* في كتابه «القمع في الخطاب الروائي العربي» أشكال القمع كما تجلتْ في كتابات بعض المبدعين والأعمال التي تناولها لأجيال مختلفة وترجع أهمية الكتاب إلي رصد صور القمع في المجتمعات التي تناولتها هذه الأعمال * للقمع أشكال متعددة منها التسلط السياسي وأبرزها «قمع الدين والمقدس وقمع التراث والمألوف والتقاليد والعُرف والمجتمع الذكوري وقمع النص وقمع اللغة»* شكل آخر من القمع تعرّض له أبوعوف هو العوامل الطاردة التي أرغمتْ أبناء شعبنا المصري - أحفاد الثقافة القومية الزراعية المُتحضرة - لقبول العمل لدي أحفاد رعاة الغنم، وهو ما عبّر عنه إبراهيم عبدالمجيد في روايته «البلدة الأخري» علي لسان بطله إسماعيل الذي أدرك الفرق بين مجتمع البداوة ومجتمع الزراعطلعت رضوان رحل عن عالمنا الناقد عبدالرحمن أبوعوف في ديسمبر2011 وفي كتابه «القمع في الخطاب الروائي العربي» أشكال القمع كما تجلتْ في كتابات بعض المبدعين. والأعمال التي تناولها لأجيال مختلفة. وترجع أهمية الكتاب إلي رصد صور القمع في المجتمعات التي تناولتها هذه الأعمال حيث انّ للقمع أشكالا متعددة، منها التسلط السياسي وأبرزها «قمع الدين والمقدس وقمع التراث والمألوف والتقاليد والعُرف والمجتمع الذكوري وقمع النص وقمع اللغة». من الأمثلة المهمة تناولها لصور القمع في بعض روايات عبدالرحمن منيف، والتركيز علي أشكال القمع في مجتمع البداوة، خاصة في رائعته «مدن الملح» ولأنّ منيف مبدع دافع عن العدل الإنساني المنشود، لذلك فهو لايكتفي بالإبداع الأدبي، وإنما قال «لقد زاد القمع واتسع إلي درجة لاتُصدّق. لقد اكتشفتُ في لحظة من اللحظات أنّ الضحية والجلاد وجهان لعملة واحدة، أي أنّ الاثنين ضحية النظام المسيطر» وعقب أ.أبوعوف قائلا «إنه لايمكن المساواة بالمطلق بين الجلاد والضحية. أو اعتبارهما من ضحايا النظام فقط» أعتقد أنّ المسكوت عنه في جملة «النظام المُسيطر» هو منظومة قيم البداوة التي قصدها عبدالرحمن منيف، والتي أفرزت مجتمع «السيد / العبد» أوالجلاد والضحية. وهو ما عبّر عنه «حيدرحيدر» علي لسان بطل روايته «مرايا النار» إذْ قال «أي شيء لامعني له قبل إبادة هذه السلالة البربرية. سلالة البدو والرعاة، همج القرن العشرين» ثم لخص الموقف قائلا «نحن الآن في عصرالزواحف، بينما البشرالآخرون يغزون الكواكب» وفي موضع آخر كان أكثر وضوحًا «كيف يمكن أنْ تستمر هذه السلالة الرعوية المنحطة في السلطة لأكثرمن ربع قرن بعد أنْ دمّرتْ البلاد وحوّلتها إلي مزارع أسرية وطائفية وعسكرية ونهبتْ اقتصادها ووضعته في مصارف أمريكا والغرب. ولايوجد من يتجاسر علي صرخة : لا لكل هذا العُهر» وفي روايته «وليمة لأعشاب البحر» صورة أخري للقمع الذي تعرّض له الشيوعيون العراقيون علي أيدي القوميين العرب والبعثيين وأدّتْ إلي «هروب المناضل العراقي الشيوعي مهدي علام إلي جحيم عربي آخر» . أما الكاتب المغربي «محمد زفزاف» فهو يلخص قيم البداوة البشعة في روايته «الحي الخلفي» وكيف قهرتْ قيم البداوة البشر الخاضعين لها فهُم «كما وُلدوا في البادية بدون هوية وبدون عَلم للدولة، فهُم يفعلون نفس الشيء في الضواحي أو في أماكن أخري مثلما يفعل الذباب. وهم بدون هوية دائمًا إلاّ وقت الانتخابات إذْ يخرجون كجرذان قاموا ليقولوا بصوت واحد «نعم» وبعد ذلك يعودون إلي جحورهم المظلمة» شكل آخر من القمع تعرّض له أبوعوف