريكا في السيناريو فقط مع توأمه الفني بديع خيري ولكن من المؤكد ومن شهاداته هو شخصيا في مذكراته أنه كان يتدخل في كل شيء. وهو السبب الذي ربما أوقف تعاونه مع نيازي مصطفي رغم إبداعه الرائع في فيلمي «سلامة في خير» و«سي عمر» الذي تقبله الريحاني بعد جدل وشجار. وكانت الخلافات بين نجوم شباكنا السينمائي الكبار أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب مع مخرجي افلامهم تملأ صفحاتنا الفنية وتكشف عما يدور في الكواليس من صراع علي السلطة الإبداعية. من المؤكد أن أي نظام في العالم سينمائي أو غير سينمائي يسعي إلي تجديد شبابه وإنتاج أجيال أو كوادر جديدة تحمل الراية وتتولي المسئولية. وإذا كانت أمريكا هي الصانعة الأولي لنظام النجوم إلا أنها أيضا صاحبة المقولة الشائعة التي تحولت إلي أغنية شعبية "كل يوم في أمريكا نجم جديد". قد يستمر بعض النجوم عابرون للازمان مثل داستين هوفمانوروبرت دي نيروولكنها حالات نادرة فكل جيل هناك له نجومه. ولكن الشيء المؤكد الذي احتكرته السينما المصرية هو نظام البقاء الأبدي للنجوم. في نهاية الأربعينات ومطلع الخمسينات كان معظم نجومنا الكبار قد تجاوزوا العقد الخامس وظل هناك إصرار علي أن يبقوا جاثمين علي العرش الملعون. فمن منا كان بإمكانه أن يصدق أن ليلي مراد تلميذة في الابتدائية في فيلم «غزل البنات»، وظل الفنان الكبير عماد حمدي يواصل قيامه بأدوار البطل الحبيب بعد أن تجاوز الستين. وكان منظر شكري سرحان وكمال الشناوي ورشدي اباظة بعد أن بلغوا من العمر أرذله وهم مازالوا يقومون بأدوار الطلبة أو الخريجين الجدد مثيرا للشفقة علي المشاهد طبعا. في منتصف الخمسينات ظهر جيل جديد من الشباب سعي للمنافسة علي عرش النجومية منهم عبدالحليم حافظ وعمر الشريف وأحمد رمزي وحسن يوسف. وعلي الرغم من نجاح هؤلاء إلا أن القدامي ظلوا جاثمين علي سلطة السينماولم يتمكن أن ينتزعها منهم إلا جيل محمود ياسين ونور الشريف وحسين فهمي في مطلع السبعينات. الزعيم الأبدي عرف الجمهور عادل إمام منذ نهاية الستينات وقام ببطولة (مدرسة المشاغبين) أشهر وأنجح مسرحية في تاريخ المسرح الخاص. ولكن أسهمه في السينما كانت متواضعةوظلت تصعد علي مهل طوال عقد السبعينات.ولكن مع نهاية العقد ومطلع الثمانينات كانت الطفرة المفاجئة في إيرادات أفلامه التي صعدت به إلي مكانة النجم السوبر متفوقا علي الجميع. وربما توازي الصعود الصاروخي لعادل إمام برحيل السادات وبداية عهد مبارك.. وسرعان ما تباري المنتجون في إظهار وجوه كوميدية جديدة مثل سمير غانم وسعيد صالح ويونس شلبي ولكنهم جميعا لم يتمكنوا من اللحاق به وإنما أمكن للكوميديا من خلالهم أن تستأثر بنصيب الأسد من الإنتاج السنوي. وكانت النكتة الشائعة في الوسط الفني أنه برحيل السادات صعد الكوميديانات باعتباره كان كوميديان مصر الأول وأن حواراته وخطبه كانت مثيرة للضحك أكثر من أي فيلم أو مسرحية هزلية. في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي كان مستوي الفيلم المصري ينحدر من سيئ إلي أسوأ علي أيدي مجموعة من التجار يحصلون قيمة بيع أفلامهم قبل تصويرها من الموزع الخارجي . ولم يعد يشغلهم مستوي الفيلم أو يحرصوا علي تكامل عناصره أو تطوير تقنياته أو حتي قياس شعبية نجومه، لأن الموزع الخارجي كان يشترط في الغالب أسماء النجوم القدامي الذين يعرفهم الجمهور في الخارج والذين ربما تكون أسهمهم في الداخل قد تراجعت بشدة. وظلت السينما كنوع من الاستسهال تعتمد علي نفس نجومها القدامي مهما تقدم بهم العمر حيث كانت أسمائهم تضمن عائدا متواضعا، ولكنه مضمون ومقبول، من تسويق الأفلام للدول العربية. لهذا تفشت ظاهرة أفلام المقاولات كإفراز طبيعي لحالة من الكساد الاقتصادي واليأس من تحقيق تقدم في إيرادات شباك التذاكر. انتعاشة السوق استمرت هذه الحالة من الركود والاستسلام حتي جاء النجاح التجاري والجماهيري الكبير الذي حققه فيلم (إسماعيلية رايح جاي) من إنتاج 1997 علي الرغم من تواضع مستواه الفني. بالتأكيد أثار دهشة المنتجين والمراقبين هذا النجاح المفاجيء لفيلم قليل التكلفة بنجوم شباب من الصف الثاني تم تنفيذه بصعوبة، بل وقام