تتشابه المدن، ولكن يبقي لكل منها ما يميزها ويعطيها طابعها الخاص، وكذلك قد تتشابه الأفلام في بعض الخطوط العامة، أو الأفكار ولكن يبقي أن لكل فيلم خصوصيته حتي لو كانت تجمعه بأفلام أخري نفس الفكرة أو القصة! وعندما قدم المخرج الإيطالي فيتوريو دي سيكا فيلمه الرائع"سارق الدراجة" في عام 1948، اعتبره النقاد أهم فيلم في تاريخ السينما في ذاك الوقت، بل إن البعض يعتبره كذلك حتي الآن، رغم مرور ما يزيد علي نصف قرن علي إنتاجه، وقصة «سارق الدراجة» تتشابه إلي حد كبير مع قصة فيلم "حياة أفضل" للمخرج "كريس ويتس" ولكن المدهش أن كلا منهما يختلف في مكان الحدث وزمانه، وكثير من التفاصيل التي تجعل كلا من الفيلمين حالة فنية شديدة الخصوصيه! ومناسبة الحديث عن فيلم "حياة افضل" إن الممثل المكسيكي "ديميان بشير"أختير ضمن خمسة ممثلين مرشحين لجائزة أوسكار أفضل ممثل، التي سوف تعلن نتائجها في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي! حدود فاصلة يعيش كارلوس في الجزء الشرقي من مدينة لوس انجلوس، منذ ما يزيد علي خمسة عشر عاماً، دون اوراق رسمية، فقد تسلل منذ سنوات، بين الحدود الفاصلة بين الولاياتالمتحدةوالمكسيك، وتزوج وأنجب ابنه الوحيد "لويس ، ثم هجرته زوجته، بعد أن ضاقت بحياته المرتبكة، وتركت له إبنهما طفلا رضيعا، قام كارلوس برعايته وتنشئته، واضطر من اجل ذلك أن يعمل في مهن وضيعه، حتي يوفر لابنه حياة افضل، ولكن لويس الابن المراهق نشأ في اجواء مختلفة عن موطنه الاصلي، وصار مواطنا امريكيا، لا يتحدث اللغة الاسبانيه"لغة المكسيك" ولا يعرف تقاليد بلاده، ولا ثقافتها، انه شديد التأثر بكل ماهو امريكي، ونظراً لحداثة سنه، فهو يجهل قيمة عطاء والده ودأبه الدائم ليوفر له حياة كريمة دون أن يتورط في جريمة مثل معظم المهاجرين غير الشرعيين، وبقي الصبي الي حد كبير يقاوم سيطرة رفاقه ومحاولتهم ضمه الي صفوف الخارجين علي القانون، "لويس " لم يكن يوماً مبهوراً بوالده فهو يراه مستسلم لقدره، يمشي جنب الحائط ويتجنب المشاكل وينأي بنفسه عن أي خلافات، ويعرض حياته للمخاطر أثناء عمله في صعود اشجار النخيل لتقليمها، أو العمل في زراعة وتهذيب حدائق الاغنياء، وتتبدل حياة "كارلوس" عندما يعرض عليه أحد رفاقه، شراء شاحنة يمتلكها، بعد أن حقق الرجل ما يريده من امريكا واستطاع أن يدخر بعض المال يعود به الي وطنه ليبدأ حياة جديدة. ويضطر كارلوس أن يستدين من شقيقته كل ما كانت تدخره من مال، كي يشتري الشاحنة، ليحقق لابنه الوحيد، حياة افضل من تلك التي حققها طوال خمسة عشر عاما، وعندما يشتري الشاحنة يشعر أن الحياة قد ابتسمت له اخيرا، ويأخذ ابنه لويس في جولة بها، ويعده أن يسمح له بقيادتها بعد أن يبلغ السن القانونية ويستخرج رخصة قيادة، رغم أنه لم يحصل عليها، لأنه في نظر القانون ليس له وجود مطلقا، لأنه لم يدخل البلاد بطريقة شرعية ويعمل بعيدا عن اعين رجال الشرطة، ويحدث ما لم يكن في الحسبان، حيث يسرق احدهم الشاحنة، اثناء انشغال كارلوس بتسلق إحدي شجرات النخيل، ويفشل في اللحاق به، ويعود الي ابنه في نهاية اليوم محبطا يائسا ويخبره بما حدث، ويقررا معا البحث عن السارق، لان الاب لايستطيع أن يلجأ للشرطة، وفي رحلة البحث عن الشاحنة المسروقة. يستعرض الفيلم العالم السفلي للجريمة