وجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسبوع الماضي خطاب حال الاتحاد أمام مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس، والذي يعد الخطاب الأخير قبل نهاية ولايته الأولي وقبل بدء السباق الرئاسي مع مرشح جمهوري في نوفمبر المقبل. وركز أوباما علي موضوعات خاصة بحملته الانتخابية المقبلة من الدفاع عن أجندته الاقتصادية والتأكيد علي تلبية مطالب الأمريكيين من متوسطي الدخل خاصة أن الحزب الجمهوري قد اعتمد سياسة مهاجمة أوباما علي أساس صعف انجازاته الاقتصادية وتركيزه علي السياسة الخارجية. وأكد أوباما أن الولاياتالمتحدة باتت أكثر قوة. خطاب انتخابي ووصف خطاب أوباما بأنه جاء انتخابياً بامتياز حيث روج لسياساته الاقتصادية وحرص علي الإشارة إلي أنه منع تطبيق سياسات أوصلت إلي الأزمة الاقتصادية. وقال "تقدمنا كثيراً، ولا يمكن أن نعود إلي الوراء. طالما أنا رئيس، سأعمل مع الجميع في هذه القاعة علي رسملة هذا التوجه، ومحاربة العقبات، إذ نرفض العودة إلي اقتصاد ضعيف وديون سيئة وأرباح مالية قائمة علي الغش". يذكر أن أوباما يواجه تحديات اقتصادية كبيرة علي رأسها البطالة التي تبلغ 8.5 %، ودين الحكومة الذي يبلغ 15.2 تريليون دولار مقارنة ب 10.6 تريليون حين تولي الرئاسة. ورداً علي انتقاد الجمهوريين لسياساته الاقتصادية، دعا أوباما الكونجرس إلي تنفيذ إصلاح ضريبي لجعل الأثرياء يدفعون 30% من قيمة عائداتهم وذلك حرصاً علي أن تكون هناك سياسة عادلة تمنع اتساع الهوة بين الأثرياء والفقراء. وكانت دعوة أوباما تلك قد رفضتها الأغلبية الجمهورية في الكونجرس عندما طالب بإنهاء العفو الصادر عن الأثرياء والشركات الكبري، والذي أقرته إدارة الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش. ووجه أوباما تحذيراً للحزب الجمهوري بأنه ينوي "مواجهة العرقلة بالعمل"، وأضاف "نستطيع الاكتفاء ببلد ينعم عدد ضئيل من الأشخاص بأوضاع جيدة، أو نعيد بناء اقتصاد يتحمل الجميع فيه حصتهم العادلة من المسئولية، ويلتزمون قوانين اللعبة ذاتها". كما اقترح الرئيس أوباما توجيه الأموال التي ستوفرها الولاياتالمتحدة بعد انتهاء الحرب في العراق وأفغانستان لإنشاء خطوط قطارات فائقة السرعة وإصلاح الطرق والبني التحتية. وكشفت مصادر في وزارة الدفاع الأمريكية أن موازنة الدفاع التي سيقترحها أوباما الشهر القادم ستتضمن خفضاً للإنفاق العسكري بنسبة 5% أي بحجم 525 مليون. تبادل اتهامات مع الجمهوريين وعمل أوباما علي تعزيز دعايته لسياسته الاقتصادية بزيارة لخمس ولايات ذات أهمية محورية في حملة إعادة انتخابه، وهي أيوا وميتشيجن في الشمال وأريزونا ونيفادا وكولورادو في الغرب. وقال أثناء زيارة له في أيوا ان الاقتصاد الأمريكي يزداد متانة، وأشار إلي خصومه الجمهوريين وإلي انتقاداتهم قائلاً "بعد كل ما حصل، هناك أناس في واشنطن يعانون فقداناً جماعياً للذاكرة. إنهم يريدون العودة إلي السياسات نفسها كتلك التي أغرقتنا في أزمة 2008". وأضاف "فلسفتهم بسيطة: يمكننا تدبير أمورنا بصورة أفضل عندما يعمل كل لوحده، ويلتزم بقوانين خاصة به. حسنا، أنا هنا لأقول إنهم علي خطأ". وفي زيارة له لولاية نيفادا، حاول أوباما أن يقدم نفسه، مستبقاً الحملة الانتخابية في نوفمبر المقبل، علي أنه إنسان يقترف الأخطاء كل يوم ويتعلم منها. وقال "نتعلم من هذه المهنة بشكل دائم. اعتقد أنني رئيس افضل مما كنت عليه لدي تسلمي مهامي، لأننا نكتسب خبرة". وكانت عدة كوادر في الحزب الجمهوري قد أدلت بتصريحات عقب انتهاء خطاب حال الاتحاد استهجنت فيه مما طرحه الرئيس أوباما خاصة ما اعتبره إنجازات لسياسته الخارجية. كما تناول أوباما في خطابه الحديث عن العجز التجاري الأمريكي مع الصين والذي يناهز 300 بليون دولار عام 2011 ، وقال "لا يصح أن تسمح دولة أخري بالقرصنة علي أفلامنا وموسيقانا وبرامجنا للكمبيوتر. ليس إنصافاً أن يتمتع مصنعون خارجيون بميزات لا نملكها بسبب نيلهم دعماً كبيراً. من هنا سننشئ وحدة قواعد في التجارة للتحقيق في الممارسات التجارية الجائرة في دول مثل الصين، وسنكثف عمليات التفتيش