يري روبرت ساكزني المحلل الإعلامي أن هناك عملية تركيز مستمرة ومتسارعة في وسائل الإعلام في الولاياتالمتحدة بصفة خاصة وعلي الصعيد العالمي بصفة عامة في «الهيمنة» حاليا علي وسائل الإعلام العالمية تقودها تسع شركات عملاقة أكبرها «تايم وارنر» والتي بلغت مبيعاتها عام 1997 «24 مليار دولار» شركة ديزني «22 مليار دولار»، برتلسمان «15 مليار دولار» فياكوم «13 مليار دولار»، روبرت مردوخ نيوزكوربوريش «11 مليار دولار» تحت شعار أولا: كن أكبر حتي تتمكن من الهيمنة علي الأسواق وحتي لا يستطيع منافسك أن يشتريك وقد تضاعف بالتالي حجم شركات مثل ديزني وتايم وورنر ثلاث مرات تقريبا في هذا العقد. ثانيا: امتلك مصالح في صناعات متعددة ذات صلة بوسائل الإعلام مثل إنتاج الأفلام ونشر الكتب والموسيقي والقنوات والشبكات التليفزيونية ومحلات البيع بالتجزئة وحدائق الملاهي والمجلات والصحف وما شابه ذلك يمكن أن يكون الربح الإجمالي لدي عمالقة الإعلام أكبر بكثير من ربح جميع أجزاء وسائل الإعلام، الفيلم علي سبيل المثال يمكن أن تنتج عنه أيضا موسيقي تصويرية، وكتابا وسلعا وربما برامج تليفزيونية وإسطوانات مدمجة وألعاب فيديو وغيرها من الألعاب في حدائق الملاهي. وكان بن باجد بكيان العميد السابق لكلية الصحافة في جامعة كاليفورنيا واحدا من العلماء الأوائل الذين لفتوا انتباهنا إلي هذه المسائل عندما قال: في عام 1982 عندما انتهيت من كتابي «احتكار وسائل الإعلام» كانت خمسون شركة تسيطر علي أكثر من نصف وسائل الإعلام، وفي عام 1993 وصلت إلي 20 شركة وبحلول القرن الحالي كان يسيطر علي الإعلام ثلاث شركات فقط. معظم بلدان العالم الثالث لا تستطيع تغطية نفقات صناعة الأفلام والبرامج التليفزيونية ومن الأرخص لها استيراد أعمال من دول العالم الأول، مع هذه الأعمال تحصل أيضا علي أيديولوجيات وقيم العالم الأول من دون علمها بذلك وهكذا الثقافة الأمريكية وغيرها من ثقافات العالم الأول تهيمن فقط علي ثقافات العالم الثالث الهشة، بل إنها تدمرها، ووفقا لهذه النظرية فإن انتشار أفلامنا وبرامجنا التليفزيونية، ومطاعم ماكدونالدز ومقاهي ستاربكس يؤدي إلي نوع من التجانس الثقافي في جميع أنحاء العالم، وفي نهاية المطاف وفقا لمنطق هذه الحجة سوف يبدو كل مكان شبيها بأي مكان آخر، الناس في كل مكان سيشربون كوكاكولا وبيبسي ويتناولون الطعام في مطاعم الوجبات السريعة نفسها ويلبسون اللباس نفسه ويشاهدون الأفلام والعروض التليفزيونية نفسها. تناولت الباحثة «هيرتا هرتسوغ» الألمانية هذه المسألة في بعض الأبحاث التي أجرتها حول كيف استطاع الناس في ألمانيا فك رموز المسلسل التليفزيوني الأمريكي «دالاس» ذي الشعبية الواسعة «في ذلك الوقت» كما أوضحت في مقالتها «فك رموز دالاس». انشغل نقاد الثقافة الشعبية وخاصة الأمريكية منها بمسألة ما إذا كان انتشار مسلسل مثل «دالاس» يعود إلي تطور تكنولوجيات الإعلام الجديد، ومما يؤدي في نهاية المطاف إلي الاستيعاب الثقافي في سائر أنحاء العالم علي حساب التنوع المحلي الطبيعي، أدت دراسة «هرتسوغ» للطريقة التي تم بها تفسير دالاس في ألمانيا لكتابه. الجواب عن سؤالي الأول هل يقرأ المشاهدون في مختلف البلدان الثقافة الشعبية بأشكال مختلفة؟ يتعين عنه بالإيجاب، كانت هرتسوغ تتناول طريقة تفسير دولة من العالم الأول «ألمانيا» لنص من دولة أخري من العالم الأول «أمريكا» ولكن ما توصلت إليه أن الناس من ثقافات مختلفة ينشرون النصوص بطرق مختلفة، هو سبب وجيه للقول بأن نظرية إمبريالية وسائل الإعلام قد تكون مبالغا فيها قليلا، وأن تأثير وسائل إعلامنا وثقافاتنا الشعبية عكس الثقافات الأخري قد يكون سطحيا إلي حد ما، في السنوات الأخيرة نري أن دولا عديدة تشغل برامج تليفزيونية أمريكية في ساعات متأخرة مستعيضة عنها في الساعات الأولي ببرامجها الخاصة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالثقافة السائدة، ولكن الأفلام الأمريكية لاتزال مهيمنة في كل مكان. تعليق موجز حول الأيديولوجية ووسائل الإعلام ويري منتقدوا وسائل الإعلام بأن ما هو مهم حقا هو السبيل الذي يمكن به أن يهيمن عمالقة وسائل الإعلام علي الخطاب السياسي ليحقق في غاياتهم، كما يقول المثل «من يدفع للزمار يسمع اللحن الذي يريده» في أيامنا هذه مالكو وسائل الإعلام هم الذين يفرضون الألحان عبر القنوات التليفزيونية والصحف والمجلات وأيضا الكتب المنشورة؟! أعني بالألحان شيئا أوسع بكثير من الأغاني وهي بالتحديد وجهات النظر السياسية والأيديولوجيات والمواقف والمفاهيم. مشكلة المواد الإباحية علي أي أساس يمكن تحديد ما يمكن اعتباره إباحيا أو غير إباحي، أين نرسم الخط الفاصل بين المحتوي الجنسي الأكثر وضوحا في الدعايات والإعلانات التجارية التي تملأ ما لدينا من مجلات وموجات الأثير وقنوات البث التليفزيوني وما يسمي المواد الإباحية غير الصريحة والمواد الإباحية الصريحة؟ هناك أيضا مسألة ما إذا كانت المواد الإباحية ضارة بالأطفال أو غيرهم ممن يتعرضون لها، الأطفال الذين كما هو الحال غالبا يسعون إلي الحصول عليها، الإنترنت حافل بالمواقع الإباحية والأطفال الأكبر سنا وما قبل المراهقة الذين يحبون الاستطلاع حول المسائل الجنسية، قد يذهبون في كثير من الأحيان إلي هذه المواقع الإباحية، ولكن كما كنت قد اقترحت فإن واحدة من المشاكل التي ينطوي عليها التعامل مع المواد الإباحية هي أنه من الصعب العثور علي تعريف للمواد الإباحية يمكن أن يتفق الجميع عليه. يفسر «فريدريك إيميرت» المحلل الإعلامي الأمريكي كيف تعتقد المحكمة العليا أن للمجتمعات المحلية تحديد ما إذا كان النص فاحشا أو لا. المحكمة.. أعلنت ضوابط عامة للفحش علي أنه: 1 ماذا كان الشخص العادي الذي يطبق معايير المجتمع المحلي المعاصر يجد أن العمل ككل يناشد مصلحة بشهوانية مثيرة جنسيا. 2 ما إذا كان العمل يصور أو يصف بطريقة استفزازية السلوك الجنسي كما هو معرف تماما من قبل القانون المطبق في الولاية. 3 ما إذا كان العمل ككل يفتقر إلي قيمة جدية من الناحية الفنية والأدبية أو سياسية أو علمية. قرار المحكمة الأمريكية بشأن المواد الإباحية والافتراضية للطفل أصدرت المحكمة الأمريكية العليا حكما في أبريل 2002 في شأن المواد الإباحية الافتراضية للطفل وألغت القانون منع المواد الإباحية للطفل العام 1996 باعتباره تعديا علي حقوق الفنانين والكتاب الواردة في التعديل الأول، وهذا القانون اعتبر إنتاج المواد الإباحية الافتراضية أو توزيعها أو امتلاكها «جناية» واعتبرت هيئة المحكمة العليا بالتصويت عليه 6 مقابل 3 أن القانون كان تعديا علي حقوق حرية التعبير التي يكفلها التعديل الأول من الدستور وينص التعديل الأول علي ما يلي «لا يجوز للكونجرس أن يسن أي قانون.. يحد من حرية التعبير». حرية التعبير وبذلك يكون لها عواقب سلبية للغاية إحدي المشاكل التي يواجهها الخبراء القانونيون في التعامل مع النصوص الفنية هي أنها تكون في كثير من الأحيان معقدة، مراوغة ومن الصعب