في لوس انجلوس، الذي تتحكم فيه عصابات منظمة من المهاجرين غير الشرعيين، وعندما يصل كارلوس الي السارق، يكتشف أنه باع الشاحنة وارسل نقودها لاهله في المكسيك، ويمنع ابنه الصبي من الانتقام من الرجل لأنه ضحية مثله! وينزعج لويس من مثالية والده التي يفسرها بالضعف والاستكانة، فيهجره ليقيم عند احد اصدقائه، ولكن الاب يقرر البحث عن الشاحنة في بطريقته، ويطلب مساعدة ابنه الذي يوافق علي مرافقة والده، ويذهبان الي جراج ضخم لبيع السيارات المسروقة وبعد مغامرات ومخاطر يتمكنان من سرقة الشاحنة، ويفاجأ الصبي بقدرة والده وشجاعته في تحمل المخاطر لاسترجاع حقه، ولكن الأمور تسوء عندما يعترض طريقهما ضابط شرطة ويطلب من الأب اظهار رخصة القيادة! أحياء الجريمة في أمريكا أحياء كاملة تعيش علي الجريمة، ومع ذلك فإن القوانين الصارمة تحمي المجتمع منها، بحبث لا تؤثر علي حركة الحياة، ولا تساهل مطلقا مع من يقع تحت طائة القانون، سواء كان ظالما او مظلوما، وعليه فإن الاب كارلوس يتم القبض عليه، وتسحب منه الشاحنة التي امتلكها بأوراق غير موثقة، ويتم ترحيله خارج البلاد، أما الابن الصبي فهو يحمل الجنسية الامريكية حيث يتلقي تعليمه في إحدي مدارسها وينال عناية الحكومة وكأنه أحد رعاياها، ويحرص الابن علي لقاء والده قبل ترحيله ويطلب منه بإلحاح الا يتركه وحيدا ويعده الاب أن يعود للوطن في اقرب فرصة، والوطن هنا هو أمريكا بلد الاحلام التي تتحول الي كوابيس ومع ذلك هي افضل حالا من غيرها، ويعيش الابن الصبي في انتظار عودة والده، ويلتحق بأحد أندية كرة القدم ويحقق بعض النجاح نأما الاب كارلوس فهو ينجح بعد عدة اشهر في العودة لامريكا كما جاء في المرة الاولي متسللاً عبر الحدود! الممثل المكسيكي دميان بشير المرشح لجائزة اوسكار يقدم أداء شديد التميز، وأجده منافسا قويا لكل من جورج كلوني، والفرنسي جان ديجاردان، فقد عبر عن المواقف المتباينة للأب الذي يبدو في عين ابنه ضعيفا مستكينا رغم ما يحمله من قوة وقدرة علي تحمل الصعاب ، وفي مشهد "ماستر سين" يجيب ابنه عن سؤاله الدائم عن السبب الذي يجعل رجلا فقيرا مثله يحرص علي انجاب طفل ، لايستطيع حمايته من قسوة الظروف، لقد حرصت علي وجودك حتي تكون لحياتي معني، فأنت السبب الوحيد لبقائي علي قيد الحياة، من أجلك تحملت المصاعب والمخاطر، كي أمنحك حياة أفضل، وهذا سبب وجيه يكفي أن اعيش من أجله، قالها الاب في اللقاء الاخير بينه وبين ابنه الصبي الذي بدأ يتكشف بعض ما كان يجهله عن والده، الممثل المكسيكي ديميان بشير -49 سنه- من نجوم السينما في المكسيك، شارك في فيلم عن حياة جيفارا للمخرج ستيفن سوديلبرج ولعب شخصية فيدل كاسترو، كما قدم شخصية الثائر المكسيكي "زباتا". أما " كريس ويتس" مخرج فيلم حياة افضل فقد سبق له تقديم الكعكة الامريكية، والقمر الجديد من الجزء الثاني من سلسلة أفلام الرعب الشهيرة، بالإضافة لفيلم البوصلة الذهبية، وفيلم الرسوم المتحركة "النمل " اشتهر كريس ويتس بأنه لا يقدم مشاهد الحركات الخطرة إلا بعد أن يجربها شخصيا، وفي فيلمه حياة افضل تدرب بنفسه علي صعود النخيل الذي يبلغ ارتفاعه ما يزيد علي عشرين مترا، قبل أن يستعين بدوبلير خاص، وذلك حتي يعيش التجربة ويدرك مكمن الخطورة في الحركة فيعبر عنها بالكاميرا وأداء الممثل!