يمكن فهم الاستمتاع بجمال الطبيعة علي أنه بمثابة رد الفعل في مقابل سأم الإنسان من مشاهد الحياة في المدن الحضرية، وهرباً من الزحام و التلوث البيئي. وربما يستمتع أكثر من اعتاد العيش في الصحراء، بجمال الزهور و بتذوقها. و بسبب حاجة الإنسان للفاكهة والخضروات كغذاء للبقاء علي قيد الحياة، .أما الشعور بالجمال فهو الدافع للتقرب من شئ أو من كائن ما. وسوف لا يتم التقرب أو الانجذاب نحو شيء بدون وجود صورة له في الذهن. مثلما سوف لا يكون لدي المرء الدافع لتعقبه إذا ما كان في حوزته. اتبع "جوجان"(1848-1903) في رسمه لثمار المانجو اللذيذة في لوحته بعنوان "طبيعة صامتة مع حبات المانجو"(1896) تقاليد فن"الطبيعة الصامتة" الذي يصور الأشياء الجامدة مثل الأزهار وثمار الفاكهة و الأواني والكئوس و الصحون المليئة بالأطعمة والطيور. و يرجع تاريخ صور"الطبيعة الصامتة" إلي جداريات وفسيفسائيات الفن الروماني القديم، غير أنها ظهرت كشكل مستقل من الفن بعد "عصر النهضة" وبخاصة في الفن الهولندي. واكتسب هذا الشكل أهمية كبيرة في لوحات" الفن الحديث "حيث يتحكم الفنان في صيغة العمل الفني داخل المرسم، أي في غير البيئة الطبيعية، للتوصل للشكل الذي يجسد رؤيته وأفكاره ومشاعره، وفي نسق فني متفرد، مثل رسم الألوان في صفائها المشرق أومع سيادة الهندسة الاختزالية. غيرأن ثمارالفاكهة التي هي في الأصل طعام يضمن البقاء علي قيد الحياة، قد تحولت إلي غاية للتمتع وللتلذذ بمذاقها ورائحتها وبألوانها الجذابة. لأن الجاذبية البصرية هي في الحقيقة السبيل لتقرب الإنسان نحو أنواع معينة من الأشياء والكائنات والبيئات. ورغم أن لتحسس الجمال والجاذبية البصرية أهميته في الطبيعة لتلبية الاحتياجات الحياتية، فإنه وفي الحقيقة لا يصبح الدافع للانجذاب للوحة"الطبيعة الصامتة" هوالدافع الأصلي نفسه للانجذاب نحو أنواع معينة من الزهورأوالنباتات أو الفاكهة، والذي يرجع لأسباب عملية .حيث قد تحولت الأعمال الفنية هنا إلي موضوعات للتذوق الجمالي، بقيمها التعبيرية و الرمزية. ولذلك أخضع "جوجان" طريقته في الرسم لرؤيته التي تتلخص في التحرر مما أصاب الحضارة من فساد، بالعودة للصدق المتمثل في الفطرة البدائية، وتبعاً لمفهومه الفني عن التجريد المتحرر من قيود التسجيل، من أجل التأثير بقوة علي عين المشاهد بالألوان ذات الدلالات العاطفية، وبالخطوط المتموجة بتناغماتها الموسيقية مع التبسيط الشكلي المحدد للصورالمرسومة علي الأرضية المسطحة. وقد تحررت لوحة "حبات المانجو" من قيد تقاليد المحاكاة الكلاسيكية، من أجل أن تبعث برسائل عاطفية - رمزية، وبالتحول نحو التعبيرعن عالمي البدائية والغرابة. ولم يرغب"جوجان" برسمه لتلك اللوحة تجسيد نوع الفاكهة التي يود أن يأكلها لتشبع حاجته للغذاء. فلم يكن لرسم الأشياء والثمار لذاتها أهمية كبيرة في نظر الفنان الذي يود أن يضفي علي هذه الطبيعة الصامتة من ثمار المانجو صفات إنسانية وأبعاد رمزية. فبالإضافة إلي الشكل البيضاوي لثمرة المانجو فإن رائحتها العطرية قوية وطعمها لذيذ، كما أن شجرتها معمرة، لذا فهي تمثل في ثقافات جنوب آسيا رمزاً للخصوبة، بل للحب وللخلود. والفنان وهو يستمتع بتبديل مواقع العناصر المرسومة يعبر عن مشاعره، بل عن أسلوب حياته ويظهر إرادته الفنية. لقد أصبحت لوحات "الطبيعة الصامتة" وسيلة للتعبير عن قيم التميز في الأسلوب مثلما تعبرعن الأفكار والرموزوالمعاني الفلسفية الرفيعة، حيث يحظي الخيال بحريته غير المنقوصة وحيث لا تنفي الحقيقة الفنية الحقيقة البصرية. وإنما يستحضر الفنان في لوحته ل"الطبيعة الصامتة" العالم المرئي للفاكهة والزهور، ممتزجاً مع الأبعاد المفاهيمية عن معني جلال الأشياء الخالدة .