شهد السابع عشر من فبراير الحالي الذكري الأولي لاندلاع ثورة الشعب الليبي وسط ترقب حذر وقلق من تفاقم الانفلات الأمني وتزايد فوضي الميليشيات. وقالت منظمة العفو الدولية إن الميليشيات المسلحة أصبحت خارج نطاق السيطرة وترتكب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الانسان. ورصدت المنظمة في تقرير صدر تحت عنوان "الميليشيات تهدد الآمال في ليبيا جديدة" حالات انتهاك واسعة النطاق لحقوق الإنسان، تشمل جرائم حرب، علي يد العديد من الميليشيات ضد أنصار القذافي ممن يشتبه بهم ويتعرضون للاعتقال بصورة غير قانونية، ويتعرضون للتعذيب مما أدي إلي وفاة نحو 12 شخصاً من المعتقلين من جراء التعذيب منذ سبتمبر الماضي. كما تم استهداف المهاجرين واللاجئين الأفارقة في هجمات انتقامية. فوضي الميليشيات وتثير ظاهرة فوضي ميليشيات الثوار قلقاً كبيراً علي مستقبل ليبيا حيث قام العديد من الشباب الذين تطوعوا لمحاربة نظام معمر القذافي بإدمان الثورة حتي بعد أن قتل القذافي في العشرين من أكتوبر الماضي. وشكل الثوار ميليشيات بعد أن أدي سقوط القذافي إلي ظهور مصالح سياسية لهم سعوا إلي تحقيقها عن طريق الصراع المسلح. وأصبحت المهمة الأولي للحكومة الانتقالية هي العمل علي نزع سلاح الميليشيات، ولهذا الغرض وضعت خطة لدمج آلاف المقاتلين في الجيش وأجهزة الأمن. وأعلن اللواء يوسف المنقوش، رئيس أركان الجيش الوطني، عن انضمام خمسة آلاف عنصر من الثوار لوزارة الدفاع الليبية، وعن تشكيل خطة لدمج الثوار ولضم نحو 12 ألفًا من الثوار إلي الوزارة في القريب العاجل. وقبيل مرور الذكري الأولي للثورة، قام حرمين محمد، النائب الثالث لرئيس الحكومة الانتقالية، بمناشدة رؤساء المجالس المحلية للقيام بالاحتفالات بصورة بعيدة عن مظاهر التسلح وإطلاق النار العشوائي الذي يؤدي إلي ترويع المواطنين. كما أعلن مجلس الوزراء الليبي عن يوم عطلة رسمية في جميع أنحاء ليبيا بمناسبة الذكري الأولي للثورة الليبية. وأصدر المجلس الوطني الانتقالي قانوناً يقضي بمنح كل أسرة ليبية ما قيمته ألفي دينار ليبي، بالإضافة إلي منح ما قيمته 200 دينار لكل فرد من أفراد الأسرة غير المتزوجين. أعلن عمر الخضراوي، وكيل وزارة الداخلية الليبية، أن مديريات الأمن في كل المدن وعلي رأسها مديرية أمن طرابلس أعدت الخطط الأمنية بالتنسيق مع الثوار لتأمين المدن وحماية الشوارع وحراسة الأهداف الحيوية والمرافق العامة استعدادا للاحتفالات الشعبية. وأضاف "أوجه رسالة تنبيه لأذناب نظام المقبور بأنهم لن يستطيعوا عمل أي شيء، وأنهم تحت قبضة الثوار وأجهزة أمن الدولة، وعليهم العودة لرشدهم، وإلا فإننا لن نتهاون وسنضرب بكل قوة من تسول له نفسه المساس بأمن ليبيا وأمن الوطن والمواطن". وبمناسبة الذكري الأولي للثورة، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا بياناً حذرت فيه من أن ليبيا الجديدة لن تقبل بمحاولات العودة لأشخاص الحكم البائد أيا كانت صورها أو من يقف خلفها ممن لا يألون جهداً في التربص بثورتنا والانحراف بها عن أهدافها، والحذر كل الحذر من التدخلات والاجندات الخارجية التي تتطلع الي تكريس نفوذها واختراق امن ومؤسسات بلادنا وسيادتها". الخوف من حرب أهلية ودعا رئيس المجلس الانتقالي، مصطفي عبد الجليل، الثوار للانضمام إلي قوات الأمن الوطني. وأكد عبدالجليل ضرورة مد اليد للجميع والعمل علي لم الشمل الليبي، وأضاف في كلمة كان قد ألقاها بمناسبة ذكري الثورة "هذا التسامح ولم الشمل لا يعني أبداً إننا نسمح لأحد أن يزعزع استقرار ليبيا. سيتم التعامل بكل حزم وشدة وقوة مع كل من تسول له نفسه المساس بأمن ليبيا واستقرارها الذي هو فوق كل اعتبار". وأدي تزايد القلق الليبي والدولي من الميليشيات المسلحة إلي قيام المجلس الانتقالي باتخاذ إجراءات أمنية مشددة من ناحية، والعمل علي احتواء كتائب الثوار من ناحية أخري. وبالإضافة إلي الميليشيات المسلحة، هناك أيضاً خوف من الولاءات القبلية المختلفة. وشهد جنوب شرق ليبيا صراعاً مسلحاً بين قبيلتي أزويه والتبو حول السيطرة علي الأرض في مدينة الكفرة الواقعة علي الحدود مع تشاد. وأدت الاشتباكات إلي مصرع 17 شخصا وإصابة عشرين آخرين. وحذر توركي توباوي من