هو العوامل الطاردة التي أرغمتْ أبناء شعبنا المصري أحفاد الثقافة القومية الزراعية المُتحضرة، لقبول العمل لدي أحفاد رعاة الغنم، وهو ما عبّر عنه إبراهيم عبدالمجيد في روايته «البلدة الأخري» علي لسان بطله إسماعيل الذي أدرك الفرق بين مجتمع البداوة ومجتمع الزراع ولخصه في هذه الجملة الدالة «لقد امتلك البدوي الثروة. فالويل كل الويل لأبناء الحواضر والمدن» قهر السلطة أما قهرالسلطة فإنّ «أبوعوف» قدّم عرضًا وتحليلا لإبداع عدد من الكتاب المصريين، ومن أمثلة ذلك المعتقلات التي ملأ بها عبدالناصر كل مختلف مع نظامه القمعي. ووصل القهر لدرجة إجبار الضحية علي الهتاف باسم جلاده الأكبر «عبدالناصر» كما حدث مع المعتقلين الذين كانوا يهتفون باسم عبدالناصر، وهو مارصده محمد المنسي قنديل في روايته «انكسارالروح» ولأنني أتفق مع أ. أبوعوف في معظم تحليلاته للأعمال التي تناولها بالعرض أوبالنقد، إلاّ أنني أختلف معه في بعض ما جاء في كتابه علي النحوالتالي : ذكر في «ص أ، ص 10» عبارة «الحاكم المستبد» وهي تركيبة تحمل التناقض في داخلها، إذْ لايمكن الجمع بين العدل والاستبداد، والعادل لايكون مستبدًا والعكس صحيح، كما أنها مقولة رسّختها أنظمة الاستبداد وروّجتْ لها، في حين لفظتها الشعوب المُتحضرة . ويعتقد الكاتب أنه كان ثمة «حصار وانهيار للمشروع الناصري للنهضة والتحرر والوحدة والعدالة» وألحّ علي تكرار هذا المعني في ثماني صفحات متفرقة. وأ. أبوعوف وهو يكتب كتابه كان عمرانقلاب أبيب / يوليو52حوالي 50سنة. وأعتقد أنّ مرور هذا الزمن علي حركة البكباشية، أتاح للباحث قدرًا من المعلومات تؤكد علي أنّ «المشروع الناصري» نجح في وأد «المشروع الليبرالي» الذي ناضل مثقفون وطنيون لترسيخه قبل يوليو52 وهو المعني الذي اعترف به صراحة عبدالناصر، إذْ ردّ علي الاعتراضات الموجهة ضد ضباط يوليو بسبب اعتقال بعض الوفديين فقال «إحنا موش بنحاكم الوفد. إحنا بنحاكم سياسيين قدامي. بنحاكم نظام قديم. بنحاكم نظام رأسمالي اسمه النظام الليبرالي» «مذكرات إبراهيم طلعت- مكتبة الأسرة- عام 2003ص 245» كما أنّ «المشروع الناصري» كسرالروح القومية لدي شعبنا المصري عندما اعتقل كل من رفض التطابق مع ديكتاتورية الضباط، وأنّ «المشروع الناصري» نجح في قتل آلاف المصريين في حروب لاعلاقة لمصر بها، وتبديد ثروات مصر في هذه الحروب التي حققت أهداف أمريكا التي حلتْ محل الاستعمارالقديم. ثم كان أهم انجاز للمشروع الناصري هو احتلال سيناء. والملفت للنظر أنّ الكاتب اعترف بأنّ نظام عبدالناصر كان شموليا «ص194» واستعرض بأمانة انعكاسات سلطة يوليو علي كتاب الستينات و«بروز دور المؤسسة العسكرية والدولة البوليسية» «ص46» وكذلك شهادة بهاء طاهرفي روايته «وقالت ضحي» عن هتاف المصريين الشهيربعد انقلاب يوليو «يسقط حكم البكباشية» «ص52» أو تعليق حمادة يسري في رواية «مقهي قشتمر» لنجيب محفوظ علي موت عبدالناصر قائلا «موته يعتبر أمجد أعماله» «ص242» .