فكرت طويلا في ممثل ذكر كوميدي واحد لم يقدم شخصية المرأة علي الشاشة أو المسرح ولم يهدني تفكيري سوي لواحد فقط هو نجيب الريحاني مالم تخني الذاكرة وكان هناك غيره أو يكن هو نفسه قد قدم شخصية المرأة في عمل ما لم يصل إلي. تقليد مقدس فمنذ ان وعيت لمعني كلمة سينما وأنا أري كل كوميديان يعمد إلي تقديم شخصية المرأة في عمل أو أكثر وكأن هذا تقليد مقدس يسير عليه كل كوميديان ذكر يريد النجاح أو وصل لقدر معين من النجاح. فمن بربري مصر الوحيد علي الكسار في فيلم «سلفني تلاته جنيه» إلي إسماعيل يس في العديد من الأفلام أشهرها «الآنسة حنفي» إلي فؤاد المهندس في أكثر من عمل أيضا وكان يظهر فيها دائما كأنثي بشنب بريمة ثم الدور الأشهر لعبدالمنعم إبراهيم «سكر هانم» ولنفس الكوميديان أيضا «لوكاندة المفاجآت» إلي الأجيال التالية عادل إمام في العديد من أفلامه ك «أذكياء ولكن أغبياء» وغيرها مرورا بثلاثي أضواء المسرح «جورج وسمير والضيف» ومحمد عوض ثم الأجيال الأحدث كأحمد آدم «ولا في النية» وهنيدي في العديد من أعماله منها «جاءنا البيان التالي» ، «يا أنا يا خالتي» ومسلسل «وإنت عامل إيه» ومعه الراحل علاء ولي الدين وصولا إلي محمد سعد ستي أطاطا «عوكل» ورضا في «كركر» ومارجريتا في «55 إسعاف» وهاني رمزي وماجد المصري في «فرقة بنات وبس» ثم هاني رمزي «أبوالعربي» وأحمد رزق كأنثي ملظلظة في المسخ المشوه مسرحية «سكر هانم» وحتي حسن حسني في إحدي مسرحياته التي سيسقط اسمها حتما من ذاكرتك كالعديد من أسماء أعماله لكثرتها إلي حد مبالغ فيه ولقلة قيمة أغلبها إلي حد مبالغ فيه أيضا. إغراء كبير بل إن تقديم الذكر لشخصية الانثي أغري الممثلين غير الكوميديين بتقديمها فربما اعتقدوا أن هذا سيرفع من رصيدهم لدي الجمهور أو ربما أرادوا التجربة لمجرد التجربة كمحمود يس وحسين فهمي في أحد أفلامهما القديمة مع الراحلة هالة فؤاد وإسعاد يونس وأسامة عباس ، وأحمد رمزي «ثرثرة فوق النيل»، ومحمود حميدة وسامي العدل في «حرب الفراولة» وعلي العكس ولضرورة درامية منطقية قدم شريف منير شخصية الأنثي في «هيستيريا» وغيرها. وما يدفعك للعجب والحيرة هو إصرار بعض الممثلين الكوميديين علي تقديم شخصية الأنثي أكثر من مرة في أكثر من عمل علي الرغم من أنه لا يقدم جديداً ولا يضيف لمسيرته شيئا إيجابيا! فلماذا هذا الإصرار علي التكرار الذي يمتزج دائما بالملل والاستظراف والاستخفاف بعقلية متفرج مطحون ومهموم يتوق لضحكة من القلب في زمن عز فيه الفرح؟ ربما هو بالفعل تقليد توارثته أجيال الفنانين الواحد تلو الآخر حاكه لهم المؤلفون إما لضرورة درامية في القليل من الأعمال وإما حشو يمكن الاستغناء عنه في الكثير من الأعمال بعضها كتب دون معرفة مسبقة بالبطل الذي سيقوم بالدور والكثير منها كتب خصيصا لنجوم بأعينهم صيغت لهم الإفيهات المناسبة لشخصياتهم وأحجامهم وأطوالهم. وليس مهم علي الإطلاق أن تصدق أن هذا الكائن الذكوري المشعر هو أنثي بالفعل بل علي العكس المطلوب منك كمتفرج ألا تصدق أبدا أن ذلك الخنشور هو أنثي بالفعل كي تضحك ملء شدقيك من المفارقة؟ أو المفترض بك أن تضحك وتقهقه وتستلقي علي بطنك كالصرصور وترفس بقدميك من كثرة الضحك. حبكة درامية وأصبح هذا التقليد المقدس منهجا ودستورا لكل كوميديان في كل عصر وأوان فقلما تجد كوميديانا لا يقدم شخصية الأنثي في عمل أو اكثر طوال مسيرته الفنية منهم من أجاد وهم قلة ومنهم من شط واستظرف وما اكثرهم. وللإنصاف فبعض تلك الأعمال التي قدم فيها الممثلون الذكور شخصية الأنثي كانت محبوكة دراميا ووظف الدور بسلاسة مع الأحداث تجعلك لا تمل مشاهدة العمل أبدا مهما تكرر عرضه فمن منا لم يستمتع بأداء العظيم الراحل عبدالمنعم إبراهيم في «سكر هانم» ولا يمل من مشاهدة الفيلم عدة مرات؟ وكذلك الدور الذي لعبه إسماعيل يس في «الآنسة حنفي» أو الدور الذي لعبه الرائع الراحل عادل خيري في فيلم «لقمة العيش»؟ ولكن وعلي النقيض فهناك الكثير من الأعمال التي قدم فيها ابطالها الذكور ادوار الإناث كانت حشوا واقحاما علي السياق الدرامي للاحداث وكانت استظرافا ممن أدوها واستخفافا بعقول المشاهدين. وأيضا لن يضير العمل الفني شيئا إن تم حذف تلك الأدوار بأكملها وليس فقط مجرد حذف بعضا من مشاهدها فمثلا هل سيختل البناء الدرامي المهترئ أصلا لفيلم «أخطر رجل في العالم» إن حذفنا منه مشهد رقصة فؤاد المهندس الأنثي كاملا؟ وكذلك حذف مشاهد تنكّر المهندس ومدبولي في شخصية المرأة في فيلم «ربع دستة أشرار»؟ أو حذف دور الأنثي الذي لعبه أحمد رمزي في الثرثرة؟ أو حذف تنكر «كتكوت» محمد سعد في زي الأنثي في مشهد الهروب من الكبيرة؟ أو حتي حذف تنكر علي الكسار في شخصية امرأة بفيلم سلفني تلاتة جنيه؟ إقحام سمج وكذلك نلاحظ أن الكثير من تلك الأدوار التي جسد فيها الذكور شخصية المرأة وبخاصة تلك الأدوار التي فصلت من بعض ترزية الكتابة لنجوم بعينهم هي بالفعل كانت إقحاما سمجا علي الأحداث يمكن الاستغناء تماما عنه أو علي الأقل الاستعاضة في مشاهدها بأخري أكثر إقناعا ومنطقية فمثلا أي ضرورة درامية كانت واجبة في فيلم أبو العربي ليتقمص هاني رمزي دور امرأة «بتحب ترش تحت ابطيها عشان العنكبوت ميلزقش في الشراشيب؟» وأيهما كان سيصبح أكثر وقعا وتأثيرا هل أداء رمزي لتلك الشخصية أفضل أم أداء ممثلة أنثي حقيقية لها؟ ربما كانت الضرورة الوحيدة هي صياغة المزيد من الافيهات الخاصة بالبطل وابتزازك معنويا لتضحك علي الأقل عشان وشك ميكرمش! وفي جاءنا البيان التالي ما العبقرية لتنكر هنيدي في دور عاهرة لدخول بيت دعارة والحصول علي بعض المعلومات وعلي النقيض تنكر حنان ترك في دور رجل؟ العبقرية الوحيدة في هذا هي الاستخفاف بعقل المتفرج المصري أو العربي عموما وانتزاع الضحكات عنوة منه. كما أنك تلاحظ أيضا أن في الكثير من تلك الأدوار تتكرر الأحداث والمواقف فأنت تعرف مسبقا ما سوف يحدث مع أو لهذا الممثل الذكر المتنكر في شخصية الأنثي، وتعرف مسبقا المفارقات التي ستواجه تلك الشخصية خاصة بإختلاطه بنساء حقيقيات وما في تلك المفارقات من إسقاطات وإفيهات جنسية، فلا جديد المواقف واحدة تقريبا وكلها مكررة مللنا منها ونحفظها جميعا ورغم ذلك مازال صناعها يصرون علي تكرارها! والمطلوب منك كمتفرج ألا تعترض وألا تقارن بل لابد أن تتغاضي وتضحك ولابد أن تضحك. فمثلا كم شخصا منا ربط بين الاسكتش الغنائي الذي قدمه إسماعيل يس متنكرا في زي راقصة أجنبية مع عبدالسلام النابلسي في فيلم «إسماعيل يس بوليس سري» والاسكتش الغنائي الذي قدمه محمد سعد متنكرا في شخصية راقصة اجنبية مع أحمد حلمي في فيلم «55 إسعاف»؟ وكلا التنكرين كانا لنفس الغرض تقريبا وهو مراقبة بعض المجرمين بل أيضا وفي نفس المكان «ملهي ليلي»؟ حالة غثيان بعد كل هذا فالمؤكد أن حذف الكثير من تلك الادوار من بعض الأعمال الفنية لن يؤثر بالسلب أبدا عليها بل علي العكس ففي معظم الأحيان سيكون هذا الحذف في صالح تلك الأعمال وليس ضدها فهو علي الأقل سيلغي حالة الغثيان التي يشعر بها المتفرج جراء استظراف بعض الممثلين ومحاولاتهم انتزاع الضحكات من المشاهد رغما عنه وسيقلل من شعور المشاهد بالدونية جراء استخفاف هؤلاء الفنانين بعقليته واستعباطهم له. الخلاصة أن تقديم الممثلين الذكور لشخصية المرأة علي الشاشة الكبيرة أو الصغيرة أو خشبة المسرح لن يتوقف وسيطلون علينا بين الحين والآخر بتلك الشخصية بنفس التفاصيل والمواقف والمفارقات والإفيهات التي نعرفها ونحفظها. القليل من هؤلاء الفنانين سيحترم جمهوره الذي وهبه نجاحه ولكن الكثيرين منهم ربما دون وعي سيكملون مسيرة الاستعباط التي رسم خريطتها سابقوهم ممن استهانوا بنا. ولكن علي هؤلاء أن يعوا أمرا مهما للغاية ألا وهو أن هذا المتفرج المصري الصبور علي قدر صمته وتركه لهؤلاء أن يستخفوا بعقله بملء إرادته وبمزاجه فعلي نفس القدر وأكثر سيغربلهم من ذاكرته ولن يذكرهم بخير مستقبلا وسيصبحون بلا قيمه بعد مماتهم أو حتي في حياتهم. علي هؤلاء الممثلين أن يأخذوا العبرة من الماضي فكل من استخف بعقل المشاهد المصري أصبح الآن منسيا لا ذكر له ولا داع لذكر أسماء فاللبيب بالإشارة يفهم ونحن نعرف كل من انقطع ذكره مهما كثر عمله.