منتجه ببيعه للموزع، وفق تصريحه ، قبل العرض خشية خسارة فادحة أو مغامرة غير مأمونة العواقب. يفاجأ الجميع بأن الفيلم يحقق إيرادات تضاعف أعلي الإيرادات لأكبر النجوم. وكان من الواضح أن هذا النجاح يعبر عن احتياج جماهيري للتغيير في السينما بأي شكل من ألأشكال واستعداد لتقبل جيد جديد من النجوم في عمل يحقق لهم الحد الأدني من المتعة الفنية. وبدأت هذه الرغبة تعبر عن ذاتها بقوةوبشكل مفاجيء لكسر حالة الجمود التي عاشها الفيلم طوال عدة عقود. والأهم من ذلك أن هذا التغيير كشف للسينمائيين أن الفيلم المصري بإمكانه أن يحقق إيرادات تفوق أضعاف ما كان يحققه. وأن صناعة السينما في مصر فرصة هائلة للاستثمار لو أمكن استغلالها، ولو تمكن صناعها من تطويرها ومن التواصل مع جمهور عريض أصبح بالإمكان استقطابه. جاء التغيير سريعا وتحقق بشكل مباشر في مظاهر عديدة يأتي في مقدمتها تصعيد جيل جديد من نجوم الكوميديا الشباب بدأ مع محمد هنيدي وتواصل مع علاء ولي الدين وأحمد آدم وهاني رمزي ومحمد سعد وكريم عبدالعزيز ومحمد السقا وأحمد حلمي وغيرهم . وعلي الجانب الآخر اختفي أو انزوي إجباريا بشكل شبه كامل جيل من النجوم كان يملأ السمع والبصر ويسيطر سيطرة كاملة علي السوق السينمائي مثل نور الشريف ومحمود عبد العزيزوفاروق الفيشاوي ونبيلة عبيد ونادية الجندي . بينما استطاع عادل إمام أن يسترد عافيته بعد فترة كمون قصيرة إمتدت لثلاث أو أربع سنوات . مقاومة الهزل فرضت سيطرة الهزلية حالة من الهيمنة الكاملة للنجم علي العمل الفني. فخفة دم حضرتهوحضوره هي العناصر الاساسية للنجاح. ومن هنا يصبح الإفراط في الهزلية وإفراغ أكبر كم من النكات في الفيلم الواحد هو الوسيلة لتحقيق الإيرادات بعيدا عن شروط الدراما وهمومها التي توجع قلوب النجومواتباعهم. ولكن سيطرة الفيلم الهزلي تقلصت تدريجيا خلال العقد ذاته، واستطاعت نوعيات أخري من السينما أن توجد لها مكانا علي خريطة الأفلام . فظهرت الأفلام الرومانسية والواقعية الإجتماعية بل والتراجيديات المفرطة في المأساوية وعادت أفلام الحركة بغزارة وأفلام النقد السياسي بل وظهرت نوعيات نادرة الوجود في السينما المصرية مثل أفلام الرعب والغموض والإثارة البوليسية والسحر ومعظمها كانت لمخرجين جدد سنتعرف عليهم أثناء تحليلنا للأفلام . مع نهاية العقد الأول من القرن الجديد انقلبت توجهات الجمهور في دورة شبه كاملة. ولم يعد محمد سعد علي قمة السباق ولا حتي في الصفوف الاولي. وانضم للمنافسة علي القمة مع أحمد حلمي النجم الجديد أحمد مكي. وحدث انقلاب تام في موازين النجوم وبدأت محاولات الدفع بوجوه صاعدة مثل آسر ياسين ومحمود عبد المغني وعمرو سعد. وكذلك البحث في معادلات البطولة الجماعية وتنويع الموضوعات ونوعيات الأفلام إلي حد غير مسبوق. محاولات طموحة ولكن الأهم من كل هذا هي هذه المحاولات الطموحة في تقديم أفلام بعيدة عن التيار التقليدي لسينما النجموالمنتج إلي سينما المؤلف المخرج والرؤية الأكثر طموحا والجنوح نحو التجريب ولو بمعناه البسيط في أعمال تحررت كثيرا من قيود السوق وشروطا ومشكلات الميزانيات الكبيرة وسطوة النجوم بالتحقق عبر كاميرة الديجيتال قليلة التكلفة . والتي وإن كانت لم تتمكن من تحقيقات إيرادات كبيرة في معظم تجاربها مثل عين شمس وميكروفون إلا أنها أمكنها ان توجد لنفسها مكانا في دور العرض وأن تحقق قدرا من الشهرة وأن يتحقق لها حضورا إعلاميا مقبولا بفضل تواجدها بقوة في المهرجانات الدولية وحصولها علي جوائز مهمة. وهكذا كان التغييروالتحول السريع في مزاج الجمهور أحد سمات السنوات التي سبقت الثورة. وكان ظهور الفيلم المستقل وسيلة لتقليص سيطرة النجم علي مقاليد السينما المصرية. فهل تشهد السنوات القادمة اندثار الظاهرة وتنعم أفلامنا بمذاق الديمقراطية. هذا احتمال واردولكنه غير مؤكد. فالفلول عائدون بقوة في مسلسلات رمضان. وسوف يبذل التليفزيون المصري جهوده المخلصة من أجل القضاء علي وعي المشاهدوإطلاق كتيبة النجوم الرجعيين القدامي بفنهم الرديءوأفكارهم المستهلكةوأعمالهم التي لا تهدف إلا لتدعيم عروشهم التي شيدوها في عهد المقصي برضاه وإشرافه ومباركته غير المباركة.