تحليلها، وإذا كنا نقادا أو أخلاقيين أو مواطنين معنيين لا يمكننا أن نصل بسهولة إلي توافق علي الآراء بشأنها هناك كل أنواع العوامل الجمالية في هذه النصوص ولذلك من الصعب علي أي شخص أن يثبت أن عملا ما فاحش، خصوصا أن الحواجز بين كل شيء في مجتمعات ما بعد الحداثة يبدو أنها طمست يجب أن نتذكر أن رواية «عوليس» لجيمس جويس، وهي واحدة من أعظم روايات القرن العشرين كانت يوما ما تعتبر فاحشة وسمح لها بدخول البلاد فقط بعد دعوي قضائية رفعتها ببيت «سيرف» من دار نشر راندوم هاوس. دوامة الصمت: الرأي العام والأيديولوجية السياسية هناك نظرية في الاتصال يمكنها أن تساعدنا علي فهم كيف تصبح بعض الأفكار سائدة في المجتمع وقد وضعتها العالمة الألمانية «إليزابيث نوبل بيومان» التي كتبت في مقاله مهمة في مجلة الاتصال «جورنال كومنيكشن» أن الأشخاص الذين يعتقدون بشكل صحيح أو لا أنهم يمثلون رأي الأغلبية لديهم ميل إلي إبداء آرائهم، في حين أن أولئك الذين يؤمنون بأنهم يمثلون رأي الأقلية لديهم ميل للحفاظ علي الهدوء، وذلك لأن الناس لا يرغبون في أن يكونوا معزولين، وأولئك الذين يعتقدون ما يعتقدون أنه رأي الأقلية في كثير من الأحيان يقنعون أنفسهم بأن رأيهم خاطئ. كما تشرح قد يجد المرء نفسه في واحد من الجانبين، وقد يكتشف أنه يتفق مع وجهة النظر السائدة مما يعزز ثقته بنفسه ويمكنه من التعبير عن نفسه بعقل صاف ومن دون أي أي حظ من العزلة وعند التحدث بمقاطعتهم لأولئك الذين يحملون وجهات نظر مختلفة، أو قد يجد أن الآراء التي يعتنقها لا أساس لها وكلما ظهر ذلك بشكل أوضح، زاد عدم تيقنه وقلة ميله للتعبير عن رأيه. كما رأينا هناك بعض التساؤلات حول مدي فعالية وسائل الإعلام وأيضا في تشكيل الرأي العام، علي الرغم من أن عددا صغيرا من الشركات العملاقة تسيطر علي وسائل الإعلام، وغالبا ما تلعب القوي المعاكسة لذلك دورا مهما في تشكيل الرأي العام، نجد علي سبيل المثال أن الكثير من الجماعات منحاز إزاء القضايا المهمة، وخاصة القضايا المتعلقة بالعرف أو الجنس الاجتماعي أو الديني، تعمل بشكل متزايد علي إسماع صوتها، وغالبا ما تكون معتقداتها ناقدة لأجندات وممارسات الشركات العملاقة ومجموعات وسائل الإعلام هذه الجماعات غالبا ما تكون قادرة علي استخدام واستغلال الصحافة لأغراضها الخاصة، بالإضافة إلي ذلك للأحزاب السياسية دور مهم في التأثير علي الرأي العام وخاصة فيما يتعلق بالقضايا السياسية والأيديولوجية. تنظيم الرقابة الحكومية علي البث الإذاعي وإلغاؤها في عام 1934 أنشأ الكونجرس الأمريكي وكالة إخبارية هي لجنة الاتصالات الاتحادية لتنظيم قطاع البث الإذاعي ليخضع للمصلحة العامة ولذا صدرت طوال تلك الأعوام العديد من القوانين المختلفة حول ملكية الشركات لمحطات الإذاعة والتليفزيون والصحف، وبنمو تليفزيون الكابل الذي لا يستخدم موجات الأثير العامة بدأت لجنة الاتصالات الفيدرالية تخفف قوانينها ذات الصلة تملكه الصحف لمحطات الراديو والتليفزيون ودمج محطات الإذاعة والتليفزيون وتملك شبكات التليفزيون ومؤسسات وسائل الإعلام الأخري. إذن فالعلاقة بين وسائل الإعلام والمجتمع كما رأينا هي مسألة معقدة للغاية، وليس من السهل إطلاق عموميات حول هذه العلاقة وهناك كما أشرنا أدلة لا بأس بها علي محاولات دمج السيطرة علي وسائل الإعلام من قبل الشركات العملاقة، لكن ليس من السهل تقييم مدي تأثير هذا الدمج «أو ما سيكون» علي ثقافتنا ونظامنا السياسي ومجتمعنا علي المدي الطويل.