يعد "جاكومو بوتشيني" واحدا من أهم المؤلفين الموسيقيين الإيطاليين الذين أثروا فن الأوبرا بأعمالهم، وتنتمي أعمال بوتشيني للمدرسة الواقعية التي تعتمد علي تجسيد موضوعات اجتماعية مستوحاة من الواقع، ومن أشهر أوبراته لابوهيم أو البوهيمي، مدام بترفلاي، وتوسكا، والجدير بالذكر أن الخطوط اللحنية لأوبرات بوتشيني تلقي قبولا كبيرا واستحسانا من الجمهور العربي، ذلك لأن ألحانه تتسم بالغنائية الشديدة، والهارمونيات غير المعقدة، مما يجعل الكثير من تيماتها اللحنية تعلق بأذن المتلقي، وتداعب مشاعره. كتب النص الشعري " اليبريتو" لأوبرا "توسكا" الثنائي جوزيبي جاكوزا، ولويجي إيليكا، عن رواية "لاتوسكا" للكاتب الفرنسي فيكتوريان ساردو. تدور أحداث أوبرا "توسكا" التي ُألفت عام 1900 في روما عام 1800، في الفترة التي غزت فيها الجيوش الفرنسية إيطاليا. التمثيل بالموسيقي تدور أحداث أوبرا توسكا حول ثلاثة شخصيات درامية أساسية هي "ماريو كافارادوسي" وهو ذلك الفنان العاشق ل"فلوريدا توسكا"، وهي الشخصية الرئيسية الثانية التي تبادل "كافارادوسي" هذا العشق والتي تغني في حفلات القصور، أما الشخصية الثالثة فهو "سكاربيا" رئيس البوليس الذي يمثل الجانب الشرير في الأوبرا، أما الشخصيات الأخري مثل "أنجيلوني" السجين السياسي الهارب من المعتقل، "حارس الكنيسة"، ومساعدي سكاربيا فكانت أدوارهم ثانوية ولكن لها ضرورة درامية. لم يستهل بوتشيني أوبرا توسكا بمقدمة موسيقية كما هو متبع في الأوبرات العالمية، وانما بدأ الأوبرا بثلاثة تآلفات عزفتها آلات النفخ النحاسي هذه التآلفات تم استخدامها داخل الأوبرا في الأجزاء اللحنية التي عبرت عن شخصية سكاربيا المستبدة. غلب علي موسيقي أوبرا "توسكا" الخطوط اللحنية المتدفقة الغنائية ذات الأزمنة الطويلة، مستخدما الموازين الثنائية والثلاثية والرباعية البسيطة، حيث كان لحن الغناء في كثير من الأحيان يتطابق مع لحن مجموعة الكمان الأول أو الثاني، كذلك غلبة النوتات الطويلة علي حساب النوتات القصيرة، وهذ لا ينفي وجود النوتات القصيرة ولكن ظهورها كان محدودا ولعل أبرزها كانت في الألحان التي صاحبت شخصية حارس الكنيسة لذلك بدت ألحان هذه الشخصية رشيقة مقارنة ببقية شخصيات العرض. عبرت ألحان بوتشيني عن الحالات الانفعالية المختلفة في مشاهد الأوبرا من خلال الألوان الصوتية للآلات أو زمن النوتات الموسيقية، فعلي سبيل المثال في مشهد لقاء كافارادوس الذي جسده التينور الإيطالي "فابيو أندريوتي بالتبادل مع وليد كريم" مع أنجيلوتي الذي جسده الباص"رضا الوكيل بالتبادل مع عبد الوهاب السيد" صاحب غنائهما نوتات من آلات النفخ النحاسي أوحت بجو التوتر النفسي، وفي الدويتو الثاني بينهما ظهر خطان لحنيان أحدهما عزفته أحد آلات النفخ النحاسي والآخر آلات النفخ الخشبي وكانا متضادين في المسار اللحني أي أحدهما صاعد النغمات والآخر هابط تعبيرا عن الحالة الانفعالية لكل شخصية منهم. برزت في أوبرا توسكا تجميعات لآلات موسيقية بعينها أراد بوتشيني من خلالها خلق أجواء تعادل الشخصيات الدرامية مثل عزف الأجراس مع آلتي الكورنو والفاجوت في أجزاء من دويتو سكاربيا الذي جسده "مصطفي محمد بالتبادل مع عماد عادل" وتوسكا التي جسدتها السوبرانو "البلغارية إلينا باراموفا بالتبادل مع إيمان مصطفي" في الفصل الأول، حيث كانت الأجراس معادلا للمكان وهو الكنيسة، والكورنو بنغماته الغليظة النحاسية معادلا لشخصية سكاربيا، والفاجوت بصوته الممتلئ الدافئ معادلا لشخصية توسكا، وقد ظهرت تيمة موسيقية تكررت عدة مرات في هذا الدويتو هي جزء من أحد المقاطع الغنائية لشخصية كافارادوسي كمعادل موضوعي لهذه الشخصية التي يدور حولها الحدث، وهذا مايعرف باللحن الدال في أبسط صورة. الفصل الثاني من أوبرا توسكا تضمن أريتان الأولي كانت لشخصية سكاربيا وهي "سكاربيا سيغزو قلبك" التي تدرج فيها دخول الآلات بدءًا من الهارب والفلوت ثم آلة الكمان ثم الكلارينيت والكنترباص وعند غناء المقطع "أنا أرغب فأطارد كل ماأرغب فيه" حيث تدخل جميع آلات الأوركسترا لتعبر عن القوة والاستبداد. والأريا الثانية هي