قبيلة التبو من مجزرة تشارك فيها السلطات الليبية، وقال "إن عناصر الأزويه يحاصروننا من كل الجهات ويطلقون النار علي منازلنا بالأسلحة الثقيلة. إن الحكومة أرسلت تعزيزات إلي أزويه، إنها خطة للقضاء علي التبو". ويعيش التبو في جنوب شرق ليبيا وفي النيجر وتشاد، وتعرضت قبائلهم للتهميش تحت حكم القذافي الذي رفض منح بعضهم الجنسية علي أساس أنهم من أصل تشادي. وتقع الكفرة التي يقطن بها نحو 40 الف نسمة علي الحدود مع تشاد والسودان ومصر، وتعد نقطة عبور للمهربين عبر الصحراء. مخططات تفجيرية من ناحية أخري، قال ثوار مدينة سبها في الجنوب الليبي إنهم اعتقلوا نحو عشرة أشخاص يعتقد بأنهم كانوا يخططون للقيام بعمليات تفجير في الذكري الأولي لثورة 17 فبراير. وتم العثور علي كمية من الأسلحة والمتفجرات والذخائر بحوزة المشتبه بهم. كما أعلنت قوات الأمن الليبية العثور علي صواريخ من نوع "سام 7" وقذائف آر.بي.جي في إحدي المزارع المهجورة في ضواحي مدينة بنغازي. وكانت التهديدات التي أطلقها الساعدي نجل القذافي من مكان لجوئه في النيجر، والتي هدد فيها بإطلاق انتفاضة جديدة في ليبيا، قد أدت إلي حالة استنفار أمني في البلاد خاصة أن هناك مخاوف من قيام مجموعات موالية للنظام السابق بعمليات تفجيرية أثناء الاحتفال بذكري الثورة الليبية. ودعا أنصار القذافي إلي أكبر عصيان مدني تشهده البلاد يوم ذكري الثورة الليبية علي أن يستمر حتي الثاني من شهر مارس القادم وذلك احتجاجاً علي سقوط عدد كبير من الضحايا كانوا خارج جبهات القتال طيلة العام الماضي، واعتراضاً علي التوقيف القسري والتعذيب الذي تعرض له بعض أنصار القذافي علي يد المجموعات المسلحة المجهولة. ويواجه المجلس الانتقالي تحديات عديدة علي رأسها التحديات الأمنية بالإضافة إلي تحدي فرض الشرعية السياسية له حيث تعرض لاتهامات من حيث عضويته وتمثيله غير العادل للمناطق الليبية. وكانت عدة احتجاجات ضد المجلس الانتقالي قام بها ثوار قد عبرت عن هذه الاتهامات، وقام متظاهرون بالاعتصام مطالبين السلطات بشفافية أكبر وباستبعاد الأشخاص الذين تعاونوا مع النظام السابق. وتتهم ميليشيات عديدة الجيش الوطني باحتواء قيادات سابقة في جيش القذافي. تحديات أمام المجلس الانتقالي وتتهدد المجلس الانتقالي الليبي انقسامات عديدة حول شرعيته وذلك علي الرغم من إقراره لقانون الانتخابات الذي سيجري بموجبه انتخاب المجلس التأسيسي في يونية المقبل. وتضمنت الصيغة المعدلة إسقاط حصة 10% كانت مخصصة للنساء في مسودته الأولي. ووفق نص القانون سيتم تخصيص ثلثي مقاعد المجلس المائتين لقوائم الأحزاب السياسية بينما تم تخصيص 64 مقعداً للمستقلين. ويمنع القانون الجديد الليبيين الذين يحملون جنسية مزدوجة، وكل من تمتع بامتيازات في ظل نظام القذافي من الترشح لخوض الانتخابات. كما تشترط مسودة القانون الجديد ألا يقل عمر المرشح في الانتخابات عن 25 سنة، وحدد الحد الأدني لعمر من يسمح لهم بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات ب 18 سنة. وشهدت النسخة المعدلة للقانون الانتخابي نوعاً من الإنصاف للمرأة حيث نص القانون الجديد علي توفير حصة للنساء لا تقلّ عن 20 في المائة من المقاعد. وقالت الزهراء لنقي عضو منبر المرأة الليبية من أجل السلام، الذي شارك في كتابة القانون الانتخابي، إن الثقة معدومة بالمجلس الانتقالي، ولا يمكن أن تجري انتخابات من دون نظام قضائي. وعلي الرغم من ذلك فإن مصراتة استمرت في التجهيز لانتخابات خاصة فيها في 20 فبراير، وقام زعماء قبليين من المنطقة الشرقية بالتفكير في اتخاذ خطوة مماثلة. الوضع في ليبيا يشوبه الترقب. وعبر المجتمع الدولي عن قلقه، فقد دعا البيت الأبيض الليبيين إلي حماية الحريات التي اكتسبوها بثورة 17 فبراير. وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض إن "الثوار الذين ثابروا علي القتال من اجل الحريات يتحملون اليوم مسئولية حمايتها بالتعاون مع الحكومة لتحقيق الاستقرار والسلام والمصالحة". كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الليبيين إلي الالتفات إلي وضع حقوق الإنسان. وقال في بيان إن الليبيين اليوم "أقرب الي ديمقراطية كانت حتي عام من الزمان مجرد حلم بعيد".