لمنع التقليد أو عبور سلع غير مأمونة لحدودنا. نطالب الكونجرس بالتأكد من عدم نيل شركة أجنبية ميزة علي حساب مصنعين أمريكيين لدي الحصول علي تمويل أو دخول أسواق جديدة مثل روسيا. عمالنا هم الأكثر إنتاجية علي وجه الأرض، وإذا سادت المساواة فأعدكم بأن يفوز الأمريكيون دائماً". ضغط علي إيران وتهدئة لإسرائيل و ركز أوباما في خطابه علي إنجازات إدارته في السياسة الخارجية وعلي رأسها الانسحاب من العراق ومقتل أسامة بن لادن. وأضاف الرئيس الأمريكي "للمرة الأولي منذ تسع سنوات لم يعد هناك أمريكيون يقاتلون في العراق، للمرة الأولي خلال عقدين لم يعد أسامة بن لادن يشكل تهديدا لهذا البلد"، وأكد أن معظم كبار المسئولين في القاعدة قد هزموا". وأشار أوباما أيضاً إلي أن إدارته ستستمر في الضغط علي إيران عبر العقوبات الدولية حيث لايزال الحل السلمي ممكناً، وأضاف "إننا عازمون علي منع طهران من الحصول علي سلاح نووي، ولن نستبعد أي خيار لتحقيق هذا الهدف علي رغم أن الحل السلمي مازال ممكناً إذا غير نظامها مساره ووفي بالتزاماته الدولية". وحاول في كلمته تبديد المخاوف بين الناخبين اليهود في الولاياتالمتحدة في شأن موقفه من إسرائيل، قائلاً "التزامنا ثابت بالحفاظ علي أمن إسرائيل، مما يعني أوثق تعاون عسكري بين بلدينا في التاريخ". وتعهد الرئيس الأمريكي بمناسبة اليوم العالمي لذكري ضحايا محرقة اليهود «الهولوكوست» بالعمل مع إسرائيل وحلفائها لمقاومة عودة معاداة السامية، وأضاف "إلي جانب دولة إسرائيل وحلفائنا في العالم، نتعهد إعطاء معني لهذه الكلمات: لن ننسي. لن يتكرر ذلك". وأشار الرئيس أوباما إلي قرب انتهاء الحرب في أفغانستان بعد أن وجهت القوات الأمريكية ضربة قاضية لطالبان، وأكد أن 23 ألفاً من أصل 90 ألف جندي أمريكي سيعودون من افغانستان قبل نهاية الصيف. كما تحدث الرئيس الأمريكي عن التحول الذي يشهده الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقال "لا نعلم متي سينتهي ذلك، لكننا سندعم السياسات التي تشجع إنشاء ديمقراطيات قوية ومستقرة، وكذلك خلق أسواق مفتوحة لأن الديكتاتورية لا تصمد أمام الحرية". ووجه رسالة الي دمشق قائلاً إن "نظام الأسد سيكتشف قريباً أن قوي التغيير لا يمكن أن تعود الي وراء وأن كرامة الإنسان لا يمكن إنكارها". تعليقات الصحف الأمريكية وتناولت الصحف الأمريكية خطاب حال الاتحاد، واتفقت غالبيتها علي أنه ركز علي الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل. وقالت صحيفة واشنطن بوست إن الخطاب تجاهل بعض التحديات الرئيسية، وإنه . ليس برنامجاً للعام المقبل وإنما دعاية انتخابية. أما صحيفة «نيويورك تايمز» فأشارت إلي إن الولاياتالمتحدة تتعافي بشكل بطيء، وأنه علي الرغم من تحسن الاقتصاد نسبياً إلا أن البلاد لاتزال تعاني أزمة اقتصادية وعلي رأسها وجود 13.1 مليون عاطل عن العمل. من جهة أخري، قالت صحيفة «واشنطن تايمز» في افتتاحيتها إن انجازات أوباما في السياسة الخارجية تبرز هوة بين ما يعد به وبين الواقع. وأكدت الصحيفة أن الولاياتالمتحدة في ظل أوباما أصبحت مثل فرس مسن ومتعب. ووصفت قناة «العالم» الإخبارية الإيرانية خطاب أوباما بأنه جاء كاستدراك لنقاط ضعف إدارته، وقالت "متسلحا ً بالانسحاب «الهزيمة» من العراق، ومقتل أسامة بن لادن، ومن أجل كسب أصوات الأمريكيين قبل تسعة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية التي يترشح فيها لولاية ثانية، أفرد الرئيس الأمريكي باراك أوباما الجزء الأكبر من خطابه حول حال الاتحاد للمسائل الداخلية في الولاياتالمتحدة مركزا بشكل أساسي علي الجانب الاقتصادي والطبقات الوسطي في المجتمع". خطاب حال الاتحاد الذي ألقاه أوباما جاء انتخابياً ودفاعياً، وقدم سيناريو مسبق لأهم المناظرات التي ستدور في معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة. وعلي الرغم من سعي أوباما الجاد لتحسين صورته التي اهتزت بسبب ما شابها من تناقضات كثيرة بين وعوده وبين قدراته علي التنفيذ، إلا أن الوضع يشير إلي أنه سيكون عليه خوض معركة شرسة مع الجمهوريين في نوفمبر المقبل.