أريا "عشت للفن عشت للحب" التي غنتها توسكا، وقد اتسمت هذه الآريا بلحن ناعم طويل النوتات برز فيها دور آلة الهارب وآلات النفخ الخشبية التي كانت غالبا تؤدي نفس لحن الغناء تقريبا، بينما تؤدي مجموعة آلات التشيللو خطا لحنيا آخر يعاكس في مساره اللحني الخط اللحني لمجموعة الآلات السابقة وهذا التضاد بين الخطوط اللحنية كان معبرا عن حالة التمزق الداخلي لشخصية توسكا. انتهي الفصل الثاني بعزف من آلة طبلة الأوتار وهي تلك الطبلة التي تستخدم في إعلان الحروب والموسيقات العسكرية، بأسلوب آداء يعرف بالرول وهي عبارة عن تبادل سريع لنقرات مزدوجة من يدي العازف ظلت مستمرة مع نغمات آلات الأوركسترا حتي يتم اسدال الستار، معبرا بذلك عن انتهاء حياة اسكاربيا المستبد. الفصل الثالث بدأ بعزف منفرد من آلة الكورنو تبعها عزف من آلات التشيللو بحن مكون من نغمتين فقط أخذ شكل باص أرضية للحن الرئيسي الذي عزفته مجموعة آلات الكمان والنفخ الخشبي، وقد عاود صوت الأجراس في الظهور مرة ثانية في هذا الفصل. تضمن هذا الفصل آريا "عندما كانت النجوم تتلألأ التي غناها كافارادوسي بلحن درامي بالغ الروعة، اختتم بوتشيني أوبراه بأجزاء من هذه الآريا بعد انتحار حبيبته توسكا وكأن بوتشيني أراد التعبير عن تلاقي روحيهما بهذه التيمة المأخوذة من آريا كافارادوسي منتهيا بقفلة قصيرة عزفتها جميع آلات الأوركسترا. ديكور وإخراج توسكا تقع أوبرا توسكا في ثلاثة فصول الفصل الأول تدور أحداثه في كنيسة سان أندريا في روما، حيث قسمت خشبة المسرح الي ثلاثة مناظر، منتصف عمق الخشبة تجسيد لمذبح الكنيسة، منتصف يمين الخشبة وضعت كتلة نحتية للسيدة العذراء تمثل إحدي المصليات في الكنيسة، ومنتصف يسار الخشبة في مقابلة تمثال السيدة العذراء مرسم المصور ماريو كافارادوسي الذي جاء في مستوي أعلي من مستوي خشبة المسرح، حيث بدي كل من تمثال السيدة العذراء وكافارادوسي اللذان يقابلان بعضهما البعض في مستوي واحد من الارتفاع، وهي دلالة علي المساواة بين الفنان والقديسين أراد أن يبرزها مخرج العرض. الفصل الثاني في جناح شخصية سكاربيا بقصر فارنيزي، وفيه أبرزت مكونات الديكور فخامة هذه العصور وثرائها من خلال اللوحات الضخمة، والكئوس ذات اللون الذهبي، والشرفات الواسعة الكبيرة، وسيطرة اللون الأحمر القاتم علي ملابس وأغطية الشيزلونج والمنضدة وهو لون النار التي يشعلها سكاربيا بين الحبيبين، والدم الذي يسفكه من أجل تحقيق أهدافه، والإثارة التي يشعر بها تجاه توسكا، وسيطرة اللون الأحمر علي بقية الألوان في هذا المشهد كان موفقا. الفصل الثالث كان لمنظر يشير الي حصن سان أنجلو الذي يتم فيه تنفيذ حكم الإعدام منظر في ُعمق الخشبة لقلعة علي مرمي البصر يحتضنها زرقة السماء الفاتحة والسُحب البيضاء الكثيفة، وكتلتين نحتيتين لدبابة، وتمثال لجندي يحمل سيفا علي المستوي الثاني لخشبة المسرح، ومكتب السجان في منتصف يسار الخشبة. وقدأعطي المنظر الذي في عمق الخشبة الذي يغلب عليه اللونين الأزرق والأبيض اللذان تناقضا مع الأجواء العامة للمشهد التي تتسم بالمأساوية. تنفيذ الديكور لبشير محمد علي وأحمد عبدالله، نحت يحيي أحمد يحيي، تحت إشراف محمد الغرباوي، والجدير بالذكر أن معظم موتيفات وتكوينات الديكور التي ُنفذت بعناية لم تتغير منذُ عدة سنوات. الملابس التي نفذتها كل من هالة محمود وهبة اسماعيل وتامر عبد اللطيف كانت ألوانها مناسبة للشخصيات وللمشاهد، كذلك كانت تصميماتها معبرة عن الحقبة الزمنية التي تدور فيها أحداث الأوبرا. عبدالله سعد مخرج العرض لم يضف جديدا الي خطوط الحركة منذُ عدة سنوات علي هذه الأوبرا، فقد تمركزت خطوات الحركة في غالبية المشاهد في منتصف خشبة العرض وامتدادها الأفقي يمينا ويسارا، ولم يستغل عمق الخشبة بشكل جيد وربما أبرز المشاهد التي كانت في عمق الخشبة هو مشهد انتحار توسكا. كذلك لم يهتم بأدوار المجاميع الصامتة فقد كان دخول وخروج مجموعة العساكر في مشاهد الفصل الثالث عشوائيا للغاية، فلم ُيكلف المخرج نفسه عبء توحيد خطواتهم دخولا وخروجا مما أفقد هذه المشاهد جزءا كبيرا من جماليات المشهد البصري.