وردّد أبوعوف تعبير «عنصري الأمة» أكثرمن مرة «خمس صفحات متفرقة» دون أي تعقيب من جانبه ىُوضح للقارئ أنه تعبير غير علمي، ناهيك عن أنه تعبير عنصري لأنه ىُكرّس لانقسام الشعب الواحد إلي شعبىْن علي أساس ديني. في حينْ أنّ شعبنا المصري شعب واحد بغض النظر عن تعدد الأديان والمذاهب. ولعلنا نتأسي بالفنان المبدع سيد درويش عندما غني «اللي تجمعهم أوطانهم.. عمرالأديان ما تفرقهم» أولاد حارتنا كتب أبوعوف أنّ المقصود بالحارة في «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ هو«تاريخ البشرية» في حين أنّ نجيب محفوظ كتب قصة الخلق نقلا عن التراث العبري «انظر دراستي في مجلة فصول - ربيع 1992وفي كتابي «أنساق القيم في الإبداع المصري- هيئة قصورالثقافة- عام 2000» أشاد أبوعوف بثلاثية محفوظ كثيرًا، وذكر منبهرًا بها أنها «أكمل وأفصح رواياته في رصد كلية وشمولية الحياة المصرية قبل ثورة 1919وحتي أزمات النظام الملكي والليبرالي» «ص259» وأيضًا «أنا لا أشعرباليتم في هذا العالم مادام فيه هذا الرجل- الموقف» «ص176» ولعلّ هذا الاعجاب «وهذا حقه» تسبّب في استبعاد كتب التاريخ التي أرّختْ لثورة 1919 وقدّمتْ وثيقة مغايرة لما قدّمه محفوظ عن شعبنا. إذْ قدّم السيد عبدالجواد ممثل شريحة التجارب كل مساوئه وأبرزها انعزاله عن الحركة الوطنية، وهذا ضد تاريخ هذه الشريحة المصرية التي ساندتْ الثورة «انظر تحليل لويس عوض في كتابه أوراق العمر- ص 117، 118، 156، 157» أما د. عبدالقادرالقط فكتب «كانت المرأة من الطبقة المتوسطة تلزم البيت وترعي شئون زوجها وأولادها ولكنها لم تكن «أمينة» بل كانت «أميرة» في بيتها ولم يكن زوجها «سي السيد» بل شريك حياة يحب زوجته ويحترمها» وعن السيد عبدالجواد كتب أنه ما كان «ليصبح علي هذا القدرمن التسلط أو ليقدر علي ممارسة حياته المزدوجة، لوكان لزوجته أمينة بعض الصفات الواقعية للزوجة يمكن أنْ تحد من سلطاته. وهكذا رسم نجيب محفوظ شخصية أمينة عنصرًا مساعدًا تتجلي من خلاله شخصية زوجها البعيدة عن طبيعة المجتمع القاهري حينذاك» كما أنّ «المستبد لايصنع نفسه بقدر ما يصنعه الآخرون العاجزون . وهكذا انتهي عجز أمينة وخضوعها الدائم إلي مواقف تتجاوز صلة الزوجين لتُصبح مجرد وسيلة لتأكيد الشخصية الروائية النموذجية» ولخص د. القط رأيه في هذه الجملة الدالة «وسواء أكانت المسئولية علي الرجل أوالمرأة، فإنّ هاتين الشخصيتين لايمكن أنْ تُصوّرا واقع الأسرة المصرية في ذلك الزمان ولايمكن أنْ يكون لهما واقع يجسّد الصلة بين الرجل والمرأة علي هذا النحو الشاذ» «مقال سي السيد بين الواقع والفن- أهرام 13/9/1999» وذكرأ. أبوعوف أنّ جيل الستينات وعي «انهيارالنظام الملكي وافلاس الليبرالية الحزبية المهترئة» «ص45» وإذا كان من المتفق عليه أنّ الناقد الأدبي يضع قراءته للتاريخ في كفة، وقراءته للإبداع في كفة، فهل الليبرالية الحزبية قبل يوليو52 تستحق الرجم أم شمولية حزب ضباط يوليو الواحد الأحد؟ وهل نُدين الليبرالية التي تعني تعدد الأفكار، هذا التعدد الذي يثري الحياة الاجتماعية والسياسية، لصالح أحادية الحزب الواحد، تلك الأحادية التي كمّمتْ أفواه شعبنا؟ وإذا كانت الحقيقة قبلتنا الوحيدة، فإلي أين يتجه انحيازنا : إلي البرلمان الذي كان يناقش الموازنة العامة للدولة ويرفض زيادة المخصص للملك، أم للبرلمان الذي يوافق علي أي مشروع يعرضه عليه الضباط؟ وهل من الأمانة العلمية الترويج ل «افلاس الليبرالية» أم الأدق الإشارة إلي أنّ ماحدث هو القضاء علي الليبرالية بقيادة البكباشية؟ وكتاب أ. أبوعوف جدير بالقراءة رغم هذه الملحوظات، بمراعاة أنه بانوراما للإبداع الذي تناول القمع بأشكاله المختلفة. من قمع السلطة إلي القمع باسم الدين وقمع النص وقمع اللغة.