في 8 مارس 1960م وجه د.فيتورينو فيرونيز المدير العام لليونسكو آنذاك، نداء مدويا للعالم لتنظيمه حملة دولية لإنقاذ آثار بلاد النوبة «البشر والحجر» بإيعاز ومثابرة من د. ثروت عكاشة وزير الثقافة والإرشاد القومي آنذاك. هكذا تم إنقاذ آثار النوبة من 1960- 1980م، استطاع د.ثروت عكاشة بجهوده واتصالاته أن يجعل العالم كله يتجه بعلمائه وباحثيه وأدواته إلي بلاد النوبة. كانت هناك معركة خفية بينه وبين أمريكا، التي انتهزت الفرصة، وساومت مصر علي أن تأخذ نسبة كبيرة من الآثار التي ستنقذها، ولولا يقظة ووطنية هذا المثقف الكبير الذي يعي تماما قيمة الآثار النوبية للإنسانية جميعا، لضاعت نصف الآثار النوبية التي هي ملك للبشرية. لقد كانت حملة إنقاذ آثار النوبة العالمية مدرسة تعلم فيها كل الباحثين المشاركين في البحث والتنقيب والاكتشاف وغيرهم من فنانين ورسامين من جميع أنحاء العالم، وشاركت فيها الجامعات والكليات والمعاهد، وشاركت فيها الدول بالمال والجهد والعرق في سبيل إنقاذ آثار ليس لها مثيل في العالم. في هذه الملحمة استطاعت جهود مصر ونداء د.ثروت عكاشة إنقاذ حوالي 15 معبدا وهيكلاً أثريا من النوبة القديمة إلي منطقة أسوان إلي منطقة أعلي لمناسيب المياه، مثل معابد أبوسنبل، وتم نقل معابد: دبود- الدكة - المحرقة - الدر- السبوع - عمدا -بيت الوالي إلي مناسيب أعلي، وانقاذ معابد فيلة حتي الثمانينات، وتم إهداء بعض المعابد الصغيرة إلي الدول التي قامت بانقاذها بموجب الاتفاقيات المبرمة. وفي عام 1977م، تم البدء في التفكير في إنشاء متحف النوبة لكي يضم بين جنباته 3 آلاف قطعة أثرية من اكتشافات الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة، ولكن أيادي خفية عرقلت المشروع حتي عام 1997! هكذا كان القدر رحيما بالآثار النوبية التي وجدت آباء مهتمين بها كاهتمام الوالد لأبنائه ساعة فقد أمهم وكان القدر بردا وسلاما علي تواصل الاهتمام العالمي طيلة عشرين عاما في انقاذ هذه الآثار العالمية، التي فتحت باب الدراسات الأثرية والتاريخية والحضارية عامة للنوبة ولم تنته، وهي ترشف من هذا الترياق، وتنهل من هذا المنهل العذب. هكذا فتح د.ثروت عكاشة أبواب التاريخ أمام علماء وباحثين اشتهروا فيما بعد بدراساتهم وأبحاثهم حول النوبة، علماء من روسيا وآخرين من أمريكا وأوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وافريقيا. كوكبة تحمل علي عاتقها إجلاء الحضارة والآثار النوبية من جميع أنحاء العالم، بل ليزداد القارئ عجبا إذا علم أن باحثين أجانب تعلموا اللغة النوبية بلهجتيها عند الدراسة والبحث والتنقيب مثل العالم الأمريكي وليم آدمز وهو حي يرزق الآن يربو علي 90 عاما. وقام د.ثروت عكاشة بالإشراف علي كتاب بلاد النوبة في عام 1963، وهو سفر نفيس، كتبه علماء مصريون أجلاّء الأستاذ مصطفي عامر، د.عبدالمنعم أبوبكر، الأستاذ زكي سعد، الأستاذ عثمان رفقي رستم، الفنانان أدهم وسيف وانلي، والأستاذ عبدالفتاح عيد المصور، والإدارة العامة للفنون الجميلة بالوزارة وغيرها من هيئات نأمل من وزارة الثقافة الآن وعلي رأسها الدكتور الفاضل شاكر عبدالحميد، إعادة طبع هذا الكتاب القيم. هذا جانب متوار في شخصية د.ثروت عكاشة عليه سحائب الرحمة وشأبيب المغفرة، لا تعرفه الأجيال الجديدة، أردت تسليط الضوء عليه لأنفي تهمة كانت تتردد بين النوبين أن مصرتريدمن مشروع تهجير النوبة تهميش الحضارة النوبية وهي تهمة ظالمة بددتها جهود الفنان العظيم ثروت عكاشة، الذي أبلي بلاء حسنا في ندائه العالمي لانقاذ آثار النوبة. هكذا ترجم أبناء مصر الشرفاء هذه الملحمة علي أرض النوبة القديمة والجديدة بانقاذهم آثار النوبة التي انتشرت الآن في جميع أنحاء العالم بفضل جهود علماء مصر المخلصين وبفضل الجهود العالمية لانقاذ تراث بشري كان في سبيله للغرق فسبحان الله في تدبير كونه وتفريج كرب خلقه. سلام علي ثروت عكاشة في الخالدين.